دخلت قاعة المحكمة بخطوات هادئة وسط جو مشحون بالتوتّر.
أعين النبلاء الذين سبقوني إلى مقاعدهم كانت شاخصة تجاهي، يتأملونني بوجوه متحفّظة.
لقد قرأت هذا المشهد في الكتاب من قبل.
عندما مشت “هيلينا” إلى هذه القاعة، انهمرت دموع المظلوميّة من عينيها.
ظننت أنّني سأكون مثلها، خائفة مرتجفة.
لكن الغريب أنّني لم أشعر لا بالخوف ولا بالارتجاف.
كانت القاعة أصغر ممّا توقعت.
مع أنّها محاكمة غير مسبوقة لإمبراطورة، إلا أنّ غياب الأدلة القاطعة جعلها تُعقد بشكل مبسّط.
هنا أيضًا يختلف الأمر عن القصة الأصلية.
في الرواية، حوكمت “هيلينا” أمام مئات النبلاء في مشهد أقرب إلى محاكمة شعبية، وتلقت سيلًا من الشتائم والإهانات حتى صدر الحكم بإعدامها.
أما الآن، فالمكان محدود، والزمن مختلف… فهل سيكون الحكم مختلفًا أيضًا؟
جلست في مقعد المتهمة، وألقيت نظرة حولي.
في مقاعد المحلفين جلس عشرة من النبلاء، بينهم وجه مألوف: دوق هايتنغز، والد هيلينا، وقد حضر ممثلًا عن طبقته.
وفي المقعد الأعلى، جلس الكاهن الأكبر، شاب على خلاف ما توقعت من وقار السن.
علا صوت المنادي:
“جلالة الإمبراطور يدخل.”
فوقف الجميع.
ثم فُتح الباب، ودخل رجل يشبه تحفة صاغتها الآلهة بعناية.
جلس على المقعد الأعلى وسط نظرات الحاضرين جميعًا.
إنّه الإمبراطور جيروم.
نظرت إليه، ولم يشيح بصره عنّي.
عيناه الباردتان قالتا كل شيء.
أنت تريد أن أُدان هنا، أليس كذلك؟ كما في القصة.
لكنّه لم يجبني، بل حوّل بصره بعيدًا.
“فلنبدأ الجلسة.” قال الكاهن الأكبر، وبدأت المحاكمة.
مجريات المحاكمة
قال الكاهن الأكبر بصوت رزين:
“شهد القصر الإمبراطوري حادثًا مؤسفًا. نحن هنا اليوم لنتقصى الحقائق ونكشف الفاعل.”
ثم شرح المستشار القضائي تفاصيل القضية:
“سمّمت السيدة الإمبراطورة الثانية بعد أن شربت شايًا مسمومًا. وقد كان مصدر الشاي رجلًا يُدعى جوزيف، شقيق الوصيفة روزين من جناح الإمبراطورة. طوال سنوات، كان جوزيف يزود قصر الإمبراطورة الثانية بالشاي من دون أي حادثة. لكن منذ أن انتقلت أخته روزين إلى جناح الإمبراطورة، وقع هذا الحادث.”
سأل الكاهن الأكبر:
“وما الذي كان سيجنيه جوزيف من هذا الفعل؟”
فأجاب المستشار:
“لا نعلم على وجه الدقّة، لكن من المرجّح أنّ انتقال أخته إلى جناح الإمبراطورة له صلة وثيقة بالأمر.”
ثم استُدعيت الشهود: وصيفات، حرس، وحتى سيدات نبيلات.
شهادة بعد شهادة، رووا كيف أنّ الإمبراطورة كانت تعامل الإمبراطورة الثانية كعدوّة، تهينها في الحفلات، وتدبّر لها الحوادث المؤذية.
حتى أنّ بعضهم ذكر وقائع حدثت قبل أن أسكن أنا جسد هيلينا: إسقاط شمعة فوق رأس الإمبراطورة الثانية، دفعها من منصة عالية…
كلّما تلا المستشار تلك الوقائع، تعالت همهمات الدهشة بين النبلاء.
ثم سألني الكاهن الأكبر:
“هل لدى جلالتك ما تقولينه ردًّا على هذه الشهادات؟”
أخذت نفسًا عميقًا، ثم قلت:
“بعضها كان حوادث عابرة، لكن… نعم، كثير منها صحيح.”
لم يكن بوسعي إنكار ماضٍ ارتكبته هيلينا.
لكنني أضفت بثبات:
“غير أنّ ما حدث هذه المرّة لم يكن من فعلي.”
ظهور الساحر
قال الكاهن الأكبر:
“لقد استدعينا خبيرًا لشرح تعقيد هذه القضيّة.”
فُتح الباب، ودخل رجل ذو شعر فضّي يتلألأ كالقمَر، نصف وجهه مغطى بقناع أبيض، وأقراطه تلمع مع كل خطوة.
ارتفعت الأصوات:
“قناع في محكمة مقدّسة؟”
“انتظروا… ذلك القناع… هل يمكن أن يكون؟”
قال الكاهن الأكبر:
“من تكون أيها الرجل؟”
فأجاب بهدوء:
“اسمي سيدريك. ساحر تابع للقصر الإمبراطوري.”
ارتجّت القاعة بالدهشة.
“سيدريك؟”
“حارس الغابة؟”
“المعلم الكبير، الحكيم؟!”
رحّب به الكاهن الأكبر:
“لم أتوقع أن ألتقي حكيم الغابة في مثل هذا المقام.”
ثم سأله:
“هل لديك ما تضيفه بشأن القضية؟”
قال سيدريك وهو ينظر نحوي:
“نعم. السم المستعمل يُدعى روسا فلو. زهرة نادرة تنمو في منحدرات شاهقة، واستخراج سمّها عسير للغاية. في الحقيقة، لا يوجد في العالم سوى قلّة قليلة قادرة على تحضيره.”
أثارت كلماته همهمة في القاعة.
لكنه تابع بهدوء:
“قيل إن الإمبراطورة متهمة. لكن، ألا ترون أن لا دليل مباشر؟ مجرد ظنون وظروف.”
ردّ المستشار:
“القرائن كثيرة.”
فقال سيدريك:
“إن كان مجرّد القرائن يكفي، فلتقبضوا عليّ أنا أيضًا. فأنا أحد القلائل القادرين على تحضير هذا السم.”
ساد الذهول القاعة.
“لكن… أنت لم تفعل.”
“إذن، ما الفرق؟ لا دليل أنّي فعلتها، كما لا دليل أنّ الإمبراطورة فعلتها. فكيف تُدان هي بالشك وحده؟”
كانت حجّته كالماء الصافي، لا يُردّ بسهولة.
مرافعة الدوق
وفجأة ارتفع صوت:
“كل ذلك لأن جلالة الإمبراطور لم يكن منصفًا!”
كان دوق هايتنغز، والد هيلينا، وقد نهض مدافعًا عنها.
تظاهر بعاطفة الأب الغيور، ودموعه تترقرق وهو يقول:
“كيف لابنتي أن تحتمل رؤية زوجها يفضّل امرأة أخرى عليها؟ أي قلب لا ينكسر؟”
أثار خطابه تعاطف بعض النبلاء، لكنني كنت أراه مسرحية رخيصة.
تمثيل بارع… حتى دموعه مُزيّفة.
وزاد الأمر سوءًا أنّ دفاعه بدا وكأنّه يقرّ بأن الإمبراطورة قد تكون فعلتها بدافع الغيرة!
كلمة الإمبراطور
عندها تكلّم جيروم:
“أفهم أنّ شعور الظلم يجرّ صاحبه إلى حماقات. لكن أفعال الإمبراطورة تجاوزت الغيرة. إنكارها لا يغيّر أنّها هي من سمّمت الإمبراطورة الثانية بسم يمنعها من الإنجاب.”
ثم قال الكاهن الأكبر موجّهًا الحديث إليّ:
“كل الظروف تدل على أنّك وراء هذا الفعل. هل لديك ما تدافعين به عن نفسك؟”
رفعت رأسي بثبات:
“نعم. لستُ الفاعلة.”
“هل تملكين دليلًا؟”
“بل أسأل: هل لديكم أنتم أي دليل أنّني أمرت بتسميمها؟”
أجاب المستشار:
“الوصيفة روزين، المشتبه بها، وُجدت جثة باردة منذ أيام. وأخوها جوزيف مختفٍ بلا أثر.”
وأضاف بصرامة:
“الجريمة مُحكمة، بالغة الجرأة والوحشية. لا يقدر عليها سوى من يملك السلطة والإرادة.”
وكانت كل العيون عليّ.
قلت بقوة:
“قد تظنون أنّ كل شيء ضدي، لكنني لم أفعلها. باسمي، وبصفتي إمبراطورة، أقسم على ذلك.”
عندها قال جيروم ببرود:
“ألستِ تفضلين الاعتراف؟”
صرخت من أعماقي:
“لم أفعلها!”
والدموع تجمّعت في عينيّ:
“أيّ دليل أقدمه، لن تصدّقني يا جلالتك… أليس كذلك؟”
ارتجف بصره للحظة… لكن سرعان ما غطّاه الجمود.
نعم… لن يصدّقني أحد. كل ذلك فقط لأنني الإمبراطورة.
لكنني ابتسمت بخفوت، متحدّية.
فقط لأرى ارتباكًا عابرًا على ملامحه.
الانهيار
وفجأة، شعرت بألم طاعن في أسفل بطني، امتدّ كالنار في عروقي.
ارتجّ رأسي، وتشوّش بصري.
كادت ساقاي تخوناني لولا أنّ ذراعًا قوية أمسكت بي.
سمعت صوتًا مألوفًا يصرخ بيأس:
“إمبراطورة! تماسكي!”
هل كان… جيروم؟
لم أستطع التأكّد.
آخر ما التقطته أذناي كان صوت سيدريك يقول بذهول:
“مستحيل… هذا السم هو نفسه الذي أصاب الإمبراطورة الثانية…”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات