الفصل 71 – لقد لعبتُ خدعة صغيرة
“هل سبق أن التقينا من قبل؟”
سألتُه مباشرة، فما كان منه إلا أن أومأ برأسه بهدوء.
“نعم. صاحبة الجلالة منحتني في إحدى المرات قطعة خبز.”
“قطعة… خبز؟”
تأملت قليلًا ثم خطرت لي ذكرى قديمة.
“…انتظر. متجر الفطائر في السوق؟”
ابتسم وقال:
“صحيح. تذكرتِ بسرعة.”
آه، الآن تذكرت.
كان ذلك الرجل الذي صادفته في متجر الفطائر حين كنت في طريقي إلى بيت ماري.
«لا تقولي إنكِ ستأخذين جميع الفطائر؟»
«خلافًا للشائعات… تبدين مهذبة فعلًا. آمل أن نلتقي مجددًا.»
لقاء عابر… ومع ذلك ظلّت عيناه وصوته عالقَين في ذاكرتي.
وكان يعرف من أكون منذ البداية!
“إسحاق… صحيح؟”
“يشرفني أنكِ ما زلتِ تذكرين اسمي.”
انحنى بخفة، متكئًا على عصا مذهّبة تعلوها زخرفة على شكل قطة.
ابتسمت قائلة:
“لم أتوقع أن أراك هنا في القصر.”
“أخي يعمل في القصر. جئت لألتقيه.”
“هل قابلته؟”
“ليس بعد، لكنني أنوي ذلك قريبًا.”
“إذن سررت بلقائك مرة أخرى. أستأذنك الآن.”
حييته ومضيت… لكن وقع خطواته ظل يتبعني.
التفتُّ بدهشة.
“لماذا تتبعني؟ ألم تقل إنك تبحث عن أخيك؟”
ضحك بخفة وقال:
“أشعر أن بقائي إلى جانبك سيقودني إليه. عندي حدس قوي.”
…يا إلهي.
لماذا يصرّ الجميع على ملاحقتي؟
هل هذه موهبة جديدة عندي؟
وفجأة—
“جلالتك.”
التفتُّ فإذا هو سيدريك.
ابتسمت بارتياح:
“سيدريك. لم أتوقع أن أراك هنا.”
“ماذا تفعلين؟”
“أشارك في البحث عن الكنز.”
بدت الدهشة على وجهه.
“لم أظن أن الأمر يثير اهتمامك.”
“ليس الكنز بحد ذاته… بل لأنني…”
تردّد قليلًا، ثم احمرّ وجهه وهو يهمس:
“أردت أن أهدي ما أجد لشخصٍ عزيز.”
…شخص عزيز؟
توقفت رغبة في السؤال، لكن حياءه حال دون ذلك.
ثم نظر سيدريك حوله.
“غريب. أين السير ليونارد؟ عادةً لا يفارق جانبك.”
همس بشيء بالكاد سمعته، بدا كأنه «امرأة أخرى…؟»
“قالوا إنه منشغل بترتيبات البحث عن الكنز.”
“لا أعتقد ذلك.”
جاء الصوت من إسحاق.
“لا؟ ما الذي تعنيه؟”
ارتسمت على وجهه ابتسامة ماكرة.
“لقد خدعته. الآن لا بد أنه يضيع وقته في مكان آخر.”
في الجهة الأخرى…
كان ليونارد يقطع أروقة القصر بخطى متسارعة، حتى كاد يركض.
في يده رسالة سلّمها له أحد الجنود منذ لحظات.
«رسالة من ذلك الشخص… في مثل هذا الوقت؟»
لم يكن ليترك الإمبراطورة من أجل رسالة عادة، لكن هذه المرة بدت عاجلة.
«هل تورّط مجددًا في مشكلة؟»
القصر يعج بالملوك والنبلاء من شتى الأقاليم.
في أجواء كهذه، المشاكل تكاد تكون حتمية.
وذاك الشخص تحديدًا لم يكن ممن يتجنّبون المتاعب.
«ربما خلاف مع أحد أمراء الدول… أو أسوأ، اشتباك بالسيوف؟»
لم يستطع ترك الأمر دون تدخّل.
لكن قلبه كان مضطربًا كلما ابتعد عن هيلينا.
«سأعالج الأمر بسرعة وأعود إليها فورًا.»
وصل إلى المكان المذكور في الرسالة… لكنه كان خاليًا.
تفحّص الأرجاء فلم يجد أي أثر لأحد.
ظهر الفارس كونراد.
“سيدي؟ قلت إنك سترافق صاحبة الجلالة اليوم. ما الذي جاء بك إلى هنا؟”
“قيل لي إن مشكلة خطيرة وقعت. أحد كبار الضيوف متورط.”
تجهّم كونراد.
“لم يحدث شيء كهذا. فقط بعض المشاحنات البسيطة، لا أكثر.”
“…مستحيل.”
زمّ ليونارد شفتيه بغيظ.
“ذلك الوغد…!”
العودة إلى قاعة الكنز
“لقد خدعته. لا بد أنه الآن يركض في مكان بعيد.”
قال إسحاق وهو يبتسم، غير آبه.
أنا، على النقيض، شحب وجهي.
“…هل تقول إنك كذبت على السير ليونارد؟!”
“نعم. بكل بساطة.”
يا للمصيبة…!
هل يدرك أنه تلاعب بقائد فرسان الإمبراطورية، أخطر رجل يمكن استفزازه؟
“لماذا؟!”
“لأني أردت أن أبقى معكِ وحدنا، جلالتك.”
…!
“أتمزح؟!”
“على العكس. أردت أن أتعرف عليك أكثر.”
أطبقتُ شفتيّ بعصبية.
“هل تفهم عواقب هذا؟! إن علم، فلن تمر بسلام.”
ضحك بلا مبالاة:
“أنا لا أقلق بشأن الغد. يكفيني أن أكون هنا الآن، معكِ.”
تقدّم سيدريك فجأة، ووقف حائلًا بيني وبينه.
صوته جاء حازمًا على غير العادة:
“أيًا كانت نواياك، لن أسمح لك بأن تتجاوز حدودك مع جلالتها.”
تسارعت دقات قلبي من وقع كلماته…
لم أتوقع من سيدريك اللطيف أن يتكلم بهذه الصرامة.
أما إسحاق، فاكتفى بابتسامة هادئة.
“سآخذ ذلك بعين الاعتبار… يا حامي الغابة الخضراء.”
راقبته بصمت، ثم خطر في بالي:
حتى وهو يرتدي قناعًا، ملامحه تنطق بكل شيء… كأنه يمثل دورًا على مسرح
التعليقات لهذا الفصل " 71"