الفصل 87 – وجدتك!
“أهذا صحيح ما تقول؟”
سأل الماركيز نيكولارد، سكرتير جيروم، وقد ارتسمت على وجهه علامات الذهول.
“الشخص الذي يستهدف جلالة الإمبراطورة ليس سوى… دوق هايتينغز؟”
“نعم.”
أومأ جيروم برأسه.
“ومن الذي كشف هذه المعلومة؟”
“السير ليونارد.”
“آه…”
أطرق الماركيز في تفكير عميق، فمادام ليونارد هو من اكتشف الأمر، فلا شك في صحته.
حينها، تذكر جيروم الحوار الذي دار بينه وبين ليونارد.
ــ إذن، ما هو التقرير الذي تود رفعه إليّ؟
ــ ……
ــ في الواقع، حتى لو لم يكن لديك تقرير مهم، فلا بأس. يبدو أنك تبحث عن ذريعة لإخراجها من هنا فحسب.
في البداية، ظن جيروم أن حديثه ليس إلا ذريعة واهية ليُخرج هيلينا من حضرته.
لكن ما سمعه بعد ذلك كان صاعقًا.
ــ لقد عثرتُ على الشخص الذي استهدف جلالة الإمبراطورة.
ــ …ماذا؟ ومن يكون؟
ــ قبل أن أُخبرك… ماذا ستمنحني في المقابل يا جلالة الإمبراطور؟
كان حقًّا مفاوضًا بارعًا.
فقد طلب ليونارد رفع عقوبة الحبس عن رجاله، وكذلك إلغاء قرار طرد سيدريك، مقابل تقديم المعلومة.
“هل تظن، يا جلالة الإمبراطور، أن السير ليونارد سيقتل ذلك الرجل حقًّا؟”
سأل نيكولارد بتردد.
ابتسم جيروم بخفة، فقد طرح نفس السؤال على ليونارد نفسه.
ــ إذن، هل تنوي قتله؟
ــ وهل عليّ أن أجيب على ذلك؟
ــ في الغالب لا تستطيع… أما أنا، فلا يهمني، فسمعتي تحطمت بالفعل.
ــ ……
ــ لكنك أنت، الأمر مختلف بالنسبة لك، أليس كذلك؟
في ذلك الحين، كان جيروم متأكدًا أن ليونارد لن يقدم على القتل.
لكن، في قرارة نفسه، كان الاحتمال قائمًا. نصفًا نصفًا.
فهو رجل اعتاد أن يأتي بما لا يُتوقع.
وفوق ذلك، فالأمر لم يكن ينتهي بقتل دوق واحد.
“من المؤكد أن خلفه آخرين.”
وليونارد بدا وكأنه يدرك ذلك أيضًا.
ارتكأ جيروم على مسنده وقال بنبرة بطيئة:
“علينا أن ننتظر ونرى. لنراقب أي خيار سيتخذه.”
بعد عودته إلى مسكنه، بدأ ليونارد بترتيب أمتعته.
لكن الغرفة التي كان يعرفها جيدًا بدت له غريبة كأنها ليست له.
طرق… طرق.
جاء صوت خافت على الباب.
“تفضل.”
وما إن أذن بالدخول، حتى فُتح الباب بسلاسة.
“هذا غير متوقع… لم أظن أن سيدريك سيأتي إلى غرفتي بنفسه.”
تأفف سيدريك وهو يدخل:
“ولستُ هنا بإرادتي أيضًا، بل لأن جلالة الإمبراطورة أمرتني أن أزورك.”
ثم اقترب وهو يتمتم:
“قيل لي إنك مصاب… أرني يدك.”
“……”
“أسرع، أرني. لقد سمعتُ كل شيء بالفعل.”
مد ليونارد يده على مضض، فارتسمت على وجه سيدريك علامات استياء.
“أكنتَ تترك هذه الجروح بلا علاج؟”
“جسدي يتعافى بسرعة.”
“لا تبالغ… أأنت إلهٌ ليشفى جرحك وحده؟”
نقر سيدريك بلسانه غاضبًا.
ومع ذلك، كان كلام ليونارد فيه شيء من الصحة.
فخلال هذا الوقت القصير، التأمت جراحه أكثر مما كان متوقعًا.
أمسك سيدريك يده وقال:
“خفف من هذه العبوسة، فأنا أيضًا لا أحب لمس يدك.”
“ملامحي هكذا فحسب.”
“هه. وهل هذا يُعد تفسيرًا؟”
ضحك ساخرًا، ثم ركز قوته السحرية في كفه.
فتوهجت يد ليونارد بضوء أخضر باهر، وسرت برودة لطيفة من أصابعه إلى جسده بأكمله.
لحسن الحظ، لم تكن إصاباته قاتلة، فاستطاع سيدريك معالجتها بسهولة.
“حتى لو بدت وكأنها التأمت، عليك أن تحذر لبضعة أيام. تدرك ذلك جيدًا، أليس كذلك؟”
أومأ ليونارد برأسه.
“أشكرك.”
“لكن، كيف حدثت لك هذه الإصابات؟ أنت لست ممن يُهاجَم بسهولة.”
“هل طلبت منك جلالة الإمبراطورة أن تسألني؟”
“…وكيف عرفت؟”
لم يُجب ليونارد إلا بابتسامة صامتة.
ثم ألقى نظرة على يده التي شُفيت للتو.
فالحق أن تلك الجروح لم يتسبب بها خصم خارجي…
بل هو من صنعها بنفسه.
كلمات دوق هايتينغز الحقيرة ما زالت ترن في أذنه:
ــ أجل، يا سير ليونارد. أنت لن تقتلني… لأنك تكن المشاعر لابنتي.
ــ أي ابنة ستغفر لمن قتل والدها؟ فكر في ذلك.
في ذلك اليوم، لم يستطع ليونارد أن يُنزل ضربته.
بدلًا من ذلك، هشّم بقبضته المزهرية إلى جواره.
ــ اسمعني جيدًا، يا دوق. إن عدتَ لمثل هذه الألاعيب…
ــ ……
ــ فلن أتردد حينها في قتلك بيدي.
شد ليونارد قبضته بقوة.
وبعد طول تفكير، حسم أمره.
“من يهددها بعد اليوم، أياً كان… فلن أتردد في قتله.”
حتى لو كان الثمن أن تهابه أو تبغضه.
سلامتها تعلو فوق كل شيء.
“ما لك شاحب الوجه هكذا؟ هل تفكر بقتل أحدهم؟”
سأل سيدريك وهو يرفع حاجبه.
“أم أن جرحك ما زال يؤلمك؟ مستحيل بعد علاجي.”
“لا… كنت فقط معجبًا بقدراتك.”
“تعجب بهذا الوجه الموحش؟ يا لك من غريب.”
ضحك سيدريك بتكلف، ثم قال بنبرة جادة:
“لكن اسمح لي… لقد أخطأت هذه المرة.”
“……”
“حتى لو لم تقل شيئًا، فقد أقلقت جلالة الإمبراطورة كثيرًا. هي صاحبة قلب رقيق، وأنت تعرف ذلك.”
“أعلم.”
“إذن اذهب واعتذر لها كما ينبغي.”
“أعلم.”
تردد سيدريك قليلًا، ثم أضاف:
“ثم… سمعت أنك أنقذتني من قرار الطرد. أشكرك. لقد أسديت لي معروفًا.”
“لم يكن دافعي نقيًّا تمامًا.”
“ماذا تعني؟”
“دعها لوقت آخر.”
ابتسم ليونارد ابتسامة غامضة.
في الحقيقة، ما كان ليهتم لو طُرد سيدريك أو اختفى من أمامه.
لكن السبب الوحيد الذي منعه…
“لأنها ستشعر بالحزن.”
“على كل حال… لماذا عدت فجأة؟”
رفع ليونارد حاجبه قائلًا:
“ألست سعيدًا بعودتي؟”
“كنت أظنك… قد هربت مع من تحب في رحلة بعيدة.”
“من أحب؟”
“أما زلت تجهل؟”
قال سيدريك بوضوح:
“كنت برفقة سيدة في السوق، تختاران المجوهرات سويًا، أليس كذلك؟”
“آه…”
ضحك ليونارد بعدما فهم.
كان يقصد اليوم الذي تبعته فيه هيلينا، فرأته برفقة امرأة.
“لقد أسأتَ الفهم. تلك السيدة عمتي.”
“…عمـتك؟!”
شهق سيدريك غير مصدق.
“لا تكذب!”
“إنها الحقيقة.”
“إذن… لقد كنتُ أتوهم طوال الوقت…؟”
تجمدت ملامح سيدريك، وكأن عقله انهار فجأة.
وبهذا انتهى أخيرًا المسلسل الدرامي الذي كان يدور في رأسه.
ومرّت شهران سريعان.
“الطقس أصبح ألطف.”
حلّ الخريف، وبدأت أوراق الأشجار تخضب باللون الأحمر.
لقد مضى أكثر من نصف عام منذ أن جئتُ إلى هذا العالم.
“أحيانًا أنسى أنه مجرد عالم رواية…”
أجل، البشر يتأقلمون حقًا بسرعة مذهلة.
والآن، كنت أستعد بحماس لمهرجان الصيد الكبير، الذي يُعد أبرز احتفالات الخريف.
وكانت التجهيزات مرهقة، لأن المهرجان يمتد لليلتين متتاليتين.
“لم أكن أنوي أن أكرّس جهدي هكذا…”
لكن زميلاتي من الخادمات والوصيفات لم يتركن لي فرصة للتهاون.
في مهرجانات سابقة، كنت أتحجج بالتقصير كي أثير استياء جيروم.
لكن بعد أن رأيت كيف يتحمل غيري عبئي، شعرت بالذنب.
“حسنًا… فلأقم بواجبي إذن.”
رفعت رأسي وسألت:
“إذن… سنعدّل الميزانية على هذا الشكل. وبالمناسبة، هل أُرسلت الدعوات بالفعل؟”
أجابت الكونتيسة كلوي بثقة:
“نعم، أُرسلت كلها الأسبوع الماضي. والآن ينبغي أن تكون قد وصلت إلى المدعوين.”
وفي الوقت نفسه، في مملكة كالوس…
“آآه، ما أشد الملل.”
تنهد الأمير كارسن وسط ساحة التدريب.
حولَه، تناثر الجنود المغلوبون على الأرض كالدمى.
قال مساعده موريتس، وهو يتفحص المشهد بعيون متعبة:
“ألستَ من أنهكهم منذ الصباح؟ ومع ذلك تشكو الملل؟”
ضحك كارسن قائلًا:
“فعلتُ ذلك لمصلحتهم. ليرتفع مستواهم.”
“نعم، نعم…”
رفع موريتس كتفيه مستسلمًا.
“ألا ترى أننا بحاجة إلى رحلة؟ أشعر أنني أعمل فقط هذه الأيام.”
لكن نظر موريتس صار حادًا فجأة:
“رحلة؟! أرجو أن لا يكون مقصدك… إمبراطورية بينتريون؟”
“هاه، تعرفني جيدًا. ذكي كعادتك.”
“ذكاء؟ بل جنون! أهذا وقت التفكير في السفر إلى هناك؟”
ابتسم كارسن وقال ببرود:
“ألا يجب أن يساعدني مساعدي في إيجاد الحلول لمشكلاتي؟”
تمتم موريتس ساخرًا:
“أنا لست مستشارًا عاطفيًا يا صاحب السمو…”
لكن بعد تردد، أخرج ورقة من بين الأوراق الكثيرة أمامه.
“ثمة حل… لكن لا أدري إن كان صوابًا أن أُطلعك عليه.”
“أرني!”
انتزع كارسن الورقة بسرعة، وعيناه تلمعان بفضول.
وبمجرد أن قرأ محتواها، تلألأت عيناه الرماديتان.
“هاه… وجدتها. لعبة مسلية.”
التعليقات لهذا الفصل " 87"