كانت العربة تتمايل على الطريق، وخارج النافذة انبسطت مناظر هادئة: أشجار خضراء يلمع بينها ضوء الشمس، وأزهار برية لا أعرف أسماءها.
لكن على عكس سكينة الخارج، كان في داخل العربة جوّ غريب من التوتر.
قال كارسن فجأة:
“غريب… أشعر أن طريقتكِ في التعامل معي اليوم ليست كما كانت بالأمس. أهو مجرد وهم؟”
خفضتُ بصري.
وهم؟ بل الحقيقة، يا صاحب الجلالة.
بعدما علمتُ ما فعلته وأنا ثملة بالأمس… كيف لي أن أتصرف كما لو لم يحدث شيء؟
حتى إنني قدمت لك اقتراحًا جريئًا… لا أستطيع حتى ترديده الآن.
ابتسم هو وقال وكأنه يراقبني:
“مؤسف. كنتُ أظن أننا أصبحنا أقرب.”
أقرب؟ أنا شعرت أننا ابتعدنا أكثر.
ثم أضاف بنبرة مشاكسة:
“ألستِ أنتِ من اقترحتِ أن أكون عشيقكِ؟”
تصلّب وجهي وأجبته بصرامة:
“كان كلامًا في سكر، لا أكثر.”
ضحك بخفة وقال بثقة:
“ألم يقولوا إن الخمر يكشف عن صدق القلب؟”
“كما أنه يكشف عن الكثير من الثرثرة الفارغة أيضًا.”
“مهما يكن، آمل أن تسنح لنا فرصة لنشرب معًا مرة أخرى. أحببت ما رأيته منكِ.”
“إن وجدت فرصة… لكن لا أظن ذلك.”
لا، لن تكون هناك فرصة أبدًا. منذ اليوم… صرتُ ممتنعة عن الشراب.
ظل الحوار مشدودًا بلا تراجع من أي طرف. لكن ما كان يزعجني أكثر لم يكن كلماته… بل مكان جلوسه.
لماذا يجلس بجانبي بالضبط؟ العربة واسعة، ألم يكن الأجدر أن يجلس أمامي كملك؟
تذكرت ما حدث حين ركبنا: كنتُ أول من صعد، ثم تبعني كارسن وجلس مباشرة بجانبي بلا تردد. حتى حين حاولتُ أن أغير مقعدي، ظل ملاصقًا لي.
ثم دخل ليونارد وسيدريك بعدنا، وبدت على وجهيهما ملامح انقباض واضحة. حتى موريتس، سكرتير كارسن، شحب وجهه.
ولم يتوقف الأمر هنا. المقعد الآخر بجانبي شغله ليونارد!
حقًا… لماذا يجلس الجميع بجواري؟!
تنهدتُ داخليًا وقررت أن أكتفي بمراقبة المناظر عبر النافذة.
حينها لفت نظري زهر غريب شفاف البتلات، كأنه مصنوع من زجاج مصقول.
تمتمتُ: “ما هذا؟”
فأجاب كارسن: “تلك زهرة الديفيليا. لا تنبت إلا في منطقة دوبيل.”
آه، صحيح! تذكرت كلام سيدريك عند قدومنا إلى المملكة، أنه لا تُرى إلا هنا.
أضاف كارسن: “لقد كنتِ محظوظة. البارحة مع الفجر نزلت طبقة خفيفة من الصقيع، ولهذا أزهرت بهذا الشكل الشفاف. عادةً تُشبه الأزهار البرية العادية، لكن في ظروف نادرة تصير شفافة.”
ابتسمتُ وأنا أنظر إليها، ثم نقلت بصري نحو سيدريك الجالس مقابلي.
عينيه تلمعان بابتسامة خفيفة، وكان وجهه يشرق برضا حقيقي. نعم… هو حقًا عاشق الزهور.
تحركنا طويلًا حتى قال موريتس: “اقتربنا من الحدود.”
رفع كارسن بصره إلى النافذة، وابتسم بخبث: “يبدو أن ضيوفًا بانتظارنا.”
نظرتُ في الاتجاه ذاته، فتسمرت عيناي.
…هو؟!
شعر بلاتيني يلمع تحت أشعة الشمس، وحوله صفوف من فرسان الحرس الإمبراطوري. تعرفتُ بينهم على وجوه مألوفة، ومنهم القائد غابيَان، وحتى المركيز نيكولاد.
هل جاؤوا لأجلي؟ كيف علموا أنني هنا؟
ابتسم كارسن ساخرًا: “يبدو أن دوري ينتهي هنا.”
في عربة كالوس بعد الوداع
عاد كارسن مع موريتس إلى القصر الملكي.
جلس عند النافذة مستندًا بذقنه على يده. لكن لم يلبث أن التفت حين وجد موريتس يحدق به بشدة.
“تريد أن تقول شيئًا؟”
تردد موريتس ثم قال: “مفاجئ… أن تتركها ترحل دون أن تمنعها.”
ضحك كارسن: “ولِمَ لا؟ تريدني أن أفتعل حربًا؟”
شهق موريتس وأطبق شفتيه.
تابع كارسن: “الآن هي ما تزال… من جانبهم. فلا بأس أن أتركها.”
ابتسم ببرود وأضاف همسًا: “على الأقل… الآن.”
على حدود الإمبراطورية
وقف أمامي بعيون حمراء مشتعلة.
إمبراطور البلاتين، جيروم.
أمر الفرسان بالابتعاد، ثم ثبت نظره عليّ دون أن ينطق. توقعت أن يصرخ، لكنه بقي صامتًا، صوته المكتوم كالنار تحت الرماد.
فتحتُ الحديث:
“لماذا أنت هنا؟ ألم تقل إنك ستأخذ قسطًا من الراحة في دوقية شفابن؟”
زمّ شفتيه وقال ساخرًا: “ومتى صارت دوقية شفابن في أراضي مملكة أخرى؟”
لم أتراجع: “صحيح. لم أذهب إلى هناك. كان عليّ سبب أقوى.”
“سبب يجعلكِ تتسللين إلى مملكة أخرى؟”
“فعلتُ ذلك من أجل الإمبراطورية.”
ارتبك للحظة، فتابعت أشرح:
“كنتَ تعلم أن الشعب يعاني الجفاف. ذهبتُ لأحل المشكلة.”
وأشرتُ إلى القناة القريبة حيث صار الماء يجري بعدما كان جافًا.
“لن ينتهي الجفاف كله، لكن على الأقل لن يموت الناس عطشًا بعد الآن.”
وقفتُ شامخة. ها هو إنجازي، ولن أعتذر عنه.
لكنه فاجأني:
“لقد كان تصرفًا متهورًا.”
ارتبكتُ. هل كان… يقلق عليّ؟
لكن لا، جيروم لا يهتم إلا بالسلطة. ابتسمتُ بمرارة وقلت ببرود:
“أكنت تخشى أن أُسقط هيبة العرش بتصرفي؟ لهذا جئتَ بالفرسان؟”
لم يجب. صمته بدا وكأنه إقرار.
ضحكت بسخرية:
“لا تقلق، لم يحدث ما يسيء إلى سلطتكم. يمكنك أن تطمئن.”
ومضيتُ متجاوزة إياه متوجهة إلى العربة.
لكن—
“هل أصابكِ أذى؟”
تجمدتُ في مكاني. كان صوته خافتًا، بالكاد سمعته.
التفتُّ إلى ظهره العريض، لكنه لم يكرر.
ما هذا؟ لماذا يرمي بكلمة كهذه ثم يلتزم الصمت؟
كدت أردّ، لكنني ابتلعت الكلام وعدتُ أخطو.
ثم جاء صوته ثانية، أوهن وأخفض:
“إن لم تُصابي بأذى… فلا بأس.”
✨ انتهى الفصل 58 ✨
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 58"