تذكّر كونراد المشهد قبل قليل، حين وقف الحرس الإمبراطوري أمامها، ورفع صوته مقلّدًا ما قالت:
“نُقدّر اهتمام جلالتكم، لكنني مكتفية بما لديّ من حراس. فارجعوا من حيث أتيتم.”
ثم صرخ بحماس وضرب فيلكس بمرفقه:
“هاه! هل سمعت؟ كيف استطاعت أن تقولها بتلك الثقة؟ أليست رائعة؟! أليست؟!”
اعترف فيلكس في نفسه أنها كانت حقًا كذلك.
في البداية خشي أن ترفضهم الإمبراطورة، فهم أمام الحرس الإمبراطوري للإمبراطور نفسه. بل ربما كان ذلك فرصة لتثبيت مكانتها أكثر، لكن الإمبراطورة لم تتردد، وقالت إنّها لا تحتاج إليهم، وإنّها تكتفي بحراسها الحاليين.
كانت وقفة شامخة، أنيقة، تبعث على الاحترام.
لم يعد الأمر مجرد واجب في أعينهم، بل صار احترامًا صادقًا، ورغبة خالصة في حمايتها.
لكن فيلكس لم يستطع الاسترسال في تلك الأفكار، إذ إنّ وخزات كونراد في خاصرته لم تتوقف.
قطّب حاجبيه وقال:
“حسناً، فهمت. لكن كفّ عن وخزي.”
تجاهله كونراد تمامًا وأكمل وهو يرفع علبة الطعام:
“ثم انظر إلى هذه الوجبة! لستُ أبالغ إن قلت إنني صرت أستمتع بالعمل هنا أكثر من فرقة الفرسان!”
ضحك وهو يلوّح بالطبق:
“تشعر وكأن لمسة جلالتها حاضرة معنا.”
فتح فيلكس فمه ليصحح: “لكن هذه الوجبات يصنعها طباخ القصر، وليست جلالتـ…”
قاطعه كونراد: “هشش! لا تُفسد عليّ الجو. المهم أن نقول: شكرًا لجلالتها ونأكل!”
ثم أخذ قطعة لحم ووضعها في فم فيلكس بنفسه.
كان اللحم يذوب بسلاسة في الفم، انعكاسًا لمهارة الطباخين الذين أُمروا بإعداد وجبات خاصة لهما.
ابتلع فيلكس ثم سأله فجأة:
“لكن قل لي… لماذا اخترت حراسة جلالتها؟ أنت لم تكن تحبها أصلًا.”
شهق كونراد مصطنعًا: “أيها الوقح! كيف تقول ذلك؟!”
كرر فيلكس ببرود: “أليس كذلك؟”
تردد كونراد قليلًا ثم همس: “حسنًا… كنتُ كذلك. لكن ذلك في الماضي.”
سأله: “وما الذي غيّرك؟”
أخرج كونراد قطعة حلوى صغيرة وقال مبتسمًا:
“القائد ليونارد تغيّر.”
أومأ فيلكس بخفة: “نعم… أعلم.”
ابتسم كونراد بنصف جدية، نصف حنين:
“لم أتخيل يومًا أن أرى قائدنا يحضر حفلًا بكامل إرادته. لكنه فعل.”
كانت عيناه تلمعان وهو يتابع:
“لقد بدا ذلك جميلًا… أعجبني حقًا.”
نعم، لقد تغيّر ليونارد.
صار أكثر تعبيرًا، وأكثر قربًا من الناس. وكل ذلك بفضل الإمبراطورة.
لكن في الفترة الأخيرة… بدا وكأنه يعود إلى سابق عهده.
باردًا، حادًا، كالسيف. حتى الهواء من حوله صار ثقيلًا، والفرسان صاروا يخشون مجرد الاقتراب منه.
فكر كونراد وهو يضع قطعة حلوى في فمه:
(جلالتها لا تعلم. أمامها يتظاهر كأن لا شيء يحدث، لكن بعيدًا عنها، يعود ذلك البرود المخيف.)
قال فيلكس فجأة:
“وما علاقة ذلك بحراستك لجلالتها؟”
أجاب كونراد بثقة وهو يضغط على صدره:
“ألا تفهم؟ هذه هي طريقتي لمساعدته. بما أنّه يبتعد عن فرقة الفرسان لانشغاله بأمور تخص جلالتها، فأنا سأتولى أنا الأمر هنا. ربما بذلك أخفف عنه بعض العبء.”
ابتسم بخفة وهو يهمس:
“آه… لو أنه يدرك نبل نيّتي هذه.”
في اليوم التالي.
كنت أسير لحضور دعوة شاي.
تنهدتُ: “هاه…”
لم يكن السبب أنّي لا أرغب بالذهاب، بل لأن الدعوة كانت للمتزوجين فقط.
لطالما تجنّبت الإمبراطورة السابقة، هيلينا، هذه اللقاءات. فالكرسي الفارغ إلى جانبها، مكان جيروم، كان يفضح غيابه الدائم.
(كان يتذرع بانشغاله، لكنه لم يكن يرغب بالحضور أساسًا.)
لذلك كنتُ أنا أيضًا أثقل خطواتي.
ليس لغيابه هو… بل لنظرات الشفقة التي تصبّ عليّ من الجميع.
وبالفعل، ما إن وصلت حتى بادرتني إحدى السيدات:
“آه، جلالتك… ألن يحضر جلالتكم الإمبراطور اليوم أيضًا؟”
ابتسمت مجاملة: “للأسف، يبدو أن لديه أمورًا أخرى تعوقه.”
لم أكن أعلم شيئًا يقينًا، لكن الكذبة البيضاء كانت كافية.
ابتسمت أخرى بتصنّع: “لا تحزني يا جلالتك، فمشاغل الحكم لا تنتهي.”
اكتفيتُ بابتسامة هادئة. لم أعد أشرح، ولم يعد يهمني إقناعهم.
بدأ اللقاء كالمعتاد، أحاديث عن الأبناء والجوائز، والهدايا التي جلبها الأزواج من سفرهم.
كنتُ مثل آلة للردود: “أوه… رائع… حقًا؟”
فكرت بملل: (ليته ينتهي سريعًا… أريد العودة لغرفتي وقراءة روايتي.)
لكن فجأة دوّى صوتٌ أربكني:
“يا للعجب!”
رفعتُ رأسي.
لم أصدّق عيني.
جيروم.
لقد حضر.
كان وسيمًا كعادته، يتلقى التحيات بابتسامة واثقة.
“تأخرت بسبب اجتماع.” قال بصوت هادئ.
انهالت عبارات الترحيب:
“وجودكم شرف لنا يا جلالتكم.”
“ليتكم تحضرون دوماً، لقد كان مقعد جلالتكم فارغًا بجانب جلالتها.”
“حتى ملامحها الحزينة كانت واضحة!”
(ماذا؟ حزينة أنا؟!)
كتمت غيظي، خصوصًا عندما لمّحت لي إحدى السيدات بعينها، كأنها تقول: (أحسنتُ أليس كذلك؟)
لا، لم تحسني شيئًا!
ثم التفت جيروم إليّ مباشرة وقال بابتسامة:
“أليس كذلك؟”
(أليس كذلك… ماذا؟!)
كاد الدمع يملأ عيني من شدة الحرج، بينما جلس ببرود إلى جواري.
(لماذا حضر فجأة؟)
كنت متأكدة أنّ لجيروم سببًا.
فهو لم يكن ليحضر هكذا عبثًا.
لكنّه لم يتكلم، واكتفى بالجلوس، يحتسي الشاي ويجيب باقتضاب على أسئلة النبلاء.
(لا بد أنّ الأمر يتعلق بي… عليّ أن أسأله.)
انحنيت قليلًا نحوه وهمست:
“ما الذي تودّ قوله؟”
رفع حاجبه بدهشة: “كيف علمتِ؟”
أجبته:
“لأنك لم تحضر مثل هذا اللقاء يومًا. فمن المؤكد أن السبب يتعلق بي.”
صمت قليلًا، ثم قال بصوت خافت:
“لقد رددتِ الحرس الذين أرسلتهم إليك.”
“نعم.”
“لماذا؟”
“لأن لدي بالفعل حراسًا.”
قال بهدوء: “لكن تبديل الحرس أمر مألوف. لا فرق من يحرسك.”
نظرت إليه مباشرة:
“بل هناك فرق. بل وأكثر من ذلك… لست أفهم لِمَ أرسلت إليّ الحرس الإمبراطوري بالذات. أليس مكانهم بجانبك أنت؟”
ثم أضفت ببرود:
“أم أنّك تودّ مراقبتي؟”
ارتسمت ابتسامة باهتة على وجهه: “بالطبع لا. أردتُ فقط تأمينك.”
وضعتُ فنجاني على الطاولة ونظرت في عينيه الحمراء اللامعة.
قلت بوضوح:
“غريب… حين توسّلت إليك في الماضي أن تمنحني حراسة، رفضت. أتذكر ما قلت حينها؟”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات