الفصل 54 – أي ملك هذا الذي يتطوع بالحراسة؟
في أعماق مملكة كالوس، داخل غرفة لا هي زنزانة ولا هي جناح ضيوف، كان رجلان مقيّدين. إنهما ليونارد وسيدريك.
تنهد سيدريك وهو يحدق عبر النافذة:
“ترى كيف حال جلالة الإمبراطورة الآن؟”
كان قد مضت ساعات منذ أن جاء ملك كالوس بنفسه وأخذ هيلينا.
أجاب ليونارد بنبرة هادئة:
“بما أنه كان يتصرف وكأنه يعرفها، فلن يحدث لها مكروه على الأرجح.”
لكن في الحقيقة، لم تكن هيلينا وحدها من فوجئت برؤية كارسن. حتى ليونارد تذكره فوراً. فقد رآه من قبل وعرف أن هذا الرجل لم يكن سوى ملك كالوس نفسه.
ورغم أن كارسن بدا متودداً، فإن ذلك جعله أكثر قلقاً. شيء ما في لطفه كان يثير الريبة.
مرّ الوقت واقترب الفجر. قطع سيدريك الصمت:
“إلى متى سنظل محتجزَين هكذا؟”
“لا أعرف، لكننا سنعرف قريباً.”
وبالفعل، ما إن أنهى ليونارد كلماته حتى فُتح الباب ودخل رجل.
قال بابتسامة متكلفة:
“آه، يا للأسف. أي إساءة معاملة لضيوف مميزين مثلهم! أعذرونا حقاً.”
جلس على مقعد أمامهما، لكنه لم يحاول حتى فك قيودهما.
“أنا موريتس، كبير مستشاري جلالة الملك كارسن.”
ثم أضاف وهو يراقبهما:
“أتيت لإجراء تحقيق بسيط. إن تعاونتما معنا فسيكون الأمر أسهل بكثير.”
تساءل ليونارد بصرامة:
“وأين جلالتها الآن؟”
أجاب موريتس بخفة:
“على الأرجح تتناول عشاء هادئاً مع جلالته.”
عندها اشتعلت نظرات ليونارد، كالوحش الذي دُهم في عرينه.
“نحن حرّاسها. ما دمتَ تعرف هويتها، يجب أن تطلق سراحنا معها.”
ابتسم موريتس ببرود:
“نظرياً نعم. لكن عملياً، أنتما تسللتما إلى حدودنا ومعكما متفجرات. علينا التحقيق.”
ثم أضاف:
“آه، وبالمناسبة، هذه الزيارة تبقى سرية عن الإمبراطورة. هي تظن أنكما قد أُفرج عنكما بالفعل.”
وبدأ يطرح أسئلته:
“فلنبدأ إذاً. من أنتما حقاً؟”
لم يجب ليونارد، فاكتفى موريتس بابتسامة وواصل:
“تحريت مسبقاً. شهرتك تسبقك، يا سير ليونارد.”
ثم التفت إلى سيدريك:
“وأنت أيضاً… حارس الغابة الخضراء. لم أظن أن الأسطورة حقيقية حتى رأيتك بعيني.”
ضاقت عينا ليونارد:
“تملك شبكة معلومات جيدة.”
فوجئ سيدريك، إذ أن هويته لم تكن معروفة على نطاق واسع بعد. لكنهم عرفوه حتى في هذه المملكة البعيدة.
تابع موريتس:
“والآن… لنتحدث عن المتفجرات التي جلبتماها.”
لكن قبل أن يكمل، وجد نفسه فجأة وسيف يلامس عنقه. لم يفهم كيف تحرر ليونارد بهذه السرعة، ولا كيف استعاد سيفه.
قال موريتس بدهشة:
“إذن كنت تتظاهر بأنك مقيد طوال الوقت؟”
أجاب ليونارد ببرود:
“لستُ الوحيد.”
فجأة اشتعل خيط من النار على حبال سيدريك، فتحولت إلى رماد. وقف سيدريك وهو ينفض بقاياها قائلاً:
“السحرة العاديون يحتاجون إلى عصيهم، أما أنا فلا.”
ابتسم موريتس بمرارة:
“إذن كانت معلوماتي ناقصة. لا عجب أن الإمبراطورة لم تحتج لأكثر منكما.”
ضغط ليونارد سيفه أكثر على رقبته:
“كفى ثرثرة. أين هي جلالتها؟”
❖ ❖ ❖
بعد أن أنهت هيلينا عشاءها مع كارسن، عادت إلى جناحها الجديد. غير أن الملك أصر أن يرافقها بنفسه حتى الباب.
قال وهو يبتسم:
“بم تفكرين هكذا بجدية؟”
“بعض الأمور لا غير.” أجابته باقتضاب، وهي تفكر في خطة لمواجهته لاحقاً.
تمتمت بحدة:
“لستَ مضطراً لمرافقتي. هذا يسبب لي الحرج.”
رد بثقة:
“لستِ مضطرة للحرج. أفعل ما أريد فقط.”
ضيقت عينيها وقالت:
“أي ملك هذا الذي يتطوع بحراسة ضيوفه؟”
ابتسم وقال:
“أنا. هذا ما يفعله الملك الصالح.”
هزّت رأسها بيأس. ما هذا الرجل؟
وعندما طلب منها أن يسهر معها ويشربا، همّت بالاعتراض… لكن صوتاً مألوفاً قاطعها من الظلام:
“قالت إنها لا تريد.”
تجمدت في مكانها، ثم رفعت بصرها. كان ليونارد، وقد ظهر فجأة من الظل، بخطوات هادئة لكن عينيه تشتعلان.
وقف بينهما مباشرة، وحدق بكارسن ببرود:
“أقترح أن تعود الآن.”
ابتسم كارسن، وكأنه تذكر شيئاً:
“أنت… الفارس من تلك الليلة. ظننت أننا سنتقاتل يومها.”
زاد التوتر، وكادت الشرارة تشتعل بينهما، لكن هيلينا وقفت بحزم:
“كفى! لن أسمح بقتال هنا.”
توقف كارسن للحظة، ثم تراجع ببطء، ابتسامة ساخرة ترتسم على شفتيه.
“حسناً. لكن غداً ستشهدين. سنقيم احتفالاً لفتح الينابيع وتوطيد العلاقات بين مملكتينا… وأريدك أن تكوني هناك، يا جلالة الإمبراطورة.”
ثم ألقى نظرة على ليونارد وأضاف بنبرة متحدية:
“وحينها… سنرى من يليق بالإمبراطورة أكثر.”
اتسعت عينا هيلينا دهشة، أما ليونارد فلم يتراجع. ابتسم كارسن ابتسامة غامضة، وكأن المعركة قد بدأت بالفعل.
التعليقات لهذا الفصل " 54"