الفصل 34 – لعلها لم تكن من صُنعك
“هل سمعت الخبر؟”
“عن الإمبراطورة؟ طبعًا. لا يوجد أحد في القصر يجهل ما حدث.”
“إذن لا بد أنك سمعت أيضًا أن الإمبراطور استدعى كبير الكهنة إلى القصر.”
“كبير الكهنة؟ أتعني أن محاكمة حقيقية ستُقام؟”
في أروقة القصر المظلمة والمعقدة كالمتاهة،
تسربت همسات الخدم الخفية.
“يقال إن حالة الإمبراطورة وخيمة، أليس كذلك؟”
“لحسن الحظ، السم لم يكن قويًا للغاية. صحيح أنها فاقدة للوعي معظم الوقت، لكنها ما زالت على قيد الحياة.”
“هذا مطمئن. لكن الغريب أن جلالة الإمبراطور غضب بشدة حتى استدعى كبير الكهنة.”
“ومن يلومه؟ إنها ليست أي امرأة، بل الإمبراطورة نفسها. الكل يعلم مكانتها عنده.”
ثم انخفضت أصواتهم أكثر:
“رغم ذلك… أستطيع أن أتفهم شعور الإمبراطورة قليلًا.”
“ماذا تقول؟!”
“فكّر. كيف لامرأة تُرى زوجها يُظهر كل هذا التفضيل لامرأة أخرى ألا تشعر بالغيرة؟ حتى القديسات يغِرن، فما بالك ببشر عادي؟”
“لكن مهما كان، هناك خطوط حمراء. تجاوزتها هذه المرة. كيف تفكر باستخدام عقار كهذا؟”
“ربما… لكن من غيرها كان سيفعل ذلك؟ الكل يعلم أن الفاعل لا بد أن تكون هي.”
صمت قصير.
“هل ستُعقد محاكمة فعلًا؟ بعد كل هذا الهدوء… يا له من وضع خطير.”
كنت أستمع إلى تلك الأحاديث من الظل.
إذن هكذا يراني الجميع…
الجميع مقتنع أنني الفاعلة.
‘الجلوس وانتظار العدالة لن يبرئني. يجب أن أتحرك بنفسي.’
تقدمت بخطوات حذرة.
‘عليّ أن أرى جيروم. عليّ أن أتحدث إليه مهما كان الثمن.’
ربما لن يصدق كلامي، لكنني على الأقل سأسمع الحقيقة منه مباشرة،
وسأخبره أيضًا بما يفعله دوق هايتنغز.
البحث عن الطريق
مشت خطواتي في الظلام مثل قطة لصوص.
لحسن الحظ، تجمعت الغيوم وحجبت ضوء القمر.
تردد صوت الرعد من بعيد.
‘ليكن… فالظلام يغطي خطاي.’
هدفي كان جناح الإمبراطورة الثانية.
لو كان جيروم يحبها بصدق كما في الرواية، فلا شك أنه يلازمها طوال الليل.
وللوصول إلى هناك، تذكرت شيئًا من القصة الأصلية: الممر السري.
في الحديقة الخلفية، خلف بئر قديم مهجور، كان يوجد باب مخفي.
البئر جاف منذ زمن، لكن داخله سر لم يعرفه إلا جيروم وفَي.
استخدمته البطلة مرارًا للهرب في الأوقات الحرجة.
اعذراني هذه المرة يا أبطال القصة… سأستعيره قليلا.
دخلت البئر بحذر، وقلبي يخفق.
لمست إحدى الصخور البارزة فاندفعت إلى الداخل، كاشفة عن باب صغير يفتح إلى نفق ضيق.
“نجح الأمر…” همست لنفسي.
داخل النفق
كان الزحف في ذاك الممر الضيق عذابًا.
ركبتاي وذراعاي تؤلمانني، وظهري كاد ينكسر.
‘كيف كانت فَي تتنقل من هنا باستمرار؟ هل جسدها من المطاط؟’
لكن الصبر أثمر، وأخيرًا وصلت إلى نهايته.
خرجت عبر باب صغير يؤدي إلى غرفة سرية خلف غرفة نوم الإمبراطورة.
كان كل شيء كما في الرواية:
مكتبة صغيرة، شمعة ذابلة، وأثر حضور خفي.
ها قد وصلت. الآن كل ما عليّ هو انتظار جيروم.
المواجهة
لم يطل انتظاري.
جاء صوته من الغرفة المجاورة:
“أريد أن أبقى مع الإمبراطورة وحدي.”
أمر حاسم.
سمعت خطوات تبتعد، وأُغلق الباب.
تسللت بهدوء إلى الخارج.
رأيت فَي نائمة بوجه شاحب، كأنها دمية مكسورة.
لكن فجأة––
“إمبراطورة.”
صوت جليدي جعلني أتجمد.
استدرت ببطء.
كان جيروم، يقف هناك، عيناه كالسيوف.
قال ببرود:
“زيّ وصيفة؟ هل جئتِ متخفية لتغتاليها؟”
تنهّدت بمرارة:
“أعلم أن مظهري يثير الشبهات… لكن صدقني، لم أفعل.”
“أي جزء؟ تسللك إلى جناحها؟ أم حادثة التسمم؟”
كان صوته ساخرًا، لكن نظراته حادة.
“أردت رؤيتك فقط. لدي ما أقوله.”
رفع حاجبه:
“…أردت رؤيتي؟”
“نعم. أولًا، أكرر: لم أسممها. وسأثبت براءتي قريبًا.”
“كيف؟”
نظرت في عينيه مباشرة:
“بالعثور على روزين. تلك الوصيفة المفتاح لكل شيء.”
في مكان آخر – الغابة
في تلك اللحظة، كان ليونارد قد وصل إلى أعماق غابة مظلمة.
المطر يتساقط بغزارة، ورجاله يحيطون به.
“سيدي، وجدنا الوصيفة.”
خفض نظره.
هناك، ممددة على الأرض الموحلة، جسد فتاة صغيرة النحافة، شَعرها مضفور حتى الخصر.
“رو…زين.”
لكنها لم تعد تتنفس.
كان جسدها بارداً، مُلقى كأنها تُركت طريدة للحيوانات.
قال أحد الرجال بامتعاض:
“جُعلت جثتها تبدو كأنها التهمتها الوحوش.”
رد آخر:
“لو عثر عليها أحد سكان القرية، لدفنوها سرًا. لكن لا أحد يأتي إلى هذا المكان.”
صمت ليونارد، شفتيه مشدودتان، عينيه مظلمتان.
سأله رجل بعين واحدة:
“هذه ليست جريمة عادية. من برأيك فعلها؟”
أجاب ليونارد بصوت خافت:
“…أظنني أعرف شخصًا واحدًا.”
وصورة الإمبراطورة خيّمَت في ذهنه.
عليّ أن أعود إلى القصر فورًا.
العودة إلى المواجهة
في جناح الإمبراطورة، شدد جيروم على كلماته:
“قد لا تكوني أنتِ من فعلها. لكن، ما فائدة ذلك؟”
ارتجفت شفتاي:
“…ماذا تعني؟”
ابتسم ابتسامة باردة:
“حتى لو لم تكوني الجانية، فأنتِ الوحيدة التي يظن الجميع أنها المذنبة. وفي النهاية… كل شيء يشير إليك.”
تجمّدت.
كانت ابتسامته مثل سكين ينغرس ببطء في صدري.
التعليقات لهذا الفصل " 34"