الفصل الخامس: إنّه حقا ذاك الرجل!

في الرواية الأصلية، كانت فَي صاحبة مظهر بريء وقلب طيب، بطلة ضعيفة تسامح دائمًا الشريرة.
بطلة تتحمّل الظلم وتكتم آلامها.

“في الحقيقة، لقد تمزّقت كل فساتيني قبل فترة.”

فَي، التي كانت ترتجف أمام هيلينا، لم تكن قادرة حتى على مخاطبتها بكلمة.

“لكن لا بأس. لم يُقبَض على الفاعل، غير أنّ جلالته أهداني فستانًا جميلًا كهذا. بل أشعر أنّ عليّ أن أشكر من فعلها.”

…نعم. هكذا كانت الأمور في الرواية.

أأنا الوحيدة التي أجد الوضع الآن غريبًا؟

لقد تصرّفت فَي أمامي وكأنها لا تعلم شيئًا عن الشائعة.
بل وأظهرت لي فخرها بالفستان الجديد، وأكّدت أنّها لا تعرف من مزّق فستانها.

ولكن…

“لقد قلتُ لكِ إنّ الإمبراطورة هي من مزّقت فساتينكِ.”

“آه، لكنني بخير فعلًا. بفضل ذلك، جلالته اشترى لي فستانًا جديدًا.”

إذًا كانت تعلم كل شيء من جيروم!

لماذا إذن تظاهرت بالجهل أمامي؟

هل هي رحيمة إلى درجة التغاضي عن الأمر؟ أم أنّها تخفي وراء ابتسامتها شيئًا آخر؟
شعرت بقشعريرة تسري في ظهري.

لا تقل لي أنّها تعمّدت ذلك؟ لو صحّ الأمر، فهذا مرعب حقًّا…

وفي تلك اللحظة، سمعتُ أصواتًا من خلفي تتهامس بالفكرة نفسها.

“يا للعجب. هذا حقًّا يبعث على القشعريرة!”
“كيف يمكن لإنسانة أن تكون بهذا القدر من الوقاحة؟”
“نعلم أنّ الحكم على أصلها عمل غير لائق، لكن ما تفعله هذه المرأة لا يُحتمل.”

توقّفتُ بدهشة.
هم يتكلّمون عن فَي؟

“ألم يحدث مثل هذا من قبل؟ تبتسم في وجه جلالتك، ثم تهمس من وراء ظهرك بالشتائم؟”

“هاه؟ من قالت عنّي هذا؟”

“أجل! بل وانظري كيف يتبدّل وجهها تمامًا حين يحضر جلالته!”
“تتصرّف بريئة… وهي ليست سوى مدّعية!”

ارتبكت.
بريئة مدّعية؟ هذه البطلة اللطيفة؟

سألتُهنّ:
“أنتم تقصدون… الإمبراطورة الصغرى، أليس كذلك؟”

“طبعًا. من غيرها هنا يستحقّ أن يُقال عنه ذلك؟”

أطرقتُ برأسي.
لكن… أليس مَن أمر بالتجسّس على الإمبراطور مثلي أنا أكثر رعبًا؟

على أيّ حال، المهم الآن أنّ رؤية الخادمات تختلف كلّ الاختلاف عمّا قرأتُه في الرواية.

قلتُ متردّدة:
“لكنّني سمعت أنّها ضعيفة البنية، حسّاسة القلب…”

إحدى الخادمات ضحكت باستهزاء:
“هي ضعيفة؟ إن كان هذا صحيحًا، فأنا إذًا مشفى متنقّل!”

أخرى قالت بانفعال:
“بل يقال عنها إنّها صافية القلب، متواضعة وبسيطة.”

“صافية؟ لو كانت بريئة، لوجب أن أكون أنا أبله تمامًا!”

كان ردّهن حادًّا ومليئًا بالمرارة.

“صحيح أنّ أغلب الناس يصدّقون تلك الابتسامة البريئة، كما قالت جلالتك.”
“يكفي أن تبتسم مرة واحدة، فيقع الجميع أسراها!”

ما هذا بحق السماء؟

لقد بدأ رأسي يدور.
جيروم يتصرّف بشكل مختلف عمّا أعرفه.
الآن فَي أيضًا؟

هل كانت الرواية تخفي بعض التفاصيل، أم أن وجودي غيّر مجرى القصة؟

وبينما أنا غارقة في التفكير، جاءني صوت باكٍ:
“يا جلالة الإمبراطورة…”

إنها ماري.
عينان دامعتان، كأنها ستبكي لو لمستُها.

تذكّرت أنّها هي من مزّقت فستان فَي.

قالت والدموع تنساب:
“بسببي، جلالتكِ تعرّضتِ لهذا العار…”

ابتسمتُ بهدوء:
“لا عليكِ. أنا بخير.”

“لكن…”

“لقد انتهى الأمر. لا تشغلي بالكِ.”

ناولتها منديلي لأمسح دموعها، وسط دهشة من حولي.
لكن ما الغريب في أن تمسح الإمبراطورة دموع وصيفتها؟

أنا نفسي لم أكن سوى إنسانة عادية قبل فترة قصيرة.

همست:
“يا جلالة الإمبراطورة…”

وفجأة تغيّرت نظرة عينيها، وقالت بنبرة حاسمة:
“كنتُ أخافكِ من قبل.”

“أيمكن ذلك؟”

مفهوم طبعًا. هيلينا كانت متعجرفة وقاسية… كيف لا تخافها وصيفتها؟

لكنها تابعت بلهفة:
“كنتُ مخطئة. لقد أسأتُ الظنّ بكِ طوال الوقت!”

لا يا عزيزتي. لم يكن ظنًّا سيئًا… لقد كانت محقّة، فهيلينا فعلًا امرأة شريرة.

“لقد قررت! من اليوم وصاعدًا سأكون مخلصة لكِ يا جلالة الإمبراطورة، ما حييت!”

ثم رفعت قبضتها بحماس وقالت:
“لو أمرتِني أن أعيش، فسأعيش. ولو أمرتِني أن أموت، فسأموت!”

وخرّت راكعة أمامي.

ارتبكت، أسرعت أرفعها:
“انهضي فورًا. لا تركعي بهذه السهولة أمام الناس.”

“أردتُ أن أُظهر صدقي.”

“لقد شعرتُ بصدقكِ. يكفي ذلك. ولا تذكري الموت بهذه الخفّة.”

“لولا أنّكِ حميتِني، لكنتُ في عداد الموتى أصلًا. حياتي ملك لكِ.”

وضعت يدي على كتفها وربّتُّ عليه:
“انهضي يا ماري. لا أريد سماع مثل هذا الكلام ثانية.”

رفعتها من يدها. رأيتها صغيرة، متعبة، تحمل مسؤولية ثلاثة إخوة صغار.
أي قسوة عاشتها مع هيلينا!

مسحت على شعرها بحنو وقلت:
“مهما ضاق بكِ الحال، تعالي إليّ. لن أترككِ وحدكِ.”

الخادمات من حولي بدت عليهنّ الدهشة والامتنان.
شعرتُ بالحرج من نظراتهنّ، فسارعت أغيّر الحديث:

“على أيّ حال، جلالته قال إنّ هناك متسلّلًا. الأفضل أن نعود إلى جناحي.”

“أمركِ، يا جلالة الإمبراطورة.”

سرتُ وإياهنّ بخطوات ثابتة. وللمرة الأولى، بدا لي وجودهنّ من حولي مصدر طمأنينة.

＊ ＊ ＊

اتّضح أنّ كلام جيروم عن المتسلّل صحيح.
فقد انتشر الجنود والفرسان في الحديقة الخلفية، وأُقيمت الحواجز في كل زاوية.

لكن الغريب أنّ الخادمات لم يبدُ عليهنّ الذعر، وكأنّ الأمر مألوف.

سألت الكونتيسة كلوي:
“هل يحدث مثل هذا كثيرًا؟”

“أتقصدين المتسلّلين إلى القصر؟”

“أجل. يبدو الأمر خطيرًا، لكنكنّ لستن قلقات.”

“لا يحدث دائمًا، لكن أحيانًا. معظمهم إمّا ضائع أو دخل بدافع الفضول.”

ماري صاحت بخوف:
“لكن ماذا لو كان يحمل نوايا شريرة؟”

أجابت الكونتيسة بهدوء:
“حتى إن حدث، فلا داعي للخوف. لدينا فرسان أقوياء في القصر.”

“فرسان؟”

تلألأت عينا ماري بحماس.
يا إلهي… هي فعلًا ما تزال صغيرة.

قالت بفرح:
“سمعتُ أنّ في البلاط فرسانًا رائعين حقًّا!”

ابتسمت الكونتيسة:
“هل تهتمّين بهم إذًا؟”

“بالطبع! نتحدث كثيرًا عنهم نحن الفتيات. عن بطولاتهم وأعمالهم العظيمة.”

بدأت ماري تعدّد أسماء فرسان ومآثرهم، ثم شدّت يديها معًا وقالت:
“لكن أعظمهم جميعًا هو ذاك الرجل!”

ارتفعت نبرتها وهي تحكي:
“سمعتُ أنّه دافع عن قرية بأكملها ضدّ وحش هائل، وأنّه قطع شجرة لم يستطع أحد إسقاطها.”

ابتسمت الكونتيسة وقالت:
“كان ذلك قبل أن يصبح قائد الفرسان.”

“لكن أشهر قصصه على الإطلاق أنّه طارد وحشًا من المرتبة العليا خطف طفلًا من ميتم. ظلّ يطارده ليلًا ونهارًا حتى أنقذ الطفل.”

لكن الكونتيسة صحّحت:
“تُخطئين يا صغيرتي. لم يكن وحشًا واحدًا… بل خمسة!”

“خمسة؟! سمعتُ أنّ وحشًا واحدًا يكفي لإبادة كتيبة كاملة!”

“صحيح. ولهذا هو استثنائي. ولهذا القصر في أمان ما دام على رأس الفرسان.”

امتلأ وجه الكونتيسة بالفخر وهي تحكي.
من هذا الرجل إذًا؟ قائد الفرسان… يبدو أنّه شخص استثنائي فعلًا.

تذكّرت ما قرأت: أعظم مبارز في الإمبراطورية، حكيم واسع المعرفة، شخص لا ينكسر أمام أي تحدّ.

وكان أوّل ظهوره في الرواية… لا يُنسى.
حين سقطت البطلة من شرفة في الطابق الثالث، ظهر كالعاصفة، و…

فجأة دوّى صوت مروّع!

تحطّم زجاج علوي، وإذا بشخصين يهوَيان من السماء!

صرخت الخادمات من الرعب، أمّا أنا فرفعت بصري مذهولة.

أحدهما يرتدي عباءة حمراء، والآخر بملابس سوداء غامضة.
سقطا بعنف في وسط النافورة، محطّمين جمالها.

وقف الأوّل شامخًا، شعره الأسود يتدلّى مبلّلًا بالدماء، عيونه الزرقاء تلمع كالثلج.
أما الثاني، الغريب الملثّم، فتلوّى تحت قدميه.

بهدوء قاتل، استلّ الرجل سيفه، وغرسه في صدر خصمه بلا تردّد.

اندفع الدم كالنافورة، ملوّنًا ثيابه ووجهه.
وعندها فقط أدركت… أنّ عباءته لم تكن حمراء أصلًا، بل صارت حمراء من دماء عدوه.

تجمّدت في مكاني. لم أستطع صرف بصري.

رأيته يمسح الدم عن شفتيه بيده، وابتسامة غامضة ترتسم على محيّاه.

كأنّني أمام لوحة إلهية، جميلة بقدر ما هي مخيفة.

✨ انتهى الفصل الخامس.