الفصل 44 – اهتمام جلالته منصبّ على امرأة واحدة
قال ليونارد بنبرة متفاجئة قليلًا:
“جلالتك… تريدين تعلم ركوب الخيل؟”
أومأت بابتسامة صغيرة:
“نعم. قريبًا سيكون هناك مهرجان الصيد، وأشعر أنني سأحتاج إلى ركوب الخيل كثيرًا.”
اقتربت منه قليلًا وهمست قرب أذنه:
“في الحقيقة… أنا لا أجيد الركوب.”
ارتبك للحظة، ثم قال بجدية:
“بالطبع إن أردتم التعلم فسيكون شرفًا لي، لكن جلالتك… لقد أغمي عليكم منذ أيام قليلة فقط. ألا تخشون أن ترهقوا أنفسكم أكثر من اللازم؟”
أجبته بحزم:
“أنا بخير. الأمر مهم بما يكفي لأتحمل.”
تأمل وجهي طويلًا، ثم هز رأسه موافقًا.
وهكذا بدأت دروسي على يديه.
لكن ما إن جلست على ظهر الحصان… حتى تمنيت أنني لم أطلب ذلك.
قال ليونارد من جانبي:
“حافظي على توازنك أكثر يا جلالتك. اجلسي بظهر مستقيم، وحاولي أن توافقي تنفسك مع أنفاس الحصان.”
قلت متعرجة: “ه-هكذا؟”
أجاب: “فكري وكأنك لا تجبرين الحصان على الطاعة، بل تنسجمين معه.”
كلامه مفهوم… لكن جسدي لا يتعاون.
بعد دقائق شعرت بألم شديد في قدميّ وظهري، والجلوس فوق السرج صار عذابًا.
أخذ يراقبني وقال أخيرًا:
“يبدو أن الشرح بالكلام وحده لا يكفي.”
نعم! هذا بالضبط ما فكرت به.
ربما لو أظهر لي مباشرة كيف…
لكن قبل أن أفتح فمي، قال فجأة:
“اسمحي لي للحظة.”
وقفز خلفي على ظهر الحصان، دون أن ينتظر إذني.
“أظن أن توضيح الأمر عمليًا أسرع.”
شهقت: “هـ…؟”
رفع حاجبه بدهشة: “أيعني هذا أن الأمر لا يروق لك؟”
كانت عيناه الصادقتان تقولان إنه لم يقصد شيئًا آخر غير التعليم.
المشكلة ليست في نواياه… المشكلة أن قلبي أنا الذي بدأ يضطرب.
شعرت بحرارته خلفي، بجسده الصلب يلامس ظهري. أسرعت أشد على اللجام لأبدو طبيعية.
قلت: “لا بأس… الأمر مريح.”
ابتسم قليلًا: “إذن دعيني أساعدك.”
مد يده وأمسك اللجام قرب يدي، حتى وجدت نفسي محاطة بذراعيه تمامًا.
حاولت أن أثبت نظري إلى الأمام وأطرد أي أفكار غريبة من رأسي.
بعد قليل اعتدت أكثر، وزاد الحصان سرعته قليلًا.
ضحكت برضا وأنا أقول:
“أظن أنني أصبحت أجيد الأمر الآن، أليس كذلك؟”
لكن فجأة، ارتفع الحصان قائمًا على رجليه الأماميتين.
صرخت داخليًا: سأسقط!
أغمضت عيني برعب… لكن قبل أن أرتطم بالأرض، احتواني ذراعان قويتان.
حرارة جسد ليونارد غمرتني، وصوته العميق همس عند أذني:
“لقد تهاونتِ يا جلالتك.”
في مكان آخر، وفي نفس اللحظة تقريبًا…
كانت فاي تسير بخطوات سريعة. منذ زمن طويل لم تخرج وحدها مع جيروم، وقلبها يخفق من الترقب.
قالت إحدى وصيفاتها مبتسمة:
“مولاتي، تبدين في مزاج رائع اليوم.”
أجابت فاي بصدق: “كيف لا أكون كذلك؟ جلالته مشغول دائمًا، بالكاد أراه.”
ضحكت الوصيفات وأضفن:
“صحيح، لقد أثقلته شؤون الجفاف. الوضع خطير فيما يبدو.”
ثم اقتربت إحداهن وهمست:
“مولاتي… هل سمعتِ الشائعات؟”
فاي عقدت حاجبيها: “شائعات؟”
“عن الإمبراطورة. الناس يقولون كلامًا سيئًا عنها هذه الأيام.”
ارتسمت على وجه فاي ابتسامة باردة: “أليس ذلك أفضل لنا؟”
لكن وصيفتها تابعت بقلق:
“المسألة ليست بسيطة. يقولون إن السبب وراء الجفاف هو الإمبراطورة نفسها.”
في تلك اللحظة، توقفت فاي فجأة عندما سمعت جملة أخرى:
“لكن جلالته أمر بمعاقبة كل من يشيع تلك الأقاويل.”
…ماذا؟ جيروم دافع عنها؟
شعرت بشيء يتصدع داخلها. سألت بصوت مرتعش:
“هل قال ذلك لأنه يحميها؟”
أجابت وصيفتها بسرعة: “لا، لا! بالطبع لا. هو فقط يمنع الناس من إثارة الفوضى. جلالته لا يهتم إلا بك، مولاتي.”
خفضت فاي عينيها: “أجل… بالطبع.”
في تلك اللحظة، سمعت وصيفتها الأخرى تهتف:
“إنه هناك! جلالته!”
رفعت فاي رأسها، ورؤيته وحدها جعل قلبها يخفق بشدة.
ركضت نحوه تقريبًا، ونادته بكل حنين:
“جلالتك.”
لكن جيروم لم يلتفت. لم يجبها. عيناه كانتا مثبتتين على شيء آخر بعيد.
تابعت نظره… ورأت ما يراه.
آه…
هناك، فوق أحد الخيول، كان يقف مشهد واضح:
إمبراطورة جالسة متوترة بعض الشيء، وخلفها ليونارد، مبتسم بثقة وهو يوجه الحصان.
الابتسامة التي كانت تزين وجه فاي تلاشت. قبضت على ذراع جيروم بارتباك وقالت:
“جلالتك…”
التفت إليها أخيرًا وقال ببرود: “لم أرَ أنك أتيتِ. متى وصلتِ؟”
“للتو. لكن… ماذا كنت تنظر؟”
شد على شفتيه وقال: “…لا شيء مهم.”
لكنها عرفت. عرفت تمامًا أن عينيه لم تكن فارغة.
عرفت أنه لم ينظر إليها… بل إليها.
حاولت أن تبتلع مرارتها وتابعت:
“لقد طال انشغالك عني. ألا تعلم كم افتقدتك؟”
تمتم: “…آسف.”
ثم مشى بخطوات باردة وهو يقول:
“هيا بنا. إن كان لديك ما تريدين فعله اليوم، فقولي.”
بقيت متسمّرة في مكانها، حتى ناداها بفتور:
“مولاتي.”
ارتجفت وأسرعت تلحق به.
لكن فجأة، علا صوت صهيل قريب.
التفتت ورأت… الإمبراطورة تكاد تسقط من الحصان، وذراعا ليونارد تطوقانها لينقذاها.
اتسعت عينا فاي، والتفتت بسرعة لترى إن كان جيروم لاحظ.
ولسوء حظها… أو ربما حسن حظها… كان ينظر مباشرة إلى الأمام.
لكنها لم تتحمل. أمسكت بذراعه وقالت بصوت مرتعش:
“جلالتك… أنظر هناك.”
وعندما رفع رأسه أخيرًا، ضاق بصره وهو يرى ما رأت:
الإمبراطورة بين ذراعي ليونارد.
التعليقات لهذا الفصل " 44"