الفصل 41 – لقاء عابر
“هل يعني هذا أننا متعادلان الآن؟”
كلمة ليونارد جعلتني أستفيق من صدمة اللحظة.
“ماذا… ماذا تقصد؟”
خرج صوتي مرتبكًا، وغطّيت فمي بسرعة بيدي.
شعور ساخن ظل مطبوعًا على شفتي، كأنها لمسة من النار، ما زال يلاحقني.
بينما أنا في قمة الارتباك، كان ليونارد يبدو وكأنه يستمتع بالأمر.
‘لا يكون فعلها عن قصد؟’
نظرت إليه بريبة.
“هل كان هذا متعمدًا؟”
“لا، بالطبع لا.” رد بهدوء.
“كانت مجرد هفوة.”
“هفوة؟”
“كنت غارقًا في التفكير بالزهور، وفجأة…”
لكن أصابعه لامست شفتيه بخفة وهو يتكلم، وابتسامة جانبية ظهرت على وجهه، ابتسامة لم تحمل أي براءة.
‘…إذن هو فعلًا تعمد.’
أردت أن أجيبه، أن أقول أي شيء، لكن…
“ها قد عدنا، جلالتك.”
الخادمات رجعن حاملات الشاي والحلوى.
“وجهك محمر، جلالتك. هل تشعرين بوعكة؟”
“لا، لا. فقط أشعر بحرارة.” أجبت وأنا ألوّح بيدي على وجهي.
ضحكة خافتة تسربت من أمامي… ليونارد.
‘تضحك؟! أنت السبب.’
“هل نفتح النافذة قليلًا؟”
“نعم، تفضلي.”
وبينما النافذة تُفتح، سألت الكونتيسة كلوي:
“تبدو في مزاج جيد اليوم يا سير ليونارد. هل حدث أمر مبهج؟”
ابتسم وهو يلمس ذقنه:
“أدركت أن بعض الأخطاء قد تكون ضرورية أحيانًا.”
لم يكن يقصد إلا إيصال الرسالة إليّ.
شعرت بوجهي يزداد حرارة، فأمسكت الكوب وشربت بسرعة.
“آه! ساخن!”
اعتذرت الخادمة، لكنني ابتسمت لأطمئنها:
“الخطأ خطئي لشربي بسرعة.”
ومجدّدًا، تسربت ضحكة مكتومة من الجهة المقابلة. تجاهلتها.
“لكن… أين ماري؟”
لم أرها كعادتها بجوار الكونتيسة.
أجابتني بابتسامة باهتة:
“ماري لم تستطع الحضور اليوم، جلالتك.”
انقبض قلبي.
“هل أصابها مكروه؟”
“في الواقع…”
* * *
العربة كانت تهتز على الطريق.
لم تكن عربة ملكية فخمة، بل واحدة عادية تُستخدم عند الخروج بسرية.
وجهتنا: منزل ماري.
كانت الكونتيسة قد شرحت الوضع.
عائلة ماري تعيش ظروفًا صعبة منذ زمن، بعد أن هرب والداها تاركين وراءهما ديونًا.
اضطرت ماري للعمل ليل نهار لسدادها ورعاية إخوتها.
“هل يقلقك الأمر؟” سألني ليونارد.
خفضت بصري: “…أكثر مما تظن.”
ماري كانت صديقة مقربة لي، ووجودها ساعدني كثيرًا في التأقلم مع القصر.
“لا يمكن أن أذهب إليها فارغة اليدين. عليّ شراء شيء قبل أن نصل.”
ابتسم ليونارد ابتسامة مطمئنة:
“صدفة جيدة، أعرف مكانًا مناسبًا.”
* * *
قادنا إلى متجر صغير للفطائر.
ما إن فتحنا الباب حتى غمرتني رائحة حلوة.
لكن الكمية كانت قليلة جدًا.
فسألت: “هل هذه فقط؟”
أجاب البائع بحزن:
“الجفاف جعل الحصول على الطحين صعبًا. بالكاد أعددنا هذه اليوم.”
الجفاف… نعم، هو الذي يشغل مجلس النبلاء منذ فترة.
لكن رؤية البائع يشتكي بهذا الشكل جعلني أُدرك أن الوضع أخطر مما توقعت.
بدأت أختار الفطائر واحدة تلو الأخرى، أفكر في ماري وإخوتها، وحتى في خدم القصر الذين يستحقون نصيبًا.
“لا تنوين أخذها كلها، أليس كذلك؟”
صوت رجولي غريب جعلني ألتفت.
شعر بني مموج قليلًا، عينان خضراوان لامعتان، وابتسامة ساحرة.
“لو تسمحين، هل أستطيع أخذ بعضها؟”
“بالطبع.” ابتعدت قليلًا.
ابتسم وهو يختار قطعتين بسيطتين، ثم انحنى بأدب:
“اسمي إسحاق.”
ترددت لحظة. لا يمكن أن أعرّف نفسي كـ”هيلينا”.
“أنا… رينا.” أجبت باسم مستعار.
ابتسم بخفة:
“العربة في الخارج تبدو ملكية. كدت أنخدع.”
“…!” كيف عرف؟
ضحك ليريحني:
“أعرف شخصًا يعمل بالقصر، مجرد ملاحظة عابرة.”
ثم قال بفخر:
“أخي أيضًا يعمل هناك. شخص مميز للغاية.”
كان واضحًا أنه يقدّر أخاه كثيرًا.
لكن لم أشأ إطالة الحديث، فزيارتي لماري كانت الأهم.
انحنى مودعًا:
“كان لقاءً مبهجًا. آمل أن نلتقي مجددًا.”
خرج بخطوات هادئة، لكن كلماته الأخيرة علقت في أذني:
“على خلاف ما يُشاع، أنتي مهذبه .”
‘…! يعرفني إذًا؟’
التفت بسرعة أبحث عنه، لكنه كان قد اختفى.
* * *
عدت إلى العربة محمّلة بالفطائر.
لكن ما إن أخبرت ليونارد باسم “إسحاق”، حتى تغيّر وجهه للحظة.
سألته: “هل تعرفه؟”
رد ببرود: “الاسم شائع… لا أستطيع الجزم.”
لكن قلبي لم يصدق.
انطلقت العربة خارج المدينة.
الأراضي القاحلة، الأنهار اليابسة، المزارع المتشققة… مشهد قاسٍ للعين.
“الكونتيسة كلوي، لا تسمحي بإدخال أي كماليات جديدة للقصر.”
“أجل، جلالتك.”
كنت أريد أن أُظهر على الأقل أننا لا نتجاهل معاناة الشعب.
لكن فجأة، صرخ السائق:
“لقد وصلنا… لكن الوضع غير مطمئن.”
ثم دوّى صوت تحطيم، وصراخ وحشي اخترق الأجواء:
“أعطونا ما نريد! وإلا سنقتلكم جميعًا!”
…المشاكل بدأت بالفعل
التعليقات لهذا الفصل " 42"