الفصل 68 – صدفة مذهلة
كان يوم الاحتفال بتأسيس الإمبراطورية.
وأمام العربة التي ستأخذني إلى قاعة المهرجان، فوجئت بمن ينتظرني هناك.
“مولاتي الإمبراطورة.”
كان هو… ليونارد.
“لم أتوقع أنك ستنتظرني هنا.”
ابتسم بخفة وهو يجيب:
“أنا فارسكم الشخصي، من الطبيعي أن أكون بانتظاركم.”
آه، صحيح… لقد كدت أنسى.
فهو ليس فقط قائد فرسان الحرس الإمبراطوري، بل أيضًا فارسي الخاص المكلّف بحمايتي.
لكنني لم أره منذ فترة، حتى كدت أن أنسى هذا الدور.
نظرت إليه مطولًا.
في بضعة أيام فقط، بدا لي أن وسامته ازدادت بريقًا.
وفجأة أدركت أنه لا يرتدي زي الفرسان المعتاد، بل بذلة رسمية أنيقة.
مجرد تغيير الملابس جعله يبدو مختلفًا تمامًا.
لكن… شيء ما في ملابسه أزعجني.
هل يعقل… أنها تشبه ملابسي؟
نعم، كان لباسه يضاهي فستاني في الأجواء والذوق.
الألوان مختلفة قليلًا، لكن أي شخص يملك عينًا حادة سيلاحظ التشابه.
“هل من الممكن أن يكون زيك هذا…”
فأجاب فورًا وكأنه كان ينتظر السؤال:
“إنه من تصميم نفس المصممة التي أعدّت فستان جلالتك.”
كما توقعت.
إذن كان الأمر مدبّرًا منذ البداية.
ربما هذا ما يفسّر اختفاؤه عن الأنظار مؤخرًا.
“إن دخلنا معًا هكذا، سيظن الجميع أننا… نرتدي ملابس متطابقة.”
“لا داعي للقلق.”
قالها بثقة هادئة.
“إنه مجرد عمل لمصممة واحدة. طبيعي أن تكون هناك لمسة متشابهة.”
“تظن أن الناس سيقتنعون بأنها مجرد صدفة؟”
“نسميها إذن… صدفة مذهلة.”
كلماته جعلتني أشك أكثر في أنه خطط لذلك عمدًا.
لكن على أي حال، لا وقت لتغيير فستاني الآن.
“على كل حال… شكرًا لك. لقد اهتممتِ حتى بجلب مصممة من أجلي. لو لم تفعل، لكنت في موقف محرج.”
أجاب بابتسامة هادئة:
“يكفيني أن أكون سببًا في راحتكِ يا مولاتي.”
ثم حدق بي طويلًا.
ملامحه كانت جادة أكثر من المعتاد.
“هل هناك خطب ما في الفستان؟”
“الفستان…”
خفضت بصري أنظر إليه.
كان من الحرير البنفسجي الفاتح، مطرّزًا بخيوط بيضاء دقيقة، وحافته مرصعة بالدانتيل الناعم، يزينه بريق الأحجار الكريمة المتناثرة.
حقًا، تحفة فنية. حتى فرينا نفسها اعتبرته أروع ما صنعت.
“هل يبدو سيئًا؟”
“لا… على العكس.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة.
“مشكلته الوحيدة أنه يليق بكِ أكثر مما يجب.”
“… ماذا؟”
لكنه لم يوضح أكثر، بل اكتفى بفتح باب العربة.
“تفضلي بالصعود يا مولاتي.”
يبدو أن الجميع، سواء كان سيدريك أو ليونارد، يفقدون توازنهم حين يرونني بهذا الفستان.
“على كل حال… سأرد لك هذا الجميل لاحقًا.”
رفع حاجبيه بابتسامة غامضة:
“ذلك اليوم… سأنتظره بفارغ الصبر.”
عند بوابة قاعة الاحتفال
قبل النزول من العربة، ارتديت قناعًا كنت قد أعددته مسبقًا: قناع على شكل طائر مزخرف بريش فاخر.
في احتفالية التأسيس، هناك عرف خاص: على جميع الحضور ارتداء أقنعة.
قيل إن الغرض من ذلك أن يصبح الجميع متساوين، من عامة ونبلاء، ليتمكنوا من الاستمتاع بالاحتفال بلا تمييز.
لكن الآن، حفاظًا على الأمن، لم يعد مسموحًا سوى للنخبة المختارة بدخول القاعة.
مع ذلك، كنت ممتنة لهذا التقليد اليوم.
لم أبذل جهدًا كبيرًا في التحضير للاحتفال…
ولم أرغب بمنافسة الإمبراطورة الأولى في أي جانب.
لذا بدا القناع وسيلة جيدة لأتخفى خلفه قليلًا.
تقدمني ليونارد حتى دخلنا القاعة.
كنت أتوقع أن أرى مأدبة عادية، طاولات بيضاء تقليدية، موسيقى مملة… لكن—
“… هذا؟!”
ما رأيته كان أشبه بعالم آخر.
أرضية القاعة غمرها ضباب بارد يلمع كالسحر.
الطاولات والكؤوس والجدران… كلها منحوتة من الجليد.
وارتفعت على السقف جدارية ضخمة من الكريستال على شكل شعار الإمبراطورية.
رغم أن الجو خارجًا صيفي حارق، بدت القاعة وكأن الشتاء قد حلّ فيها.
ارتجفت قليلًا من البرد، فألقى ليونارد على كتفي معطفًا ثخينًا كان قد أعده سلفًا.
نظرت حولي… الجميع كانوا يرتدون ثيابًا دافئة.
“مفاجأة جميلة… أليس كذلك، مولاتي؟”
سألني بابتسامة غامضة.
“لكن… أنا لم أصدر أي أوامر بهذا!”
أجاب وهو يشيح ببصره بخفة:
“ربما أشخاص أوفياء لكِ اعتنوا بالأمر سرًا.”
قبل أن أستفسر أكثر، التفّت حولي سيدات النبلاء.
“مولاتي، القاعة مبهرة للغاية!”
“كأننا عدنا إلى الشتاء وسط الصيف!”
“كيف فعلتِ هذا؟”
ابتسمت وأنا أجيبهم ببرود:
“حتى أنا لا أعرف.”
تعليقاتهم لم تتوقف:
“سمعنا أنكِ صاحبة قدرات مميزة، لكن لم نظن أنها تصل لهذا الحد.”
ابتسمت متظاهرة بالجهل، بينما كنت في داخلي مشوشة تمامًا.
نظرت إلى أقنعتهم المزينة: فراشات، قطط، وحتى أقنعة رقيقة من الدانتيل تكشف ملامحهن بعض الشيء.
لم أستطع تمييز كل الوجوه، لكن الأصوات فضحت بعض الهويات.
ضحكت إحداهن وقالت:
“حتى مع القناع، لا يمكن حجب جمال جلالتك.”
ثم تبادلن النظرات سريعًا قبل أن تلتفت إحداهن للخلف:
“تلك الهالة الواثقة خلفك… أليس هذا السير ليونارد؟”
بالفعل، لم يكن يرتدي قناعًا لأنه جاء بصفته فارسي لا ضيفًا.
وجوده بجانبي كان كافيًا ليكشف هويتي.
“نعم، إنه هو.”
تنهّدت إحداهن بإعجاب وهمس آخر في عيونها شيء من الغيرة.
انهالت بعدها كلمات الإطراء على فستاني.
“انه تحفه فنيه أجمل ما في القاعة.”
“إنه من تصميم فرينا.”
“آه! لا عجب! لمساتها فريدة بحق.”
واصلنا الحديث عن الموضة والصالونات والأزياء، حتى اقتربت إحداهن وهمست في أذني:
“لكن… منذ قليل كنت أراقب السير ليونارد.”
ترددت لحظة ثم أضافت بنبرة قلقة:
“ملامحه لا تبدو مطمئنة أبدًا. هل حدث شيء ما؟”
التعليقات