الفصل 47 – قد يتخلى عنك الإمبراطور
“سيدي ليونارد.”
كان هو صاحب الخاتم الذي أهدي إليّ.
كعادته، يرتدي ثوبًا أسود يزيد من هيبته.
إلى جانبي، عقد سيدريك حاجبيه قليلًا وسأل:
“هل سيرافقنا ليونارد أيضًا؟”
أجبت بدهشة:
“أوه… ألم أخبرك بذلك؟”
من ملامحه، بدا واضحًا أنني لم أفعل.
كنت أظن أنني ذكرت الأمر حين كنا نتحدث عن الخطة، لكن يبدو أنني نسيت.
ابتسمت بخجل:
“المعذرة. ظننت أنني أخبرتك مسبقًا، لا بد أنني توهمت.”
قال سيدريك بفتور:
“لا بأس. فقط… كنت أظنه مجرد مدرب ركوب خيل، لذا تفاجأت قليلًا.”
ابتسم ليونارد بهدوء وهو يتقدم خطوة:
“لعلك لم تكن تعلم أنني فارس جلالة الإمبراطورة الشخصي . من الطبيعي أن أرافقها.”
ثم التفت إليّ مبتسمًا بلطف.
عندها، رأيت أن الوقت قد حان للنزول من العربة.
لكن قبل أن أخطو، سمعت سيدريك يناديني من الخلف:
“جلالتك، لماذا تنزلين؟”
نظرت نحوه باستغراب:
“أليس الأمر واضحًا؟”
ثم التفتّ إلى ليونارد، وبالتحديد إلى الخيول التي أمسك بلجامها.
عندها فقط أدرك سيدريك ما يجري.
لقد اعتدت مؤخرًا على التدرب على ركوب الخيل، وكان من الطبيعي أن أواصل ذلك في رحلتنا.
ولهذا أعدّ ليونارد حصانًا خصيصًا لي.
كان حصانًا أسود فخمًا، شديد اللمعان، خاليًا من أي بقع، يوحي بالقوة والانضباط.
قال سيدريك بصوت بدا فيه شيء من الخيبة:
“ظننت أنك ستركبين عربتي.”
أجبته مبتسمة:
“لكنك رأيتني أتدرب على ركوب الخيل، أليس كذلك؟”
ردّ متحفظًا:
“هذا قبل أن أتولى مهمة قيادة العربة. اعتقدت أنك ستنضمين إليّ بطبيعة الحال.”
لكن ليونارد تدخل بخطوة واثقة، وكأن الأمر محسوم:
“للأسف، جلالتك وعدت بالفعل بأن تركبي الحصان الذي أعددته.”
اتسعت عيناي بدهشة.
متى وعدت بذلك؟ ولماذا يجيب عني بهذه الطريقة؟
حاول سيدريك مجددًا إقناعي:
“جلالتك، ركوب الخيل محفوف بالمخاطر. سيكون من الأفضل أن ترافقيني في العربة.”
لكن ليونارد ردّ بسرعة وبنبرة مطمئنة:
“لا خطر على جلالتها. فأنا سأكون بجوارها لحمايتها.”
شعرت أن الأمر لم يعد يتعلق بسلامتي بقدر ما هو تنافس غريب بين الاثنين.
كلٌّ منهما يريد أن يكون خياري.
استمر الجدل بينهما، وأنا أراقبهما بتنهيدة طويلة.
لماذا يتشاحنان على أمر تافه كهذا؟
فجأة، تقدمت بخطوات حازمة وتجاوزتهما، ثم اعتليت ظهر الحصان الأسود برشاقة.
لقد تدربت طويلًا من أجل هذه اللحظة، وأردت أن أستفيد من جهدي.
ثم التفت إليهما بابتسامة صغيرة وقلت:
“لننطلق.”
ارتسمت الدهشة على وجهيهما معًا، وكأنهما لم يتوقعا أن أحسم الموقف بهذه البساطة.
في تلك الأثناء، وتحت ضوء القمر الأزرق، كانت هناك كوخ صغير في أعماق غابة موحشة.
اقتربت منه امرأة ترتدي رداءً أسود وتخفي وجهها تحت غطاء عميق.
كانت تمسك بمصباح صغير، عيناها تترقبان بحذر كأنها تخشى أن يراها أحد.
طرقت الباب بخفة.
وما لبث أن فُتح حتى ظهرت امرأة أخرى رحّبت بها:
“ادخلي يا عزيزتي.”
نزعت الزائرة رداءها، فانسكبت خصلات وردية لامعة على كتفيها.
إنها فاي.
أمامها جلست صاحبة الكوخ، امرأة تحمل الملامح نفسها، لكن أكبر سنًا وأكثر قسوة: أمها، أنثيا.
جلست فاي وهي تمسك بفنجان شاي، بينما قالت أنثيا بنبرة صارمة:
“قبل أن نبدأ حديثك، هناك أمر لا بد أن نفهمه أولًا. لقد كان هناك محاكمة، أليس كذلك؟ فلماذا لم تُخلع الإمبراطورة من منصبها؟”
تنهدت فاي وأجابت مترددة:
“لقد حاولت… لكنها أحضرت السم نفسه الذي اتهمتها به، وأثبتت براءتها أمام الجميع. لم أتوقع أن تنهار بتلك الطريقة يوم المحاكمة.”
أطلقت أنثيا ضحكة قصيرة باردة:
“إذن، لم تكن عاجزة تمامًا كما ظننت.”
ثم أضافت بازدراء:
“وهذا كل ما جئتِ لتخبري به أمك؟”
قالت فاي بقلق:
“في الحقيقة، الأمر الأهم هو أن جلالته صار يتصرف بغرابة مؤخرًا… أظن أن للإمبراطورة علاقة بذلك.”
أجابت أنثيا ببرود:
“قلت لك مرارًا إن تلك المرأة لن تكفّ عن استهدافك.”
احتجت فاي:
“لكنها لم تتزوجه عن حب أصلًا! فلماذا تحاول أن تسرق كل شيء مني؟”
ابتسمت أنثيا ابتسامة ساخرة:
“لأنها امرأة جشعة. لا تطيق أن ترى أحدًا يتفوق عليها.”
ثم أردفت بلهجة خطيرة:
“وإياك أن تنسي… في أي لحظة قد يقرر الإمبراطور التخلي عنك.”
شهقت فاي وهي تهمس بصوت مرتجف:
“مستحيل! لا يمكن أن أسمح بذلك… لا أستطيع التخلي عنه!”
مدّت أنثيا يدها تربت على شعر ابنتها الوردي:
“لا تقلقي يا ابنتي. سأهتم بالأمر بنفسي.”
ثم سألتها بهدوء:
“هل من جديد في القصر؟”
ترددت فاي لحظة، ثم قالت:
“انتشرت مؤخرًا شائعة سيئة… الناس يلقون باللوم على الإمبراطورة في الجفاف.”
لمعت عينا أنثيا بحدة.
“والآن تقولين إنها ستغادر القصر؟”
“نعم. سمعت ذلك مصادفة حين ذهبت إلى مكتب جلالته.”
صمتت أنثيا لحظة ثم ابتسمت بخبث:
“إذن… الأمور تصبح مثيرة أكثر.”
نهضت فاي مودّعة:
“سأتركك لترتاحي يا أمي.”
وحين غادرت وباتت خطواتها بعيدة، انطفأت ابتسامة أنثيا، وحلّ مكانها برود قاتل.
أشارت إلى الظل خلف الستائر:
“سمعت ما قالت، أليس كذلك؟”
تقدّم رجل ضخم من العتمة وأجاب بابتسامة خبيثة:
“نعم، سمعت كل شيء.”
قالت أنثيا وهي ترتشف شايها ببطء:
“هذه المرة، ارتكبت الإمبراطورة حماقة كبيرة. السفر في مثل هذه الأوقات الفوضوية… ماذا لو وقعت بين أيدي قطاع طرق؟”
ضحك الرجل:
“نعم… سيكون أمرًا مؤسفًا بالفعل.”
ارتسمت على شفتي أنثيا ابتسامة طويلة باردة:
“ومع ذلك… قد يكون هذا أفضل سيناريو بالنسبة لي. أليس كذلك؟”
التعليقات لهذا الفصل " 47"