الفصل 38 – لِننفصل
“سيّدريك؟”
ناديتُه ثانيةً وأنا متفاجئة، كأنّه لم يسمع صوتي.
لكن––
شَشَش!
سرّع خطواته فجأة.
ما هذا… أيعقل أنّه يتجنّبني؟
لم أعرف سبب هروبه منّي، لكن شعرت أنّي إن تركته يبتعد الآن فلن أستطيع اللحاق به أبدًا.
ماذا أفعل؟
جسدي الواهن لا يمكنه أن يجاري قوّة ساحر تمرّس في الغابات والبراري.
أمّا أنا، فامرأة مدلّلة بالكاد تركب عربة تجرّها ثمانية خيول حين تخرج لزيارة جارة!
في النهاية قرّرت استخدام آخر سلاح.
“آه!”
أطلقت أنينًا مفتعلًا، وألقيت نفسي على الأرض.
“آه… أشعر بدوار مفاجئ…!”
كنت أمثّل بكل ما أوتيت من قوّة.
حين سقطتُ حقًّا من التسمّم، ارتاع لدرجة أنّه شحب وجهه. فربّما الآن أيضًا سيعود إليّ، أليس كذلك؟
لكن––
إيه…
المشكلة أنّ موهبتي في التمثيل رديئة.
في الماضي حلمت أن أكون ممثلة، والآن ها أنا أُظهر أسوأ أداء في حياتي!
حتى أنا شعرت بالخجل من نفسي.
مَن سيصدّق هذا الأداء السخيف؟
لكن المفاجأة أنّه صدّق.
“جلالتك! هل أنت بخير؟!”
لقد كان هو.
ركض إليّ بخطوات متسارعة، أمسك بي، ويداه ترتجفان بشدّة.
ارتبك وهو يحدّق بوجهي المرهق، وعيناه تتسعان قلقًا.
حين رأيت ذلك، تنفست بارتياح.
الحمد لله… لم يكن يتجنّبني بدافع كراهية.
قلت مازحة:
“هل تراني؟ أتعرفني؟”
كيف لا يعرفني! يعرفني أكثر من اللازم حتى.
حين رأيت قطرات العرق الباردة على جبينه، وخوفه الصادق، وخجلت فجأة.
لماذا خدعت إنسانًا نقيًّا هكذا؟
لكنني لم أندم على شيء واحد: أني التقيت به مجددًا.
ابتسمت وقلت:
“أمسكت بك.”
“…؟”
“لن تهرب ثانيةً، أليس كذلك؟”
تجمّد، ثم تمتم:
“أكان هذا… تمثيلًا؟”
“أجل، آسفة.” أسرعت أعتذر.
“لكن لو لم أفعل هذا، لما استطعت التحدّث معك.”
“…”
نظرت إليه مباشرة وسألت:
“سيّدريك، لماذا كنت تتجنّبني؟”
ردّ بسرعة:
“لم أتجنّبك.”
“حقًّا؟”
صمَت. لم ينكر هذه المرة.
“هل يمكن أن أعرف السبب؟”
ظلّ صامتًا، فتابعت:
“لا بأس إن كان صعبًا قول ما في نفسك. لكنّي أمسكت بك الآن فقط لأقول شيئًا مهمًّا.”
رفعت بصري إلى عينيه وابتسمت:
“شكرًا لك.”
ارتبكت عيناه فجأة، واضطرب صوته.
“لو لم تكن أنت، لما تمكنت من تبرئة نفسي.”
أطرق رأسه وقال بخفوت:
“لا… لا أستحق سماع ذلك. جلالتك انهارت بسببي.”
إذن هذا ما يؤرقه؟
“ما زلت تفكر بتلك الحادثة؟ ليست غلطتك، بل أنا من طلب منك تحضير ذلك الدواء.”
لكنّه هزّ رأسه بإصرار.
“حاولت إقناع نفسي أنّي كنت أنفذ رغبتكِ فحسب… لكن الندم لا يفارقني. كنت أعلم ماذا قد يحدث، ومع ذلك… حين سقطتِ أمام عينيّ، شعرت أنّ عقلي فرغ تمامًا.”
كلماته المرتجفة كشفت جرحًا عميقًا.
“لو أنّ لديّ مهارة غير صنع السموم… لكنت فضّلتها. أكره أنّي الوحيد الذي يعرف تركيب تلك السموم. وكرهت يديّ حين قدّمتها لجلالتك.”
وانهمرت دمعة صافية على خده.
أخرجت منديلي ومسحتها برفق.
“سيّدريك… بل أنا من يجب أن يعتذر. آسفة.”
كنت أظن أنّي وحدي المتألمة. لم أفكّر أنّه أيضًا ينزف داخليًّا.
من أجل إنقاذ نفسي، جرحته من حيث لا أدري.
“لن أطلب منك مثل هذا مجددًا. أرجوك سامحني.”
“جلالتك…”
تأملني طويلًا، وصوته يخنقه الألم.
في اليوم التالي
مع أوّل ضوء للفجر، اتجهت بخطوات حازمة إلى مكتب جيروم.
في يدي أوراق مختومة بخاتم الإمبراطورة.
قلبي يخفق. ليس خوفًا، بل شوقًا للحظة طال انتظاري لها.
اليوم… اليوم الذي سأطلب فيه الطلاق.
منذ لحظة دخولي إلى هذا الجسد وأنا أحلم بهذا اليوم.
طرقت الباب ثم اندفعت إلى الداخل.
“لديّ ما أقوله.”
جلس جيروم خلف مكتبه، بملامحه الهادئة كالعادة.
ابتلعت ريقي، وقلت:
“ربما يكون الأمر مفاجئًا، لكنّي فكّرت فيه طويلًا. بيننا خلافات كثيرة، وقد تحمّلت كثيرًا. وأنا أيضًا تعبت.”
صمَت. نظراته لم تفارقني.
تابعت بشجاعة:
“حين وضعتني في قفص الاتهام وحكمت عليّ بمحاكمة علنيّة، أدركت أنّنا لا نستطيع الاستمرار. لذلك… فلننهي الأمر هنا.”
رفعت رأسي عاليًا، ووضعت أمامه الورقة.
“لِننفصل.”
تأمل الورقة بصمت.
هيا، اختم عليها. هذا أفضل لك ولي. لديك حبيبتك فَي، وأنا أريد حريتي.
لكن ردّه صعقني:
“أرفض.”
شهقت:
“ماذا؟ لماذا؟”
ارتسمت ابتسامة باردة على شفتيه.
أمسك بالورقة، ومزّقها إربًا أمام عيني.
تناثرت القصاصات حولي مثل أحلامي المحطّمة.
رفع عينيه إليّ وقال بصرامة:
“طلاق؟ ومن سمح لكِ بذلك؟”
وانحدر صوته كالصاعقة:
“مستحيل.”
التعليقات لهذا الفصل " 38"