الفصل 62 – رجل ماكر كالـثعلب (2)
بقيادة ماكس دخلنا إلى القاعة الخاصة.
كان المطعم مكتظًا بالناس، لكن قاعة الشخصيات المرموقة كانت أكثر هدوءًا، وهناك… جلس ليونارد مع رفيقته.
جلسنا على بُعد طاولتين تقريبًا منهما، وموقع طاولتنا المنزوي طمأنني أننا لن نُكتشف.
أخفت الكونتيسة كلوي وماري وجهيهما بقائمة الطعام وهمستا:
“يا ترى، ماذا يتحدثان؟”
“للأسف، لا يُسمع شيء من هنا…”
بدتا وكأنهما تستمتعان بلعبة التجسس هذه!
أما أنا، فاكتفيت بمراقبتهما بهدوء.
لقد تنكّرت جيدًا، فلا خوف من انكشاف أمري.
رمقتُ ليونارد خلسة، كان يبتسم وهو يتحدث مع المرأة الجالسة أمامه.
لم أرَ ملامحها بوضوح، لكنها بدت نبيلة من ملبسها وجلستها.
لم أسمع شيئًا، كل ما رأيته ابتسامة هادئة من ليونارد وجوًّا دافئًا بينهما.
ما الذي يجعله يضحك هكذا؟
حلّ الليل، وكنت قد أنهيت وجبتي والحلوى بهدوء.
أما ليونارد، فلم يغيّر شيئًا من حاله؛ ظلّ يتناول أطباقه ويتحدث بودّ مع رفيقته.
كانت الوصيفتان تتابعان الأمر كأنه قضية حياة أو موت:
“هما يتصرفان كأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن طويل.”
“أليست هذه المودة زائدة عن الحد؟”
اكتفيت بهز رأسي بلا اكتراث.
بينما هما تُرهقان أعصابَهما في المراقبة، كنت أتناول طعامي بهدوء.
سألتني ماري فجأة بقلق:
“مولاتي، ألا يزعجكِ هذا؟ أن يقضي السير ليونارد وقتًا حميمًا مع امرأة غريبة؟”
فأجبت ببرود:
“هو لا يفعل شيئًا خاطئًا. الأمر عادي.”
لكنهن رفضن التصديق:
“لا! هذا غير مقبول!”
في داخلي كنت أكثر هدوءًا.
فليونارد حرّ، وما بيننا ليس شيئًا ملزمًا. بل هو أصلًا “خلف الستار” الذي لا أحد يعرف نواياه… ربما كل ما فعله كان ضمن خططه المعتادة.
وفجأة، همست كلوي:
“السير ليونارد نهض… يبدو أنه تركها قليلًا.”
لكن ما لفت الانتباه كان مشهدًا آخر:
رجل مخمور بدأ يتشاجر مع أحد الخدم، وحين تدخلت المرأة التي كانت مع ليونارد لتهدئته، أمسك بيدها بعنف وراح يصرخ:
“ومن تكونين أنتِ حتى تتدخلي؟!”
قطّبت حاجبي. لم أستطع البقاء متفرجة.
تقدمت سريعًا وأمسكت بمعصم الرجل.
قلت بحزم:
“كفى. توقف.”
زمجر المخمور:
“ومن أنتِ لتأمريني؟!”
رائحة الخمر كانت خانقة.
قال وهو يلوّح بقبضته:
“أترين أنني أُستهزأ بي؟!”
كاد يلكمني، لكن فجأة توقفت قبضته في الهواء.
شخص طويل القامة كان قد أمسك بها…
إنه ليونارد.
كما توقعت، جاء في اللحظة المناسبة.
أطلقتُ سراح الرجل المخمور بهدوء، تاركة الأمر بين يديه.
زمجر المخمور:
“لماذا الجميع يقف في طريقي الليلة؟!”
لكن صرخاته سرعان ما تحولت إلى عويل:
“آه! ذراعي! أرجوك سامحني!”
كان وجه ليونارد مرعبًا، قاسيًا إلى حد لم أره فيه من قبل.
تراجعت قليلًا لأتركه ينهي الموقف.
وهممت بالعودة لمكاني، لكنه أمسك كم ردائي بخفة وقال:
“… شكرًا لكِ. أنقذتِ الموقف.”
ارتجفت. هل اكتشفني؟!
لكن لحسن الحظ، لم يعرف هويتي.
اكتفيت بإيماءة صامتة وعدت إلى مقعدي، حيث أحاطت بي الوصيفتان بقلق:
“هل أصابكِ شيء؟”
“هل أنتِ بخير؟”
أنا بخير. لا تقلقا.”
أما على طاولته، فقال ليونارد بعد أن جلس مجددًا:
“كادت تحدث مشكلة في غيابي.”
فأجابته المرأة أمامه بابتسامة مريرة:
“أنت كما أنت، لا تتغير. دائمًا تجذب المتاعب حولك.”
ثم أضافت، وهي ترفع حاجبًا ساخرة:
“لكن لفت نظري الشخص الذي تدخّل قبل قليل… بدا قويًّا، حازمًا. ذكرني بشبابي.”
هزّ ليونارد كتفيه مبتسمًا:
“ربما.”
قالت:
“على أي حال، أرسل لهم زجاجة نبيذ عربون شكر.”
“أنا سأتكفل بذلك.” أجابها بهدوء.
أمعنت النظر فيه ثم ضحكت بخفة:
“اليوم تبتسم أكثر من العادة. هناك شيء يثير سرورك، أليس كذلك؟”
لكن ليونارد لم يُنكر، بل اكتفى برفع كأسه والتفاتة جانبية خاطفة، حيث كنت أجلس.
أطلقت المرأة ضحكة صغيرة وقالت:
“عد إلى طبيعتك، وإلا ستثير الريبة. أنتَ لا تفعل أشياء كهذه عادة.”
ثم أضافت بتهكم:
“تبدو كفتى غارق في الحب.”
صحيح. تلك المرأة لم تكن سوى عمّة ليونارد.
هي التي رعته في الماضي في بيت آل هيلبرت، والتي حديثًا رجعت من سفر طويل خارج البلاد.
برغم مظهرها الشابّ المدهش، كانت متزوجة وأمًّا بالفعل.
قالت له بنبرة جدية:
“احذر، يا فتى. إن عرفت من هي بالفعل، قد تفرّ منك.”
ابتسم ليونارد بخبث:
“لن أدعها تفعل ذلك. سأجعلها غير قادرة على الهرب.”
شهقت عمته متعجبة:
“حقًّا! ما هذا الذي تقوله؟ كان عليك أن تذهب إليها بدلًا من الجلوس هنا تبتسم وحدك!”
ردّ بابتسامة واثقة:
“أحيانًا، العمّة العزيزة، الابتعاد لحظة… يجعلها تشتاق أكثر. هذا ما قرأته في كتاب.”
هزّت رأسها متنهّدة:
“تبا، لم أظن يومًا أنني سأسمع منك عن لعبة شدّ وجذب في الحب.”
لكن ليونارد، كالثعلب الماكر، ظلّ يبتسم وكأن خطته تسير تمامًا كما يريد.
✨ انتهى الفصل 62 ✨
التعليقات لهذا الفصل " 62"