الفصل 70 – البحث عن الكنز
ليلة مهرجان التأسيس كانت أكثر الليالي بهاءً.
الزينة الفاخرة، الملابس المتألقة، الموسيقى العذبة… وضحكات تملأ القاعة بأجواء دافئة.
الجميع كان مستمتعًا… إلا أنا.
منذ بداية الحفل وأنا غارقة في سؤال واحد:
من الذي خطط لهذا الحفل أصلًا؟
عندما سمعت أن الإمبراطورة والإمبراطورة القرينة ستشرفان على الاحتفالات في اليوم نفسه، قررت ألا أتدخل كثيرًا.
لم أرغب في منافسة البطلة “الإمبراطورة القرينة” في ساحة هي ميدانها.
لكن ما حدث فاق توقعي.
كان من المفترض أن يكون حفلي باهتًا، فارغًا من البذخ…
إلا أن القاعة ازدانت بتماثيل جليدية خلابة وضباب ساحر جعل المكان أشبه بقصر شتوي أسطوري.
لم يكن هذا من ترتيبي. إذن من الذي فعلها؟
تذكرت كلمات ليونارد قبل قليل:
“لعل أشخاصًا مخلصين لجلالتك فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم.”
في غمرة الأحاديث مع السيدات، نسيت السؤال. لكن الفضول دفعني أخيرًا لسؤال الكونتيسة كلوي إن كانت وصيفاتي وراء ذلك.
إلا أن ردها كان صاعقًا:
“هذه الفكرة من تخطيط السير ليونارد نفسه.”
اتسعت عيناي بدهشة:
“ليونارد؟!”
ابتسمت الكونتيسة بأدب وأوضحت:
“قال إن جلالتك قد تُظهرين لا مبالاة تجاه الحفل، لكن لأن شرف الإمبراطورة على المحك، فلا يمكن ترك الأمر هكذا.”
حتى علم أنني سأتجاهل الحفل…؟ كيف عرف؟
والأدهى أن تجهيز حفل كهذا كلّف ثروة هائلة. لكن، التفكير في ثروة ليونارد تحديدًا ضربٌ من السذاجة.
فهو لم يكن مجرد فارس… بل رجل ذو دهاء ونفوذ، اشترى متاجر في أرقى الشوارع بين ليلة وضحاها.
ثم لا ننسى… أنه في القصة الأصلية كان الخطر الأكبر، وصاحب أعظم ثروة في الإمبراطورية.
ومع ذلك… أن يتصرف هكذا دون استشارتي؟
غريب… لكنه في النهاية أمر يبعث الامتنان.
تابعت الكونتيسة:
“حين طلب مساعدتنا، قال إنه يريد أن يقدّم لجلالتك هدية.”
“هدية…؟”
لم تكن مناسبة خاصة، لا ميلادًا ولا ذكرى. فما المقصود إذن؟
وقبل أن أستفيض في التفكير، سألتها:
“وأين هو الآن؟”
“استدعاه أحد الفرسان لبعض الشؤون، فغادر مؤقتًا.”
حقًا… في هذا التوقيت بالذات؟
“ربما ذهب لترتيب الفعالية التالية، البحث عن الكنز.”
آه صحيح… كان المهرجان يتضمن فعاليتين رئيسيتين:
حفلة تنكّرية تحت إشرافي، ولعبة البحث عن الكنز تحت إشراف الإمبراطورة القرينة.
لاحظت أن كثيرًا من الضيوف بدأوا يغادرون القاعة بالفعل، متجهين نحو موقع الفعالية الثانية.
ربما عليّ أن أذهب أنا أيضًا…
لأشكره شخصيًا، ولأرى ما أعدّته القرينة.
فقد أوصفت الرواية الأصلية “حديقة الماء” التي صممتها بأنها خيالية بحق.
في حديقة الماء
ما إن دخلت حتى انبهرت:
“واو… يا لها من روعة.”
إذا كان حفلي قد تمحور حول الجليد، فحفلتها تمحور حول الماء.
جداول رقراقة جُلبت من حديقة القصر، أضواء سحرية وألعاب مائية تبهر العين.
كانت حديقة حقيقية من الماء والزهور.
لكن رغم جمالها، بدا الحاضرون أقل حماسة مما توقعت.
“جميل… لكن ينقصه شيء.”
“بعد رؤية قصر الجليد، لم يعد هذا مبهرًا.”
“صحيح، لم أتوقع أن يكون الجليد بتلك الروعة…”
بل وبدأ البعض ينتقد:
“إهدار للماء في وقت يعاني فيه الشعب من الجفاف!”
“لو صُبّت هذه المياه في الأراضي العطشى، لكان أنفع.”
بينما تعليقات أخرى قارنت مباشرة بيني وبينها:
“الإمبراطورة استخدمت القليل من الماء، أما القرينة فبالغت في الاستهلاك.”
“وفوق ذلك، أليست الإمبراطورة من جلبت المياه من مملكة كالوس؟ إذن هي صاحبة الفضل.”
استمعت لانتقاداتهم، فشعرت بوخز في صدري.
هذا لم يكن ما يجب أن يحدث.
في القصة الأصلية، كانت القرينة تتعرض لمضايقات كثيرة من “هيلينا الشريرة” التي كنت أجسّدها.
ومع كل العوائق، أكملت مشروعها بشق الأنفس، حتى كسبت إعجاب الجميع بتلك الروح النبيلة.
لكن الآن… لم تتلقَّ سوى انتقادات لاذعة.
وللأسف، كل ذلك بسببي.
لم أقصد إيذاء البطلة، ومع ذلك انتهى الأمر بعرقلتها… بل أشد من القصة الأصلية.
أطلقت تنهيدة مريرة.
هل أنا موهوبة فعلًا في عرقلة البطلات حتى دون أن أفعل شيئًا؟
لكن سرعان ما تماسكت.
لا أستطيع التراجع الآن.
فليست الوصيفات وحدهن من بذلن جهدًا، بل أيضًا ليونارد وسيدريك اللذان ساعداني في الخفاء.
لن أسيء لكل ما فعلوه.
ليكن إذن… فليجرِ القدر كما يشاء.
فعالية البحث عن الكنز
كانت ذروة المهرجان، لعبة يشارك فيها الجميع.
القصر يُفتح بالكامل باستثناء بعض الغرف الخاصة كالمكتب الإمبراطوري.
الهدف: العثور على الصناديق المخفية.
تحتوي هذه الصناديق على كل شيء: من الحلوى الصغيرة وحتى المجوهرات الثمينة.
أما أي شيء يُلتقط خارج الصناديق، فالعقوبة تنتظر صاحبه.
أنا شخصيًا لم أهتم بالأمر. لم آتِ إلا بحثًا عن ليونارد.
لكن القصر ضخم إلى حد يصعُب معه التفتيش، بل بدا مستحيلًا.
هل أعود أدراجي؟
وبينما كنت أستعد للمغادرة، سمعت صوتًا مهذبًا خلفي:
“هل تعرفين أين قد تكون الكنوز مخبأة؟”
ظننت أنه أحد النبلاء المشاركين. فأجبت بلا مبالاة:
“غالبًا في أعلى مكان… أو أعمق مكان.”
ابتسم الرجل وهو يكرر كلماتي:
“أعلى مكان أو أعمق مكان… مثير للاهتمام.”
ثم قال بهدوء:
“ولكن… إن لم تكن جلالتكِ تعلم، فمن عساه يعلم إذن؟”
التفتُّ نحوه، فإذا برجل يرتدي قناع قطة سوداء.
لكن عينيه… كانتا مألوفتين بشكل غريب.
“يسرّني لقاؤك مجددًا.”
ابتسمت عيناه بملامح ودودة، كأنني أعرفه منذ زمن.
التعليقات لهذا الفصل " 70"