الفصل 85 – هل حقًا تتمنى الموت؟
في صباح اليوم التالي.
قالت الكونتيسة كلوي وهي تضع فنجان الشاي إلى جانبي:
“يبدو أن النزهة قد راقت لكِ كثيرًا.”
ابتسمتُ:
“هل الأمر واضح إلى هذا الحد؟”
“بالطبع، ملامحك أكثر إشراقًا من المعتاد.”
ابتسمت الكونتيسة ابتسامة دافئة، وما إن رأيتها حتى انشرح صدري أنا أيضًا.
قلت:
“لقد دلّني سيدريك على مكان جميل. في المرة القادمة، لو سنحت الفرصة، لنذهب جميعًا.”
أجابت بحماس:
“سيكون ذلك رائعًا!”
وضجّت الوصيفات بالضحك وهنّ يقلن:
“إنه لشرف لنا، يا جلالتك.”
عاد المشهد إلى ذهني… ذلك الحقل الممتد من الزهور بلا نهاية، السماء التي تلونت بلون الغروب، تلك اللوحة الساحرة التي بدت كالحلم.
(ثم…)
وضعت يدي على جبيني لا إراديًا.
«اليوم… يوم مميز.»
صوت سيدريك ما زال يتردد في أذني، وكأن أثره ما زال مطبوعًا على جلدي.
“مولاتي، وجهك محمرّ…”
“هل تشعرين بتوعك؟ هل أستدعي الطبيب؟”
لوحت بيدي سريعًا:
“لا، أنا بخير. شكرًا لاهتمامكن.”
(لم أكن أعلم أن لسيدريك جانبًا كهذا…)
صحيح أنني تفاجأت كثيرًا من مبادرته المفاجئة، لكن ربما… أليس في الخارج يُعبرون عن الشكر بهذه الطريقة؟ نعم… من الأفضل ألا أعطي الأمر معنى أكبر.
(مع ذلك، بدا سعيدًا جدًا بالهدية التي أعددتها له…)
كنت قلقة أن تبدو تافهة، لكنه تمسك بها حقًا. لم يترك الكتاب من يده طوال الطريق في العربة.
ـ “سيدريك، لست مضطرًا لحمله هكذا، يبدو ثقيلًا. يمكنك وضعه في الخلف وأخذه لاحقًا.”
ـ “لا بأس، أنا مرتاح هكذا.”
ـ “لكن ذراعك ترتجف…”
وكأنه يخشى أن يُنتزع منه، ظل يحميه بعناد.
أما أنا فلم أشعر إلا بالامتنان.
حتى إن كونراد سأله بفضول:
ـ “ما هذا الكتاب في يدك، سيدريك؟”
فأجابه بنظرة باردة:
ـ “الأفضل ألا تعرف… حفاظًا على سلامتك.”
لم أرَ سيدريك يهدد أحدًا من قبل. كان الموقف غريبًا.
وبهذا، لم يكن هناك مجال للشعور بالملل في رحلة العودة.
وبينما كنت شاردة أتذكر أحداث الأمس، تبادلت الوصيفات الأحاديث:
“الغريب أن السير كونراد والسير فيليكس تأخرا اليوم.”
“صحيح، عادة ما يأتون في مثل هذا الوقت لإلقاء التحية على جلالتك.”
صحيح… لم يسبق لهما أن تأخرا من قبل. ربما طرأ أمر عاجل؟
خصوصًا أن أمور الفرسان مضطربة مؤخرًا، خاصة في الفيلق الثاني حيث فراغ غياب ليونارد ظاهر.
سألتني الكونتيسة:
“هل أذهب لأستعلم عن الأمر؟”
هززت رأسي:
“لا بأس، سيأتون في وقتهم.”
ثم قلت:
“ما هو جدول اليوم؟”
“علينا وضع خطة لمهرجان الصيد. لم يتبق الكثير على الأمسية السابقة له.”
“إذن حضّري لي خطط العام الماضي، وكل المستندات المتعلقة، مع قائمة بالضيوف الأجانب الواجب دعوتهم.”
“حالًا، يا جلالتك.”
لكن ما إن فتحوا الباب للخروج، سُمعت فجأة صيحة:
“مولاتي!”
دخلت ماري وهي تلهث بشدة وكأنها جرت طوال الطريق.
“ماري؟ ما بكِ؟”
قدمتُ لها كوب ماء وساعدتها على التنفس. ارتشفت بسرعة ثم قالت:
“الأمر خطير، مولاتي! سيدريك… سيدريك في ورطة كبيرة!”
* * *
ما إن سمعت الخبر حتى أسرعت نحو جناح الإمبراطور.
«سيدريك تلقى أمر فصل من القصر!»
تسارعت خطواتي أكثر.
«بل والأسوأ أن السير كونراد والسير فيليكس سيُعاقبان أيضًا! ماذا نفعل؟»
تضاربت الأفكار في رأسي.
“فصل… دون سبب؟”
لم يكن الفاعل سوى شخص واحد: جيروم.
وقفت أمام بابه. قال الخادم:
“مولاتي.”
أمرت:
“أخبر جلالته أنني هنا.”
لكنه تردد:
“أ… عفوًا، يا جلالتك. لقد أمر منذ الصباح بألا يُسمح لأحد بالدخول.”
رفعت حاجبي بسخرية.
“حتى أنا؟”
“أجل، لم يستثنِ أحدًا.”
ابتسمت بمرارة. وكأنه توقع قدومي. حسنًا… سنرى.
فتحت الباب بنفسي رغم ارتباك الخادم.
وكان هناك. جيروم.
خرج للتو من الحمام، يجفف شعره بالمنديل، وقميصه نصف مفتوح.
أشار للخادم أن يخرج، فبقينا وحدنا.
سأل ببرود:
“ما الأمر؟ جئتِ على عجل.”
قلتُ بحدة:
“لا تتظاهر بالجهل. أنت تعلم.”
“أخشى أنني لا أعلم.” أجاب بابتسامة مستفزة.
زفرتُ:
“لقد فصلت سيدريك. ألغِ القرار فورًا.”
ضحك:
“ألهذا جئتِ؟”
“سيدريك من أكفأ سحرة القصر! كيف يُفصل هكذا؟”
“هناك غيره.”
“منذ دخوله تضاعفت إنجازات دائرة السحر ثلاث مرات! ثم بأي ذنب؟”
قال بابتسامة ملتوية:
“ذنبُه؟ أنه خرج برفقة جلالتك.”
شهقت:
“…!”
“لقد شوّه سمعة القصر. فنال جزاءه.”
“مجرد نزهة؟ هذا لا يُسقط هيبة القصر!”
“أنتِ الإمبراطورة. لا يليق بك الخروج منفردة مع ساحر. الناس لا يرحمون.”
“لم يحدث شيء مشين! أردت فقط بعض الهواء النقي.”
“لكن هل سيصدق الناس ذلك؟ النبلاء لا يفوتون فرصة للطعن.”
رفعت رأسي:
“حتى لو كان خطأ، فهو خطئي أنا. لا ذنبه. فإن كان لابد من العقاب، فليكن لي، لا له.”
في تلك اللحظة، قبض على معصمي فجأة.
وبحركة خاطفة، وجدت نفسي مطروحة على سريره.
حاولت مقاومته، لكنه كان قويًا جدًا. قبضته لم تؤلمني لكنها كانت محكمة.
صرخت:
“ما الذي تفعله؟!”
انحنى فوقي، عيناه القرمزيتان كانتا تحدقان في وجهي:
“ألم تقري بنفسك أن الخطأ منك؟ إذن تحمّلي.”
لكن خلف برودة عينيه، كان شيء آخر… غضب؟ ألم؟ لم أفهم.
ثم بصوت منخفض مشحون:
“هل حقًا تتمنين الموت؟”
تجمدت.
(لم يكن غاضبًا لمجرد الخروج… هناك شيء أعمق.)
سألته بصوت متردد:
“لماذا تفعل بي هذا؟”
مسح وجهي بيده الباردة وقال:
“حتى أنا… لا أدري.”
اقترب أكثر… حتى كادت أنفاسي تختلط بأنفاسه.
قال بصوت هامس عند أذني:
“لقد أمرتُ بألا يدخل أحد. دعينا نرى… من يجرؤ على كسر أمري الآن.”
التعليقات لهذا الفصل " 85"