الفصل 69 – أرنيه أنا فقط
همست إحدى السيدات بجانبي:
“منذ قليل، لم يكن وجه السير ليونارد مريحًا… هل حدث شيء ما؟”
“ليونارد؟”
استدرت لا إراديًا أنظر إليه.
وبالفعل، كما قالت… كان وجهه أكثر جدية من المعتاد.
لماذا يبدو هكذا؟ هل حدث ما أزعجه؟
في الحقيقة، تلك النظرة الغريبة كانت ترافقه منذ ما قبل دخولي القاعة.
منذ اللحظة الأولى التي رأيته فيها هذا المساء.
لم يُظهر شيئًا واضحًا، لكنه كان شيئًا يثقل صدري منذ البداية.
ولما التقت عينانا مجددًا، ازدادت قسوته في النظر.
قد لا أعرف السبب بعد، لكن… من الواضح أن الأمر يخصني.
في مكان آخر من القاعة
“واو… هذا جنون.”
الذي تمتم هكذا هو كونراد، أحد الفرسان المكلّفين بالحراسة.
عيناه ظلّتا تتابعان تحركات ليونارد بلا انقطاع.
ذلك لأنه كان يرمق كل رجل يقترب من الإمبراطورة بنظرات باردة مخيفة.
إلى حد أن أي رجل التقت عيناه بعينيه، كان يرتجف ويتراجع فورًا.
بل إن بعض النبلاء الذكور انسحبوا من حولها تمامًا.
ولم تلحظ الإمبراطورة أن جميع من يحيط بها الآن سيدات فقط.
والأطرف من ذلك… أن ليونارد، في اللحظة التي تلتقي عيناه بعينيها، كان فجأة يتحوّل—
من وحش مفترس إلى حمل وديع.
“يال العجب… هذا الرجل ممثل بالفطرة!”
غمغم كونراد مذهولًا وهو يلكز زميله في الكوع.
“هل رأيت هذا؟ قَسَمتُ بالله، لم أتوهّم!”
أما زميله في الحراسة، فيلكس، فكان أكثر تماسكًا:
“ألا تكفّ عن هوسك بالقائد؟ ركّز، نحن في نوبة عمل.”
“هذا بالذات هو سبب قلقي! هذه حالة طارئة يا رجل!”
خفض صوته بجدية وأضاف:
“أكاد أظن أن شخصًا ما اختطف القائد… واستبدله بشخص آخر يشبهه.”
بالتأكيد، ليونارد لم يكن يتصرّف كعادته.
لكن فيلكس رد ببرود:
“أي عاقل يستطيع اختطاف قائد فرسان الإمبراطورية؟ هذا هراء.”
تراجع كونراد قليلًا:
“حسناً، صحيح… لا يمكن لأحد أن يخطفه. بل ربما يُقتل من يحاول.”
ثم أضاف بصوت خافت:
“لكن… كيف نفسّر ما يجري؟ حتى ملابسه! أليست تشبه فستان جلالتها؟”
التفت فيلكس ليتفحصهما:
“نعم… لكن بما أنه من نفس المصمم، فهذا طبيعي.”
“لا، لا، الأمر أعمق من ذلك. أتدري ماذا رأيت مؤخرًا؟”
اقترب أكثر وهمس:
“كان يتفقد سجلات تتعلق بالسحرة… وبالأخص، أعمال الزينة السحرية.”
نظر فيلكس إلى القاعة المليئة بمنحوتات الجليد الساحرة.
“لا تقل إن هذه كلها من تدبير القائد…”
“بالضبط.”
رد كونراد بجدية.
“لا شك أنه جند السحرة لهذا. كم من الأموال أُنفق على هذا؟!”
أومأ فيلكس ببطء وهو ينظر نحو الإمبراطورة.
“إذن… إنه يفعل كل هذا من أجلها.”
ابتسم كونراد بمرارة:
“من أجلها فقط؟ هذا جنون… إنه مسحور بجمالها لدرجة الهوس.”
في الشرفة
بعد طول حديث مع سيدات القاعة، خرجت قليلًا لأتنفس.
هبّت نسمة باردة فتنفست بارتياح.
“هاه… هذا أفضل.”
رفعت بصري فرأيت القمر مكتملًا يتلألأ في السماء، والنجوم تلمع كحبات ألماس.
يا للجمال.
لكن حين أدرت وجهي جانبًا، كان ليونارد يقف هناك.
ما زال وجهه متجهمًا… بل أكثر من ذي قبل.
ما به؟ لماذا يبدو وكأنه يزداد سوءًا كل لحظة؟
لم أستطع كبح فضولي أكثر. اقتربت وقلت بهدوء:
“ليونارد.”
أجاب بعد لحظة صمت قصيرة:
“نعم، مولاتي.”
“أريدك أن تصارحني.”
“بماذا تقصدين؟”
“لماذا وجهك عابس هكذا منذ بداية الحفل؟”
أجاب مترددًا:
“هل كنتُ… هكذا فعلًا؟”
“جداً. هل أخطأت بحقك في شيء ما؟”
لم يرد.
لكن صمته كان أبلغ من الكلام.
بدأت أسترجع ما قد يكون السبب. ثم تذكرت…
هل يمكن أن يكون بسبب أنني تجسست عليه من قبل؟ ولم أعتذر…؟
تنهدت بخجل وقلت:
“إن كان بسبب أنني راقبتك سرًا حينها… فأنا أعتذر. كان خطأ مني.”
لكنه هز رأسه نافيًا.
“ليس هذا السبب.”
“إذن… ما هو؟”
تردد طويلًا قبل أن يقول بصوت منخفض:
“فستانكِ.”
“…فستاني؟”
خفض عينيه قليلًا.
“لم أكن أعلم أن ظهره مكشوف بهذا الشكل.”
“آه…”
أدركت فجأة.
إذن لهذا بدت نظرته غريبة طوال الوقت…
وجهي احمرّ دفعة واحدة. لم أعرف ماذا أقول.
لكنه اقترب أكثر، وصوته العميق الرخيم همس بجانبي:
“لا أحتمل نظرات الآخرين إليكِ.”
تجمدت في مكاني.
مد يده بهدوء، أناملُه مرّت بين خصلات شعري.
“أكاد… أفقأ أعينهم جميعًا.”
كتم بقيّة كلامه، ثم اكتفى بضم شعري المنسدل وأعاد ترتيبه خلف أذني.
ابتسم بخفة وهو يهمس قرب وجنتي:
“أرجوك… أرني هذا المشهد أنا وحدي.”
التعليقات لهذا الفصل " 69"