سأل كارسن بذهول مساعده الأخضر الشعر بعد أن أنهى لقاءه معي.
لم يكن يصدق أن المرأة التي عبرت الحدود خلسة هي نفسها إمبراطورة الإمبراطورية.
ابتسم كارسن ساخراً:
“لم تظن أنني أمزح؟”
قال المساعد بتوتر:
“إنما… وجهي بدا هكذا فقط.”
رد الملك: “يبدو وجهك وقحاً.”
“هذه ملامحي الطبيعية يا مولاي.”
“إياك أن ترتكب حماقة كهذه أمام ضيفة أجنبية.”
ثم رفع المساعد حاجبه وهو يشير إلى صدر الملك:
“بل أنتم يا مولاي، ألا يجدر بكم إغلاق أزرار ثوبكم أولاً؟”
نظر كارسن إلى سترته بتكاسل: “تبا، إنها تنفك من تلقاء نفسها.” وأغلقها بلا اهتمام.
قال المساعد:
“لكن، جلالة الإمبراطورة… ما الذي جاء بها متخفية إلى بلادنا؟”
أجاب كارسن ببرود:
“كما خمّنت أنت.”
“حقاً؟ كانت تنوي تفجير السد؟!”
اتسعت عينا المساعد، ثم تمتم:
“ثلاثة أشخاص فقط؟ هل هي قنبلة بشرية أم ماذا؟”
ابتسم كارسن:
“ربما. أعصابها من فولاذ.”
“وماذا قالت أيضاً؟”
“الغريب أنها تعرف خططنا بالتفصيل.”
زمّ المساعد شفتيه وضرب لسانه:
“ليس غريباً. الإمبراطورية اشتكت أكثر من مرة برسائل رسمية. ونحن أنكرنا كالعادة.”
تنهد كارسن: “قالت إن ذلك سيقود إلى الحرب.”
“إن طلبوا الحرب فنحن لها… إذاً، ماذا قررتم؟”
“قررت أن أمنحها ما تريد.”
المساعد تجمد مكانه:
“…ماذا؟!”
قال كارسن بابتسامة: “نعم. سأعطيها مطلبها.”
ارتفع صوت المساعد:
“هل جننتم؟ هذه خطة وضعت منذ عهد الملك السابق! كيف تسلّمونها هكذا؟!”
أجابه كارسن بلا مبالاة:
“اهدأ. في المقابل سنحصل على ما نريد… الميناء غير المتجمد.”
فغر المساعد فاه غير مصدّق:
“الميناء؟! كيف… كيف عرفت ما نريده؟”
كارسن رفع كتفيه مبتسماً:
“هذا ما يحيرني أيضاً.”
من الخارج، لم يكن لقبائل كالوس أي اهتمام بالموانئ. لكنني ـ الإمبراطورة ـ أصبت الهدف مباشرة.
ضحك كارسن بخفة وقال:
“امرأة غريبة… لكنها مسلية، أليس كذلك؟”
تمتم المساعد مرعوباً:
“مسلية؟! إنها مرعبة. كأنها تعرف المستقبل. بل وحتى اختيارها لهذا التوقيت لدخول بلادنا… أخشى أن يكون لديها بصيرة ما. أن تكون مثل هذه المرأة إمبراطورة دولة عظمى… هذا مقلق فعلاً.”
كارسن ظل صامتاً لحظة، يتذكر عينيّ.
نظراتي منذ أول لقاء، تلك التي ظلّت عالقة في ذاكرته حتى بعد عودته إلى مملكته.
قال مبتسماً:
“على الأقل… تبدو أكثر وعياً من إمبراطورهم.”
المساعد شهق من الصدمة، لكنه كتم اعتراضه. ثم تنهد قائلاً:
“برأيي، يجب إعادة التفكير في الأمر. على الأقل ضعوا شروطاً واضحة. يمكنكم طرح ذلك في مأدبة العشاء القادمة حين نجمع المسؤولين.”
لكن كارسن لوّح بيده:
“لا. هناك أمر أهم بكثير الآن.”
المساعد عقد حاجبيه متوتراً. أهم من التفاوض مع إمبراطورة عدوة؟ هل يقصد الحرب؟
تصلّب جسده استعداداً لسماع القرار المصيري…
فجاء صوت الملك هادئاً، غريباً:
“قل لي، لماذا ما زلت تكلمني بتلك الرسمية؟ هاه؟”
المساعد تجمد.
“…عفواً؟”
انتظر لحظة يظنها مزحة، لكن الملك لم يتكلم مجدداً.
أدرك أخيراً الحقيقة المريرة: لقد فقد عقله تماماً.
تمتم في داخله: كنت أعرف أن هذا اليوم سيأتي. لقد أنذرتني الأيام… والآن سأموت شاباً بسببه.
وفجأة، ابتسم كارسن وهو يتلفظ بالكلمة الممنوعة:
“مومو.”
المساعد صرخ:
“كم مرة قلت لك! لا تناديني هكذا!”
لكن كارسن واصل بابتسامة مشاغبة:
“مومو.”
“اسمي موريتس!”
“مومو، مومو~”
“موريتس!!!”
ضحك الملك قائلاً:
“كنتَ لطيفاً حين كنت صغيراً. أما الآن فلا تجيد سوى التذمر.”
فانفجر المساعد:
“توقف أيها الملك الملعون!”
❖ ❖ ❖
حين أطلّ القمر الأزرق كان الوقت قد تأخر. بعد أن اعترفوا بي رسميّاً كإمبراطورة، تغيرت معاملتهم لي تماماً. بدلاً من الزنزانة الموحشة، أعطوني جناحاً واسعاً نظيفاً.
ساعدتني الخادمات على الاستحمام بزيوت عطرية فاخرة، وارتديت فستاناً بلون أزرق داكن تتخلله دانتيل سوداء. كان مختلفاً عن فساتين القصر الإمبراطوري المبهرة، لكنه بدا أكثر عملية وأناقة. أعجبني ذلك.
سرّحت الخادمات شعري الطويل وثبّتنه بمشبك من اللؤلؤ. وما إن انتهيت، حتى سُمع طرق خفيف على الباب.
“جلالتك، أيمكنني الدخول؟”
أجبت: “تفضل.”
دخل المساعد الأخضر الشعر وانحنى بأدب:
“أرجو المعذرة، لم أقدّم نفسي كما يجب. أنا موريتس، كبير أمناء الملك.”
أومأت بابتسامة: “تشرفت، سيد موريتس.”
سألني: “هل يناسبك المكان؟”
“كثيراً. لم أتلقَ يوماً معاملة كهذه عند الأعداء.”
ابتسم بأسف: “نحن من يجب أن يعتذر. لم نتعرف عليك منذ البداية.”
قلت بابتسامة خفيفة:
“لا بأس. كان سوء تفاهم متبادلاً.”
ثم سألته: “لكن، ما سبب مجيئك الآن؟”
قال: “لقد أُعدّت مأدبة عشاء. جئت لأرافقك.”
فجأة شعرت بجوعي. لم آكل شيئاً تقريباً منذ الصباح.
“ممتنّة لك.”
خرجت معه. الهواء الليلي كان بارداً، والسماء فوقنا كأنها بحر من النجوم.
همست مأخوذة:
“ما أجمل هذا المكان… النجوم تبدو قريبة لدرجة أنني أستطيع لمسها.”
قال بفخر:
“هذا لا شيء. انتظري حتى يأتي الشتاء، ستشاهدين أضعاف هذا المشهد.”
ابتسمت: “إذن سأتحرق شوقاً لرؤيته.”
وما لبثنا أن وصلنا إلى قاعة الطعام. انحنى مودّعاً:
“أتمنى أن تحظي بوقت طيب، جلالتك.”
دخلت، ورأيت الطاولة مُزينة بالورود، مكسوّة بمفرش أبيض ناصع. على الجانبين وُضعت مجموعتان من أدوات الطعام الفضية.
توقفت مرتبكة: مجموعتان فقط؟ ألسنا ثلاثة؟
ناديت إحدى الخادمات:
“ألا ينقص هنا طقم؟ لدي رفيقان.”
انحنت الخادمة وقالت:
“المعذرة، لكن التعليمات كانت إعداد طعام لشخصين فقط، جلالتك.”
قطبت جبيني: “شخصين؟ لكن… أين ليونارد وسيدريك إذاً؟”
كنت ما زلت أبحث بعينيّ حين دوى صوت هادئ خلفي، يختلط بابتسامة ماكرة:
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات