ترجمة الفصل 45 – أليس في الأمر تمييز مبالغ فيه؟
عاد ذلك اليوم المزعج من جديد…
اليوم الذي أُجبر فيه على تناول الطعام مع جيروم.
كنت قد ارتحت فترة حين مرضت فيي (페이)، حيث سُمح لي أن أتناول طعامي وحيدة، لكن ما إن استعادت صحتها حتى عاد هو ليشارك المائدة.
ألم يكن من الأفضل أن أعود للصيام؟ ربما الجوع أهون من طعام ثقيل في جو كهذا.
بينما كنت أرتشف قليلاً من الحساء، قطع جيروم الصمت قائلاً:
— “يبدو أنكِ تتمرنين على ركوب الخيل هذه الأيام.”
رفعت رأسي بدهشة. كيف علم؟
ثم تذكرت أنني لم أخفِ الأمر أصلاً، فليس غريباً أن يعرف.
نظرت إليه سريعاً… بدا أكثر هزالاً من قبل، ربما بسبب سهره الطويل إلى جانب فيي المريضة، لكن عينيه ما زالتا حادتين أكثر من أي وقت.
ابتسمت وأنا أجيب:
— “نعم، هناك مناسبات قادمة سأحتاج فيها ركوب الخيل، مثل مهرجان الصيد. ففكرت أن أتعلم بشكل جدي.”
لكن جيروم رد ببرود:
— “وكأنكِ لا تعرفين ركوب الخيل من قبل. ماذا عن السنوات الماضية حين كنتِ تركبين معي؟”
آه… صحيح! يبدو أن هيلينا الأصلية كانت تجيد ركوب الخيل. جسدها يتذكر، لكنني أنا لم أجرب من قبل. لذلك كان الأمر مألوفاً بعض الشيء رغم غرابته.
فقلت محرجَة:
— “بعد فترة الصيام الطويلة لم يعد جسدي كما كان، حتى ركوب الخيل صرت أنسى بعض تفاصيله.”
قهقه جيروم ساخرًا:
— “لمجرد صيام قصير تنسين ركوب الخيل؟ هذا شيء لم أسمع به قط.”
قصير؟! أسبوعان كاملان عشت فيهما على الماء فقط!
حين جاعت فيي، كاد ينهار من القلق عليها… أما أنا، زوجته الرسمية، فيعاملني بلا مبالاة.
أليس هذا تمييزًا فجًّا؟!
ثم أضاف وهو يرمقني بنظرة باردة:
— “ألستِ تبحثين عن ذريعة لتقضي وقتاً أطول مع السير ليونارد؟”
— “ماذا؟!”
— “قلتُ لك مراراً أن لا تسيئي إلى هيبة العرش.”
— “وأنا لم أنسَ ذلك أبداً.”
— “إذن لماذا تختلقين عذراً كنسيان ركوب الخيل حتى تلازمي قائد الفرسان؟”
تماسكت وقلت بحزم:
— “قد لا أفهم قصدك من كلمة تلازمي، لكنني لم أفعل شيئاً يمس مكانة العرش بسوء.”
— “أتمنى أن يكون كلامكِ صحيحاً.”
وقف جيروم، يرمقني بعينين قاسيتين، وأضاف:
— “وأتمنى ألا يحدث ما يسيء لمقام العرش مستقبلاً.”
⸻
ورغم تحذيره، لم أتوقف عن التدرب على الفروسية.
فأنا لست مذنبة، ولم أرتكب ما يسيء. فلماذا أستسلم؟
مضى قرابة شهر على التدريب مع ليونارد. صرت أستطيع التحكم بالحصان بشكل أفضل، حتى لو بقي الأمر متعباً للغاية.
اليوم، بعد حصة تدريب مرهقة، عدت إلى غرفتي وسقطت على السرير.
متعبة…
كل عضلة في جسدي كانت تصرخ بالألم.
رفعت يدي أتأملها، مليئة بالبثور المتورمة من لجام الحصان.
ركوب الخيل لم يكن أبداً كركوب العربة. بل كان كالجري بجسدي كله.
كيف يستطيع الفرسان أن يقاتلوا على صهوات الخيل لأيام طويلة؟
حين كنت أقرأ ذلك في الكتب لم أكن أتأثر… لكن الآن، بعد التجربة، لا أملك إلا الاحترام لهم.
رغم التعب، إلا أنني شعرت أيضاً أن جسدي بدأ يكتسب قوة.
دخلت الوصيفات فقلن بقلق:
— “مولاتي، تبدين مرهقة للغاية.”
— “ألا تجهدين نفسكِ كثيراً؟ تذهبين للتدريب مع شروق الشمس وتعودين عند المساء…”
ابتسمت بخفوت. لو أغمضت عيني الآن لأنمت فوراً.
لكن تذكرت أن لدي أمراً مهماً، فجلست رغم الألم.
— “مولاتي، هل نُعدّ لكِ حماماً دافئاً؟”
— “أو نجهز سريركِ للراحة؟”
أجبت:
— “لا، هناك مكان عليّ أن أذهب إليه أولاً.”
⸻
خرجت وحيدة متجهة نحو الحديقة الخلفية.
كان هناك كوخ صغير بين تسلقات الورد. خلف بابه الدائري درج حلزوني يقود إلى قبو سري.
نزلت ببطء، الشموع تضيء الطريق.
وعندما وصلت للطابق السفلي الأخير، وجدت الباب المغلق الذي يحمل لافتة ممنوع الدخول.
ابتسمت بثقة: لكنني مستثناة.
فقد سمح لي سيدريك من قبل أن أدخل متى شئت.
فتحت الباب فظهر أمامي مشهد مذهل:
مكتبة عامرة بالكتب، مئات القوارير الزجاجية المليئة بمواد غريبة، وأجواء كأنها مختبر عالم مجنون.
هل حقاً قرأ كل هذه الكتب؟
كنت قد سألته من قبل، فأجابني ببساطة:
— “بالطبع، لقد حفظتها كلها.”
حفظها؟! لم يقل قرأتها، بل حفظتها.
بينما أتأمل، لمحت شعره الفضي من خلف الأبخرة المتصاعدة.
اقتربت بحذر بين الأدوات الزجاجية، ثم ناديته:
— “سيدريك.”
لم يجب. كان غارقاً في قراءة كتاب.
اقتربت أكثر وطرقت على مكتبه بخفة:
— “سيدريك؟”
رفع رأسه فجأة، مدهوشاً:
— “مولاتي الإمبراطورة؟!”
ابتسمت:
— “تبدو مندمجاً جداً… كتاب ممتع؟”
— “نعم. وجدت نسخة نادرة من مؤلف قديم اندثر منذ زمن، مليء بمعلومات مثيرة.”
نظرت إلى الصفحات… فوجدتها مليئة بمعادلات ورسوم هندسية معقدة. يا إلهي، كيف يجد هذا ممتعاً؟!
همّ بتحضير شاي الزهور كعادته، لكنني أسرعت أقول:
— “لا بأس، جئت فقط لأطمئن على سير العمل.”
ابتسم وهو يجيب:
— “قاربنا على الانتهاء. خلال ثلاثة أيام على الأكثر سيكون جاهزاً.”
— “ثلاثة أيام؟ هذا أسرع مما توقعت.”
لكنه أضاف بوجه متردد:
— “لكن ما زلت قلقاً. استخدام هذا الشيء قد يكون خطراً.”
— “لقد شرحتُ لك من قبل. لا خيار آخر أمامنا، والهدف نبيل. ثم إنك ستكون معي هناك.”
تنهد سيدريك وهز رأسه موافقاً:
— “صحيح… إذا كان من أجل إنهاء الجفاف فلا بد أن نجرب.”
طمأنته بابتسامة:
— “أنا واثقة أنك ستنجح. فأنت أعظم ساحر في هذا العصر.”
ثم تذكرت فجأة شيئاً آخر:
— “بالمناسبة… هل تجيد ركوب الخيل؟”
تجمد وجهه، واكتسى بالرماد.
آه، إذن لا يعرف…
ضحكت في سري. لو كنت أعلم، لرتبت من البداية أن يتدرب معنا. عليّ أن أخبر ليونارد أنه سينضم إلينا شخص جديد قريباً.
التعليقات لهذا الفصل " 45"