الفصل 89 – هل يروق لكِ، آنستي؟
“ماذااا؟! جلالتك طلبتِ أن ترافقكِ في جولة داخل المدينة؟!”
في قصر الإمبراطورية البندتريانية، داخل الغرفة المخصصة للضيوف.
كان مورتس، سكرتير ملك كارلس، على وشك أن يفقد صوابه.
“كنتُ متعجبًا حين طلبت أن أترككم وحدكما لبعض الوقت… إذن كان هذا هو مخططك منذ البداية، أليس كذلك؟”
ابتسم كارلس ابتسامة باردة وقال:
“أي خطة وأي همّ… أنا فقط شعرت بالملل.”
كان كذبه واضحًا وضوح الشمس.
تنهد مورتس بعمق وهو يكاد يرفع الراية البيضاء.
“مولاي، رجاءً… ألا يمكنك هذه المرة أن تكونوا هادئ وتعود بهدوء؟! لقد وصلت قبل موعد المهرجان بوقت طويل، والجميع يراقبنا بعين الريبة.”
“ليس الأمر وكأن ذلك لم يحدث في السابق قط.”
“صحيح، لم يكن أمرًا بلا سابقة.”
لكن ذلك لم يكن إلا في حالات معينة، حين تكون العلاقة بين الدولتين ودّية بما يكفي.
أما الآن، ورغم أن العلاقات لم تصل حد القطيعة بعد أزمة الجفاف، فالوضع لم يكن مطمئنًا تمامًا.
مورتس حنق وهو يهمس:
“على الأقل قول إن الأمر مجرد جولة استطلاعية أو تفقدية، هذا على الأقل أقرب للتصديق.”
“هه. يمكنني قول ذلك إن لزم.”
“… يمكنك، نعم. لكنك لا تنوي ذلك، صحيح؟”
صَفَر كارلس بانزعاج وقال:
“أنت تعرفني أكثر من اللازم.”
“وهل تظنني أرغب في ذلك؟!”
مورتس عقد حاجبيه، ثم سأل بنبرة حادة:
“مولاي، لماذا كل هذا التعلّق… أقصد، هذا الاهتمام المبالغ فيه بتلك السيدة؟! أنتم لم تلتفت قط لكل مرشحات الملكة من قبل! لطالما كنت ترفض )
كارلس ابتسم بخفة وقال:
“ليس ما تفكر به. لا تفسرها هكذا.”
“إذن ما هي؟”
“مجرد فضول.”
“… فضول؟”
“أجل. أنا أيضًا أريد أن أعرف.”
“تعرف ماذا بالتحديد؟”
حينها ألقى كارلس كلماته بثقل:
“أريد أن أعرف ما الذي أشعر به بالضبط.”
“…؟”
صمت قصير. ثم انفجر مورتس صائحًا:
“ماذاااا؟!”
“صوتك يوشك أن يصم أذني. اخفضه.”
“… هل أنتم جاد؟”
“هل سبق أن تكلمت بغير جدية؟”
بل هذا ما يخيفني أكثر، فكّر مورتس.
ارتجف قلبه من القلق، ليس فقط من الناحية الدبلوماسية بل حتى من مستقبل بلده.
“مولاي… أنتم تدرك أن الداخل لم يستقر بعد. الوضع الداخلي ما زال هشًّا.”
لكن كارلس قطعه بنظرة باردة وقال:
“أنا أدرك ذلك أكثر من أي أحد. لكن شؤون بلادي… مسؤوليتي أنا. وليست مسؤوليتك أن تقلق.”
انكمش مورتس تحت تلك الهالة، صامتًا.
لقد اعتاد رؤية هذا الوجه من مولاه من حين لآخر، الوجه الذي يجعله يوقن أنه مهما بدا متهورًا، فإنه يظل ملكًا يعتمد عليه.
كارلس ابتسم بثقة وأضاف:
“إذاً، لا تُشغل نفسك. والآن… أنت كالعادة تتفادى لبّ الموضوع.”
“… بل أنت من تُخطئ ترتيب الأولويات.”
لكن مورتس ابتلع كلماته الأخيرة.
“حسنًا، هذا ما يجعلك أنتَ مورتس.”
“….”
كان لا حول له ولا قوة.
ثم فجأة، أخرج كارلس ورقة من جيبه ولوّح بها.
“…!”
تجمد وجه مورتس حين رآها، وعيناه الحمراوان ارتجفتا.
“هذا… من أين حصلت عليها؟!”
“قدمتها لي والدتك بكل سرور.”
ابتسم كارلس بمكر.
مورتس كاد ينفجر:
“مولاي…!”
“مذهل حقًا. من رسم هذا التقطيع كان بارعًا. أليس كذلك، مورتس؟”
“أ… أرجوك!سأفعل ما تريد! فقط أعطيني إياها الآن!”
كارلس ابتسم بانتصار وقال:
“سنرى. سأقرر بعد أن أرى كيف ستتصرف اليوم.”
في المدينة
قُبيل الظهيرة، كنتُ قد خرجت مع كارلس ومورتس، يرافقنا ليونارد.
وصلنا إلى قلب المدينة المزدحمة.
“هاه. إذن هذه هي العاصمة.”
قال كارلس متفحصًا المكان بفضول.
“مولاي…! لا تبتعد هكذا وحدك!”
صرخ مورتس وهو يجري خلفه.
كنا بالطبع متنكرين. ارتدينا ثيابًا بسيطة، واستخدمنا عربة مموّهة.
أما أنا، فكنت أرتدي على معصمي حبة صغيرة تشبه الخرز، اخترعها سيدريك مؤخرًا.
تمنح مظهرًا مغايرًا مؤقتًا، كتغيير لون العينين أو الشعر.
اختراع مفيد للغاية… فكرت بابتسامة صغيرة.
سرت في السوق المزدحم، أتأمل البسطات والباعة.
كل شيء صاخب وحيوي.
“تفضّلوا! أشياء لا ترونها كل يوم!”
“عرض خاص! اليوم فقط!”
وفجأة، لفت انتباهي شيء في أحد الأكشاك:
سواران بسيطان يتوسطهما حجر دائري، أحدهما أسود والآخر أبيض.
“ما هذا؟”
ابتسم البائع وقال:
“أوه، آنسة! عيناك حادتان. هذان السواران نادران، إذا اقترب الحجران من بعضهما، يتوهجان. هكذا تعرفان مكان بعضكما بلا جهد!”
كان الأمر مثيرًا للاهتمام، ووجدت نفسي أنظر إليه أطول مما يجب.
وفجأة…
“هل أعجبكِ هذا، آنستي؟”
ارتجف بدني.
التفت، فإذا بي أرى ليونارد يراقبني بعينيه الثابتتين.
“…أ… لا. كنت فقط أراه غريبًا.”
تمتمت مسرعة، وأشرت للّحاق بملك كارلس الذي ابتعد كثيرًا.
لكن صدى كلماته ظل يطن في أذني:
آنستي.
سلسلة من “الصدف”
واصلنا التجول، وبدأت ألاحظ شيئًا غريبًا…
في كل مكان نذهب إليه، تحدث لي “مصادفات” لطيفة.
بائع دجاج مشوي أعطاني سيخًا مجانيًا.
بائعة ورد قدّمت لي باقة ورد حمراء.
وفي النهاية، حين وصلنا لمطعم شهير مزدحم… حصلنا مباشرة على طاولة بلا أي انتظار.
“غريب… اليوم حظي جيد على نحو غير عادي.” تمتمت بيني وبين نفسي.
لكنني لم أكن أعلم أن كل ذلك كان بفضل ماري وبقية وصيفاتي… اللواتي اتفقن مسبقًا على تمهيد الطريق لي!
التعليقات لهذا الفصل " 89"