أنهكتني اجتماعات اليوم الثقيلة، وما إن خرجت من القاعة حتى سمعت صوتاً ينتظرني وكأنه كان مترصداً:
“أحسنتِ عملاً، يا جلالة الإمبراطورة.”
التفتُّ، وكان هو.
ليونارد.
قلت بذهول:
“ما زلت تنتظر هنا…؟”
ابتسم بثقة:
“بالطبع. فأنا حارس جلالتك الشخصي الآن.”
…لماذا بالضبط يتولى قائد فرسان الإمبراطورية نفسه حراسة شخصيّة لي؟
تذكّرت يوم حفل الشاي، حين تحدثت سيدات النبلاء عن «العشاق» و«المحظيين»، وظهر ليونارد فجأة ليعلن أمام الجميع أنه سيكون فارسي الحارس. كان توقيت ظهوره مثالياً لدرجة بدت كأنه كان يستمع من خلف الستار.
ومنذ ذلك اليوم، لم يفارقني تقريباً. في كل مكان أذهب إليه، أجده ورائي.
المشكلة لم تكن وجوده فقط، بل نظرات الآخرين.
القصور تعجّ بالهمسات:
«ليونارد سيكون عشيق الإمبراطورة».
لم يكن الأمر مجرد شائعة عابرة، بل انتشر حتى صار حديث الحاشية.
تنهدتُ وأنا أنظر إليه:
“ما الذي تفكر فيه بالضبط؟ كيف تسمح لنفسك أن تصبح حارسي؟ ألستَ قائد فرسان الإمبراطورية؟”
ضحك بخفة:
“أكاد لا أصدّق… هل جلالتك قلقة عليّ؟”
“أنا قلقة على الإمبراطورية، لا عليك.”
“وهل أنا لست من رعايا الإمبراطورية إذن؟ أن تهتمي بي يعني اهتمامك بهم.”
صُدمت لجرأته، ولم أجد ما أردّ به. ابتسامته كانت ماكرة كابتسامة ثعلب.
قلت بحزم:
“إذن اسمع جيداً، لا فائدة من كل هذا. لن أتخذ محظياً. أبداً.”
رفع حاجبه وكأن الأمر يثير فضوله:
“هل أنا غير كافٍ بنظرك؟”
…غير كافٍ؟ بل العكس. الرجل يفيض كمالاً، شكلاً ونسباً وقوةً. لكنه لا يفهم.
“ليس الأمر متعلقاً بك. أيّاً كنت، أنا ببساطة لا أنوي اتخاذ محظٍ.”
صمت قليلاً، ثم سأل بجدية غريبة:
“أتحبين جلالة الإمبراطور؟”
أجبت بسرعة، ببرود قاطع:
“مستحيل.”
حينها، ظهرت ابتسامة بطيئة على شفتيه:
“إذن لا مشكلة. ما دمتِ لا تحبينه… فأن أصبح محظيكِ أمر لا يضير.”
اقترب خطوة، وهمس بصوت رخيم:
“يكفيني أن تنظري إليّ وحدي.”
❖ ❖ ❖
بعيداً عنّا، كان هناك من يراقب المشهد.
“يا إلهي…”
إنه كونراد، أحد فرسان وحدة ليونارد.
كاد يسقط مغشياً عليه من الصدمة.
“إنه… إنه حقاً يقوم بدور الحارس! هذا ليس حلماً؟”
فرك عينيه مراراً. لطالما اعتبره مثال الصرامة والانضباط. الرجل الذي لا يبتسم إلا في المناسبات الرسمية، وصارمه لدرجة أن صرخات المتدربين لا تثير فيه شفقة.
لكن الآن؟
عيناه تذوبان دفئاً وهو ينظر إلى الإمبراطورة. ابتسامته وديعة، مطمئنة، ككلب ضخم مخلص… لا، كثعلب ماكر يتظاهر بالبراءة.
تمتم كونراد بانفعال:
“يجب أن أسجّل هذا. هذا حدث تاريخي!”
إلا أن صوتاً باردًا جاء من خلفه:
“ما الذي تفعله هنا؟”
شدّ على أسنانه دون أن يلتفت:
“لا تعطلني. أنا أراقب شيئاً عظيماً الآن.”
لكن قبل أن يتم جملته، أمسكه صاحبه من ياقة رقبته وجرّه بعيداً.
“دعني! هذا أهم من التدريب! أريد أن أرى النهاية!”
❖ ❖ ❖
في المساء، عدت إلى جناحي. طلبت من الوصيفات إعداد الشاي، ولم ينسَ ليونارد أن يطلب حصته أيضاً وكأنه ضيف.
رفعت حاجبي باستغراب:
“منذ متى يشرب الحراس الشاي مع من يحمونهم؟”
رد مبتسماً:
“أنا هنا بصفتي قائد الفرسان، لا مجرد حارس.”
لم أجادله أكثر.
بينما أعدّت الوصيفات الطاولة وغادرن، تذكرت شيئاً.
فتحت كتاباً كنت أخبئ فيه أزهاراً جافة. بتلات حمراء باهتة، جميلة حتى وهي يابسة.
قال ليونارد وهو يراقبني:
“زهور مجففة؟”
ابتسمت وأنا أضع زهرة جديدة بينها:
“نعم، هذه هدية من سيدريك.”
ارتفع حاجبه باستغراب:
“سيدريك… حامي الغابة؟”
“بالضبط. يهدي لي أزهاراً كلما التقينا، فقررت أن أجففها وأحتفظ بها هنا.”
فتحت كتباً أخرى وأريته مجموعتي الصغيرة: أزهار صفراء، بيضاء، وأخرى أرجوانية… كلها هدايا من سيدريك.
كنت فخورة بها، كطفلة تعرض كنزها الثمين.
لكن تعبير وجه ليونارد بدا غريباً. صوته منخفض كأنه يتمالك نفسه:
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات