الفصل 94. ما الذي يجعله خائفًا
“أخي! انظر إلى هذا!”
ارتفع صوت الفتاة الصغيرة مفعمًا بالحماس، يعكس فرحتها.
كانت تبتسم ببراءة وهي ترفع الدمية عاليًا.
كانت دمية دب كبيرة لدرجة أنها غطّت وجهها بالكامل.
“يكفي، انظري أمامك وسيري جيدًا.”
شدّ الفتى ذراع أخته وهو يبعدها قليلًا حتى لا تصطدم بالمارة.
رغم نبرته الهادئة والباردة، كان واضحًا كم يعتني بها.
ابتسمت من تلقاء نفسي أمام هذه المودة الأخوية.
“هل أعجبتك الدمية حقًا؟”
“نعم! تعجبني كثيرًا!”
أجابت الصغيرة وهي تهز رأسها بحماس.
(كان عليّ أن أجلب المزيد من الدمى إذًا…)
فكرت بيني وبين نفسي.
لو أرادت الطفلة، لكان بإمكاني أخذ كل الدمى من بائع الأكشاك ذاك.
فقد استسلم الرجل تمامًا بعد أن غلبه كارسن، ووافق أن نأخذ ما نشاء.
لكن الفتاة رفضت بسرعة قائلة:
ـ “لا، هذه تكفيني! أحب الدمية التي فاز بها الأخ الفضي!”
وهكذا حصل كارسن، من غير قصد، على لقب “الأخ الفضي”.
كان يسير أمامنا بخطوة أو خطوتين، بينما بقيت أنا مع الأطفال أساير خطاهم البطيئة.
(على الأقل بفضله استطعت أن أرسم البسمة على وجوههم…)
نظرت إلى ظهر كارسن وأنا أفكر.
لو لم يكن هنا، لربما لم أستطع أن أهدي هذه الطفلة شيئًا.
هو من اكتشف الخدعة، وهو من أسقط الدمية بمهارة نادرة.
(سأشكره لاحقًا كما يجب.)
أبرمت وعدًا صامتًا في نفسي، ثم واصلت الدردشة مع الصغيرين.
لكن سرعان ما حان وقت الوداع.
“هل أنتم متأكدون أنكما لا تحتاجان أن أوصلكما؟”
“لا بأس.” قالت الفتاة الصغيرة وهي تشد يد أخيها.
“مع أخي أكون بخير!”
“لا تقلقي.” أضاف الفتى بثقة.
ابتسمت براحة.
“الشارع مزدحم، فانتبهوا لبعضكما جيدًا.”
“نعم!”
لوّحا بأيديهما وقالا:
“أيّتها الأخت الجميلة، أيها الأخ الفضي! لنلعب معًا مرة أخرى لاحقًا!”
انحنيَا تحية ثم غادرا.
تابعت خطواتهما حتى ابتعدا، لكن فجأة…
(هاه؟)
عادت الفتاة مسرعة وكأنها تذكرت شيئًا مهمًا.
اقتربت بخطوات لاهثة وأمسكت بطرف رداء كارسن.
“هاه… أخي الفضي!”
رفع كارسن حاجبه باستغراب.
ابتسمت الفتاة بخجل وقالت:
“أردت فقط أن أشكرك! الدمية رائعة حقًا!”
ترددت لحظة ثم تابعت:
“كنت أظن أن أخي هو أروع شخص في العالم… لكنك أيضًا رائع جدًا! آه، وهذا سرّ بيننا… لا تخبر أخي، حسنًا؟ شش!”
ضحك كارسن برفق ومد يده ليمسح على شعرها.
تناثرت خصلاتها البنية الناعمة تحت لمسته الدافئة.
“عودي بخير، صغيرتي.”
* * *
في تلك الأثناء…
كان قائد الفرسان الأوّل، غابيان، يتفقد الغابة المخصصة لمهرجان الصيد برفقة بعض رجاله.
فجأة هرول أحد الفرسان نحوه بلهفة.
“سيدي القائد! كارثة!”
“ما الأمر؟”
“جلالته… جلالته قد اختفى!”
“…اختفى؟”
“قال إنه سيتفقد مكانًا ما، لكنه لم يعد بعد ذلك أبداً!”
ارتبك الفارس، لكن غابيان بقي هادئًا على غير المتوقع.
“لا تقلق. سأجد جلالته بنفسي. أنت عد إلى عملك وجهّز المنطقة الغربية.”
ركب جواده وتوغّل في الغابة.
لم يستغرق الأمر طويلًا حتى وصل إلى حيث توقع.
“كما ظننت…”
ها هو، تحت شجرة ضخمة، جالسًا وعيناه مغمضتان.
من يراه قد يظن أنه نائم بسلام.
لكن غابيان، الذي رافق جيروم منذ طفولته، كان يعرف الحقيقة.
التجاعيد المرهقة بين حاجبيه… العرق البارد على جبينه…
لم يكن هذا نومًا هادئًا.
جيروم لم يعرف الراحة يومًا.
دائمًا يخفي ضعفه خلف قناع من البرود.
ذلك كان سبيله للبقاء وسط وحشية القصر الإمبراطوري.
ابتسم غابيان بمرارة وهو يتذكر…
هذا المكان بالذات، كان مسرحًا لمحاولة اغتيال قديمة كادت تودي بحياة جيروم.
لو لم تُسعفه فتاة تدعى “فَي”، لكان مات في ذلك اليوم.
غابيان لا ينسى تلك اللحظة:
جلالته ملقى على الأرض، وجهه شاحب كالموتى، وقد أصيب إصابات غريبة وعميقة.
فَي، التي ظهرت بالصدفة، أنقذته بإسعافها السريع حتى تنفس مجددًا.
كان أشبه بمعجزة.
حتى أن جيروم نفسه، حين أفاق بعد أيام من الغيبوبة، سأل غابيان:
ـ “في ذلك اليوم… ألم يكن هناك شخص آخر غيرها؟”
لكن غابيان لم يرَ أحدًا.
غير أنه بقي يتساءل لمَ بدا جيروم واثقًا أن شخصًا آخر كان حاضرًا…
(ربما كان أثر السم القوي الذي أصابه… جعل ذاكرته مشوشة.)
أقنع نفسه بذلك في النهاية.
عاد إلى واقعه حين فتح جيروم عينيه فجأة.
“استيقظتم يا مولاي.”
قال غابيان بابتسامة دافئة.
جيروم رمش ببطء، وعيناه الحمراوان غارقتان بالإنهاك.
“رأيتم كابوسًا آخر، أليس كذلك؟”
“…نعم. كابوس لعين بحق.”
تمتم جيروم بابتسامة مريرة.
نظر إليه غابيان مليًا، يتساءل:
(أي حلمٍ هذا الذي يجعل الإمبراطور الجليدي يرتجف عرقًا؟ ما الذي يخيفه لهذه الدرجة؟)
* * *
وفي هذه الأثناء، بينما كان جيروم في الغابة…
دخلت فَي إلى جناح عمله في القصر بابتسامة هادئة.
“مولاتي الإمبراطورة؟”
انحنى الحرس أمامها باحترام.
“جلالته غير موجود الآن. هل أبلغه برسالتكم حين يعود؟”
أجابت بابتسامة رقيقة:
“لا بأس. أردت فقط أن أضع له هدية صغيرة… مفاجأة.”
تردّد الحارس:
“هذا غير ممكن. لا يمكن فتح المكتب في غياب جلالته.”
أمالت رأسها بخفة وقالت:
“لكن جلالته أخبرني أنني أستطيع الدخول متى شئت.”
وقع الحارس في حيرة.
أيكذب الإمبراطورة؟!
وفي النهاية، سمح لها بالدخول.
وضعت فَي منديلاً مطرزًا بعناية على مكتبه.
عادة ما تُقدَّم المناديل في يوم مهرجان الصيد، لكن…
هي أرادت أن يكون الأمر مختلفًا، شيئًا يخصهما وحدهما.
(أتمنى أن يعجبه…)
ابتسمت بترقب.
لكن، وقبل أن تغادر، وقعت عيناها على شيء على المكتب.
“…هذا…”
كان ظرفًا يحمل ختم الإمبراطورة
التعليقات لهذا الفصل " 94"