الفصل 91. لا يبدو أن الوجوه مصطنعة
‘اللعنة… كيف انتهى بي الأمر إلى هذا الوضع؟’
كان موريتس في طريقه نحو العربة، مطأطئ الرأس بشدة.
وبالطبع، لم يكن مخمورًا على الإطلاق. على العكس، كان أوعى من أي وقت مضى.
لكن خطواته كانت ثقيلة على نحو غير عادي.
‘كل هذا بسببه….’
ذلك اللعين الذي لو مزّقته إربًا ما برد غليلي.
رمق موريتس قدمه اليسرى بنظرات مليئة بالعداء.
القدم نفسها التي وطأها كارسن أسفل الطاولة في المطعم… ليس مرة واحدة، بل مرتين!
وبقوة جعلته ما زال يشعر بالألم حتى اللحظة.
“هل اجتهدت في الأكاديمية لأتخرج متفوقًا… لأجل هذا؟”
تملكه الإحباط.
لو لم يقع ذلك الشيء الخبيث في يد كارسن، لما اضطر للخروج كالمطارد.
‘ما الذي كان يدور في بال أمي حين سلّمته ذلك من دون تردد؟’
أطلق زفرة طويلة، والهمّ يغمره.
“بالمناسبة… ما الذي ذهبنا لنبحث عنه؟”
سأله ليونارد الذي كان يسانده وهو يمشي.
‘سؤال وجيه… أنا نفسي لا أدري ماذا أقول.’
كاد يبوح بالحقيقة لكنه ابتلعها.
“إنه… شيء مهم.”
أجاب بتهرّب وهو يخفض رأسه أكثر.
أحس بالعار يتسلل إلى قلبه.
‘في النهاية، حين نصل إلى العربة سينكشف كل شيء.’
ومع مرور الوقت، تزايد توتره.
شعر كأنه سجين ينتظر تنفيذ حكم الإعدام.
الشيء الوحيد المريح أن العربة لم تكن قريبة بعد.
“آه، أرى العربة هناك.”
“….”
وكأن حكم الإعدام جاء فجأة، فانهارت معنوياته تمامًا.
“لماذا أوقف السائس العربة بعيدًا هكذا؟ جعلنا نمشي طويلًا بلا داعٍ. هيا لنسـرع.”
“… نعم، لنسـرع.”
(لا! لا أريد الوصول!)
صرخ في داخله لكنه كان بلا حول ولا قوة.
حاول أن يبطئ خطواته عبثًا، فليونارد لم يسمح له.
“لو كان السير متعبًا، استند علي أكثر. إبطاء السير ليس حلًا.”
“… يا لك من كريم.”
ابتلع مرارته واستسلم لمصيره.
‘إلى هنا انتهت حياتي… على ما يبدو.’
فكر بخيبة.
لكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.
“موريتس.”
“…؟”
رفع رأسه باندهاش.
ليونارد يحدّق به بنظرات غريبة.
وبنبرة باردة قال:
“هل أفاقت سُكرك الآن؟”
“…!”
تجمّد موريتس. لم ينتبه أن أسلوب حديثه تغيّر منذ قليل.
ارتبك، وعينيه ترتجفان.
ولم يفت ذلك على ليونارد، الذي ضاق بصره أكثر.
“بل أرى أنك تسير بخطى ثابتة جدًا أيضاً.”
“ذ… ذلك….”
لم يستطع الإنكار أكثر، فأنزل ذراعه التي كان يسندها على كتف ليونارد.
سكن المكان. لا كلمات، فقط صمت بارد يمر بينهما.
حاول موريتس إصلاح الموقف:
“هاها… أنا من النوع الذي يسكر بسرعة ويفيق بسرعة أيضاً. طبيعة جسدي، تعرف؟ سِمة تتماشى مع مملكة كالوس المشهورة بالخمور.”
ضحك جافًا وأردف:
“أسكر وأفيق… أسكر وأفيق. هكذا أنا.”
“….”
“أنت تفهم قصدي… أليس كذلك؟ تعرف هذا الشعور.”
لكنه لم يلقَ سوى نظرة باردة.
ثم قال ليونارد:
“هل تريدني أن أجيب بصدق؟”
“… لا.”
سقطت ابتسامته الزائفة في لحظة.
كان يعلم أن حججه واهية، لكنه يتشبث بأي قشة.
‘ومنذ متى كان يملك هذا الوجه الصارم؟’
لم يسبق أن شعر بثقل هكذا من أحد سوى كارسن.
‘ربما ورطت نفسي مع الشخص الخطأ….’
جفّ حلقه، ولم يملك إلا أن يلعن في سره:
(أيها الملك اللعين! هل أعجبتك الإمبراطورة لدرجة أن تترك صديقك يموت هكذا؟)
في تلك الأثناء.
“أريد أن أرى ذاك المكان… وأيضًا هذا المحل.”
“تمهل قليلًا، لا حاجة للعجلة.”
كان كارسن يسير بخطوات واثقة في أنحاء المدينة، يتنقّل من سوق إلى آخر كأنه في سباق.
حتى شعرت أني أنا من أتبعه لا العكس.
وبينما نحن نتجول، التفت إلي فجأة:
“تبدين قلقة.”
“… ماذا؟”
“عن ليونارد وموريتس. كنتِ تلتفتين خلفك مرارًا.”
“….”
أدركت أنه لاحظ كل شيء.
فأومأت بصراحة:
“غادرنا فجأة بلا كلمة… لا بد أنهما في قلق شديد.”
ابتسم بثقة وقال:
“لا تقلقي. لن يحدث شيء.”
“وكيف تجزم بذلك وأنت لم ترَ بعينيك؟”
“موريتس سكرتير بارع، يعرف كيف يحمي نفسه.”
“ربما عادةً… لكن رأيته مخمورًا قبل قليل.”
تلعثم للحظة، ثم غيّر الموضوع فجأة:
“آه، هل تشمين هذه الرائحة؟ يبدو أن هناك محل فطائر شهي قريب.”
ودخل بسرعة.
“….”
تنهدت وتبعته.
دخلنا فإذا به محل الفطائر نفسه الذي التقيت فيه بإسحاق من قبل.
والآن يعج بالفطائر الطازجة بمختلف النكهات، بعدما كان يعاني من قلة بسبب الجفاف.
شعرت بالفخر لرؤيتها بهذا الازدهار.
ناولني كارسن ملقطًا بابتسامة:
“هناك أنواع لم أذقها من قبل. لنشترِ بعضًا.”
“فكرة رائعة.”
انشغلت في اختيار الفطائر حتى كوّمت جبلًا منها.
كارسن نظر بدهشة:
“ألا ترين أنكِ اشتريتِ أكثر مما ينبغي؟”
“هناك الكثير من الأشخاص أريد أن أهديهم منها.”
ابتسمت راضية عن إنجازي.
لكن بينما كنا نحاسب، سمعت صاحبة المحل تهمس بقلق لزوجها:
“ها هم مجددًا….”
“نعم، عادوا اليوم أيضًا.”
اتبعت نظراتهما، فرأيت طفلين ملتصقين بنافذة المحل، يحدقان بالفطائر بعيون متلألئة جائعة.
سألت السيدة:
“هل يأتيان كل يوم؟”
أجابت بحزن:
“نعم… تقريبًا بلا انقطاع.”
وحكت عن شائعات أنهم ربما يتظاهرون بالفقر لأن ذويهم يدفعونهم لذلك.
لكنني لم أستطع أن أصدق ذلك.
‘تلك الوجوه… لا، لا تبدو مصطنعة أبدًا.’
التعليقات