الفصل 64 – رجل ماكر كالـثعلب (4)
تحركت العربة التي تقلّ الكونتيسة كلوي وماري عائدةً نحو قصر الإمبراطورة.
أما أنا فنزلت من العربة تلبيةً لطلب ليونارد.
لحسن الحظ كنت قد أزلت التنكر وبدّلت ثيابي أثناء العودة، وإلا لكان اللقاء به محرجًا للغاية.
فتحت فمي أولًا قائلة:
“ما الأمر؟”
ابتسم وقال:
“يبدو أن جلالتك خرجت بالعربة إلى خارج القصر. إلى أين ذهبتم؟”
رفعت حاجبي:
“وهل عليّ أن أخبرك بهذا؟”
أجاب بثقة:
“بالطبع، فأنا فارسكِ الحارس. من واجبي أن أعرف تحركاتك.”
فارس حارس، حقًا؟
لقد رأيتُ بأم عيني ما كان يفعل!
لم أتمالك نفسي وانطلق صوتي ببرود:
“يبدو أن فارسي الحارس كان منشغلًا كثيرًا.”
ابتسم ابتسامة هادئة:
“حتى لو انشغلت، فسيبقى لدي وقت لجلالتك دائمًا.”
أشحت بوجهي بصرامة:
“لا تكرر هذه الكلمات. إنها تشتتني.”
لم أرد أن أسمح له بخداعي بلطفه أكثر من ذلك.
قال بعدها بجدية:
“كنتِ فضولية بشأن ما كنتُ أفعل، أليس كذلك؟ لم يكن أمرًا مهمًا. مجرد عشاء خفيف مع بعض الوصيفات، ونزهة قصيرة.”
ثم أضاف وهو يحدّق بي:
“وطبعًا، كان هناك ذاك السكير الذي أثار الفوضى….”
تصلبت ملامحي.
ماذا؟! إذن كان يعرف… كل شيء؟!
ارتسمت على شفتيه ابتسامة تكفي جوابًا.
تمتمت مذهولة:
“إذن… كنتَ تعلم منذ البداية.”
قال بثقة:
“بالطبع. ما دام الأمر متعلقًا بجلالتك، كيف لي ألا أعرف؟ آه، صحيح… عمتي طلبت مني أن أنقل لكِ شكرها.”
شهقت:
“عمّتُك؟ تقصد تلك السيدة الجميلة التي كانت معك؟”
أومأ:
“نعم. قد لا يبدو الأمر كذلك لكنها متزوجة ولها ابنتان صغيرتان.”
ارتبكتُ.
إذن… من كنت ألاحق طوال الوقت؟!
تمنيت لو أن الأرض انشقت وابتلعتني.
لو عاد بي الزمن، ما كنت لأفكر أبدًا في ملاحقته هكذا.
قال بهدوء:
“يبدو أن هناك سوء فهم.”
تمتمتُ:
“ولستُ وحدي من وقع في هذا الوهم… كل السيدات كن يعتقدن ذلك أيضًا.”
اقترب مني بخطوات ثابتة وقال بصوت منخفض:
“لكن… أرجوكِ، ثقي بي.”
رفع يده الكبيرة، وأحاط وجنتيّ بكفّيه الدافئتين، بحنان وكأنه يمسك شيئًا ثمينًا يخشى أن ينكسر.
تجمد جسدي.
قلبي أخذ يخفق بعنف.
وفجأة، أحسست بلمسة دافئة وناعمة على شفتي.
قال بصوت عميق متوهج:
“ليس في قلبي سوى جلالتك.”
ترددت أنفاسه الساخنة على شفتيّ، وكأنها نار سرَت إلى أعماق قلبي.
حتى بعد أن ابتعد قليلًا، بقي الأثر كجمرة تلتهب.
ابتسم ليونارد بابتسامة ساحرة، جعلتني أنسى كل قلق.
وهمس برقة:
“كيف لي أن أنظر إلى سواكِ؟”
***
في اليوم التالي.
يا إلهي… ما الذي فعلتُه البارحة؟!
لم أستطع التوقف عن التفكير بما حدث.
كلماته ما زالت تدوي في أذني:
ليس في قلبي سوى جلالتك.
لمست شفتاي بيدي، وتذكرت تلك اللحظة.
قبلته كانت مفاجئة، لكنها رقيقة ودافئة إلى حدٍ أربكني.
كنت غارقة في دوامة مشاعره، غير قادرة على الإفلات منها.
وفجأة دوّى صوت:
“مولاتي الإمبراطورة.”
رفعت رأسي، فإذا بجيروم يناديني، وإلى جانبه الوزراء ينظرون نحوي.
تذكرت أنني في اجتماع يناقش مراسم “عيد التأسيس” القريب.
بدا أن جيروم لاحظ شحوب وجهي واحمرار وجنتيّ.
قال بنبرة قلقة:
“يبدو أن صحتك ليست على ما يرام. إن أردتِ نؤجل الاجتماع.”
أسرعت أجيبه:
“لا. لنتابع النقاش.”
أطرق جيروم قليلًا ثم قال:
“كما تشائين.”
لكن عينيه لم تفارقا وجهي، وكأن شيئًا ما يزعجه.
***
وفي نفس الوقت، كانت وصيفاتي في قصر الإمبراطورة يعقدن اجتماعًا سريًا.
قالت ماري بلهجة جادة:
“هناك عضو جديد سنضمه قريبًا.”
أثار كلامها اهتمام الوصيفات.
كانت تلك المنظمة السرية – التي بدأت بمتابعة شؤون الإمبراطور – قد تطورت وصارت أكثر سرية وقوة، حتى غدت شبكة واسعة النطاق.
وبعد معجزات الإمبراطورة الأخيرة، أصبحت المنظمة تتمحور كليًا حولها وحدها.
تساءلت إحداهن:
“عضو جديد فقط؟ أليست هذه مسألة عادية؟”
ابتسمت ماري ابتسامة ذات معنى:
“ليس عضوًا عاديًا… بل مرشّح لمنصب قائد.”
شهقت الوصيفات بدهشة.
القادة في المنظمة نادرون للغاية، ولا يمكن لأي كان أن يصبح قائدًا.
لا بد أن يجمع بين الذكاء والمهارة، والأهم… الإخلاص المطلق للإمبراطورة.
قالت إحداهن بحماسة:
“ومن هو؟”
أجابت ماري وهي تذكر اسمًا بعينه.
فانطلقت من أفواه الوصيفات أصوات الدهشة:
“آه…!”
“بالطبع… إذا كان هو، فهذا منطقي تمامًا.”
تبادل الجميع النظرات، ثم أومأوا بالإجماع:
“إذن… نرحب به كقائد جديد.”
✨ انتهى الفصل 64 ✨
التعليقات لهذا الفصل " 64"