الفصل 80 – الحرس الإمبراطوري
“أتقول إنّ السير ليونارد قد تخلّى عن منصب الحارس الشخصي؟”
سألتُ الفارس الواقف أمامي، كونراد.
ضحك قائلاً:
“هاها، لا يا جلالتك. بالطبع لم يتخلَّ تماماً… بل يمكن القول إنه أوكله إليّ مؤقتاً، أو شيئاً من هذا القبيل.”
ثم أضاف مبتسمًا:
“على ما يبدو، لديه أعمال عاجلة كثيرة في فرقة الفرسان هذه الأيام.”
أومأت برأسي.
(لقد كان متجهّم الملامح مؤخراً… لعلّ شيئاً سيئاً حدث؟)
بدأ القلق يتسلل إليّ.
“هل أوضاع الفرسان سيئة للغاية؟”
لوّح كونراد بيده:
“لا يا جلالتك. فقط هناك تنقّلات بين الفرسان، واستقطاب للمستجدين. في مثل هذا الوقت من العام، ينشغل الجميع.”
قلت: “أفهم.”
ابتسم:
“إذن لا تقلقي. يكفي أن المستجدين لا يفرّون خوفاً من القائد، فهذا إنجاز، هاها.”
ابتسمتُ: “صدقتَ، ربما أنت محق.”
نعم… إنه ليونارد.
لا بد أنه بخير.
قال كونراد بعينين يملؤهما الإعجاب:
“بالطبع! فالقائد ليس رجلاً عادياً.”
(لقد بدا واضحًا كم يثق به.)
لكن فجأة قطّب حاجبيه وحدّق في الرجل الذي يقف بجانبه:
“لكن… ما الذي تفعله هنا أنت؟”
أجاب الرجل ببرود:
“ولِمَ لا أكون هنا؟”
كان ذا شعرٍ بني داكن، وعينين رماديتين، وملامح أكثر صرامة من كونراد.
انحنى باحترام وقال:
“اسمي فيلكس. جئتُ لأكون بمثابة اللجام لهذا الرجل.”
صرخ كونراد: “ماذا؟! لجام؟! أنت أيها الـ—”
لكن فيلكس وضع يده على فمه.
“مـمم! أتركني أيها الـ…!”
غير أنّ فيلكس تجاهله وقال لي:
“إن بدر منه أي تصرف طائش، أرجو أن تخبريني فوراً يا جلالتك.”
احمرّ وجه كونراد غيظًا: “تصرف طائش؟! أنا؟!”
راقبتهما بصمت لحظة، ثم قلت:
“يبدو أنّ علاقتكما قوية حقًا.”
قال فيلكس: “نحن زملاء قدامى.”
لكن كونراد هتف بفخر وقد تحرر فمه:
“ومع ذلك، مهارتي تفوقه بكثير! فاعتمدي عليّ يا جلالتك، سأحميك بروحي قبل جسدي!”
ضحكتُ مجددًا:
“إذن، سأعتمد عليكما معًا، السير كونراد، والسير فيلكس.”
قال كونراد بحماسة: “هاها، اتركي الأمر لي!”
وأضاف فيلكس: “لا تقلقي يا جلالتك.”
وهكذا، وجدت نفسي محاطة بفارسين بدلًا من واحد.
ومنذ ذلك الحين، أظهر كونراد حماسًا مبالغًا فيه في أداء مهمته.
“يا جلالتك، انتظري!”
“ماذا الآن؟”
“قد يكون في الطعام سم! سأجرّبه قبلك.”
“آه… حسنًا. شكراً لك.”
بعد أن تذوّق الطعام قال بجدية:
“لا تقلقي، لا أثر للسم. يمكنك الأكل الآن.”
وفي موقف آخر، صرخ:
“توقفي يا جلالتك! أسمع خطوات تقترب!”
توترت، فسألته: “ماذا؟ من؟”
ثم صمت قليلاً قبل أن يجيب بثقة:
“هممم… يبدو أنّها وصيفة ماري.”
لم يقتصر الأمر على هذا… بل كان يتصرف كأنه خادم أيضًا.
“يا جلالتك، لحظة! لا تجلسي هناك!”
“لماذا؟”
“هناك بعض الغبار على المقعد! لا يليق أن تجلسي فوقه. سأجعل الخدم ينظفونه حالًا.”
ابتسمتُ بارتباك: “إنه مجرد غبار، يمكنني مسحه.”
فأجاب بحزم: “لا يليق بمقامك ذلك!”
أما فيلكس، فقد كان مشغولًا بكبح جماحه.
“اهدأ قليلاً يا كونراد.”
“اهدأ؟ وهل الحماية تحتمل الهدوء؟”
ثم يتلقى لكمة خفيفة على كتفه من فيلكس ليُسكت.
في البداية، كان الأمر مرهقًا، لكن سرعان ما بدا… مسليًا.
حتى الوصيفات كنّ يضحكن من مواقفه.
بدا وكأن كل شيء يسير بسلام، وكأن غياب ليونارد لم يترك فراغًا كبيرًا.
ومع ذلك… في أعماقي، لم أكن متأكدة إن كنت قد اعتدت على الوضع كليًا.
في مكان آخر، كان الإمبراطور جيروم يتلقى تقريرًا من المركيز نيكولاد.
قال الأخير:
“يا جلالتك، كما أمرت، تحققنا من بعض التحركات المريبة، ويبدو أنها تستهدف جلالتها الإمبراطورة.”
تصفّح جيروم الأوراق بهدوء، دون أن يظهر شيئًا في عينيه.
فكّر المركيز: (لم أتوقع أن يكون هناك من يتآمر ضد الإمبراطورة بالذات… عادةً من تنصبّ عليهم المخاطر هنّ المحظيات أو من يحظين بحب الإمبراطور.)
فقال متسائلًا:
“ولكن… لماذا الإمبراطورة بالذات؟ لقد فحصتُ وضع الإمبراطورة القرينة أيضًا، لكن لم أجد شيئًا سوى بعض محاولات النبلاء لكسب ودّها.”
أجاب جيروم ببرود: “لا أدري بعد.”
قال المركيز:
“ثم إنّ الهجوم الأخير الذي تعرّضت له جلالتها في طريقها إلى مملكة كالوس، على الأرجح من تدبير المجموعة ذاتها.”
ثم أضاف بجدية:
“لكن معظم المشتبه بهم اختفوا. لم نجد لهم أثرًا.”
قطّب جيروم حاجبيه: “اختفوا؟”
“نعم يا جلالتك. من الغريب ألّا يُترك أي أثر. إما أنّهم ذوو خبرة عالية… أو أنّ أحدهم قضى عليهم قبلنا.”
قال جيروم: “أحد الأمرين صحيح.”
أومأ المركيز: “لذلك نحتاج وقتًا أطول للوصول إلى الرأس المدبّر.”
ثم أردف متذكرًا:
“آه، وهناك أمر آخر. لقد تغير حرس جلالتها الإمبراطورة. السير ليونارد سلّم المهمة لغيره.”
رفع جيروم حاجبًا: “لمن؟”
“للسير كونراد والسير فيلكس.”
فأجاب الإمبراطور: “أعرفهما. فرسان بارعون، لكنهما لا يضاهيان ليونارد.”
ثم فكر للحظة: (ليونارد، بتلك الصرامة… لِمَ يتخلى عن حراسة الإمبراطورة فجأة؟)
لكنه قال بصوت هادئ: “أفهم. يمكنك الانصراف.”
وقبل أن يخرج المركيز، أوقفه الإمبراطور: “انتظر لحظة…”
أما أنا، فكنت في جناحي أتعامل مع أكوام من الأوراق المتعلقة بالتحضير لمهرجان الفروسية.
كلما أنهيت واحدة، ظهر المزيد.
تنهدت: “يا لهذه الأعمال التي لا تنتهي.”
ناديت دون تفكير: “إيميلي، رتّبي لي قائمة الضيوف المميزين من هذه الأوراق.”
ثم تذكرت أنها في إجازة بسبب الولادة.
تدخلت الكونتيسة كلوي، إحدى الوصيفات:
“لقد حاولنا توظيف بديلة، لكن المرشحة اعتذرت فجأة. وحتى عمال الغسيل والبستان، كلٌّ منهم انسحب بحجة مختلفة.”
تمتمتُ: (غريب… هل انتشرت شائعة عن صعوبة العمل في جناح الإمبراطورة؟)
لكن قبل أن أسترسل، دوّى صوت كونراد عند الباب:
“ألا تسمعون؟! عودوا من حيث أتيتم!”
خرجتُ على الفور لأجد كونراد وفيلكس يتشاحنان مع فارسَين بزيّ أبيض مطرّز بخيوط ذهبية.
سألت: “ما الذي يحدث هنا؟”
انحنى كونراد وقال:
“جلالتك! هؤلاء دخلوا فجأة ورفضوا أن يبوحوا بسبب مجيئهم، وأصرّوا أن يخبروا جلالتك مباشرة.”
نظرت إليهم بدقة… ثم تعرفت عليهم.
لقد كانوا من فرسان الإمبراطور نفسه.
وذلك الزي الموشّى بالذهب… لم يكن إلا علامة الحرس الإمبراطوري.
قال أحدهما وهو ينحني:
“تشرفنا بلقائك، يا جلالتك. أنا إيزاكيل، من الحرس الإمبراطوري لجلالة الإمبراطور.”
وأضاف الآخر:
“وأنا جيسيفر، من الحرس ذاته.”
بادلتهم التحية بهدوء:
“وماذا يفعل رجال الإمبراطور هنا؟”
جاء الجواب صاعقًا:
“لقد أُمرنا من جلالة الإمبراطور نفسه… بأن نتولى حماية جلالتك.”
✨ انتهى الفصل 80 ✨
التعليقات لهذا الفصل " 80"