الفصل الثالث: ما الذي تفعله الامبراطورة بالضبط؟
ما زالت كلمات جيروم ترن في اذني بعد عودتي الى جناح الامبراطورة:
“في المرة السابقة، نطقت بكلام غريب فأقلقني ذلك… لكن يبدو انك بخير.”
ماذا يقصد؟ كلام غريب؟ بخير؟
لم استطع استيعاب ما يجول في ذهنه.
في قاعة الطعام، كان يرمقني بعينين مخيفتين، يكاد يشكك في كل نفس اخذه.
لكن حين خلا بنا المكان، تبدل وجهه كليا.
تغيره المفاجئ هذا كان مقشعرا حقا.
تمتمت:
“انه حقا شخص لا يمكن فهمه.”
جيروم هذا مختلف جدا عن الذي اعرفه من الرواية.
هناك، كان دائما قاسيا مع هيلينا، باردا، لا يظهر لها ادنى لين.
اما الان… فلا ادري.
هززت راسي وطردت التفكير.
“كفى. لو بالغت في التحليل فلن اجني الا صداعا.”
قررت ان اؤجل الامر، اتحدث معه مباشرة في وقت لاحق.
لكن ما ان هممت بانهاء تفكيري، حتى دوى صراخ خارج النافذة:
“سلموا تلك الوصيفة الصغيرة حالا!”
“لم يعد ينفع الانكار، نحن نعلم كل شيء!”
تعالت الاصوات اكثر واكثر حتى ضاق صدري بها.
ما الذي يحدث الان؟
شدت جرس الاستدعاء، فدخلت كلوي، وصيفة الامبراطورة الكبرى.
سالتها:
“لم هذا الضجيج في الخارج؟”
اجابت بخجل:
“انها وصيفات من جناح الامبراطورة الصغرى.”
“الامبراطورة الصغرى؟ البطلة؟”
“نعم. ويقلن انهن جئن لان المذنبة التي مزقت فساتين الامبراطورة الصغرى مختبئة هنا.”
ضاقت عيناي.
بالطبع، قصدن ماري.
“يبدو ان علي الخروج.”
عند بوابة جناح الامبراطورة.
وصيفة متقدمة في العمر كانت تمسك ماري من معصمها بعنف، وعلى جانبيها حارسان.
وصيفاتي وقفن عاجزات امام هذا المشهد.
كانت تصرخ:
“كيف تجرؤين على مس ثياب الامبراطورة الصغرى؟ لن يمر الامر بسهولة!”
كانت ماري ترتجف كعصفور مبتل، لا تستطيع حتى الدفاع عن نفسها.
تقدمت وقلت بصوت بارد:
“توقفي.”
ارتبكت المرأة وانحنت قائلة:
“جلالتك.”
نظرت اليها مليا:
“من تكونين لتحدثي مثل هذا الشغب هنا؟”
اجابت:
“انا جاسمين، رئيسة وصيفات جناح الامبراطورة الصغرى.”
“وما الذي جلبك الى هنا؟”
“اعذرينا على الضجيج، لكننا نبحث عن المذنبة التي ارتكبت جريمة بشعة.”
“جريمة؟”
“لقد وجدت فساتين الامبراطورة الصغرى ممزقة تماما، وشهدت وصيفات بأن الفاعلة هي هذه الفتاة.”
التفت الى ماري.
كانت شاحبة الوجه، تكاد تبكي.
همست وهي تنحني:
“انا اسفة يا جلالتك.”
زفرت في داخلي.
هيلينا الاصلية كانت ستنكر علاقتها بالامر، بل وربما صفعت ماري.
اما انا… فلا.
ماري تابعة لي، لا يحق لاحد ان يهينها هكذا.
قلت بنبرة متعالية:
“واين دليلكم؟”
ارتبكت جاسمين.
“هناك شهود عيان…”
قاطعتها:
“انا من فعلت.”
شهقت جاسمين، وعقدت لسانها.
تلعثمت:
“لا اقصد ان جلالتك…!”
“اذنك ثقيلة اذن. قلت بوضوح: انا من مزق الفساتين.”
احمر وجهها، ولم تعرف ما تقول.
تابعت ببرود:
“رايت الفساتين فاغتظت، فمزقتها. الامر بهذه البساطة. فان كان لا بد من معاقبة احد، فلتعاقبوني انا.”
اصاب الذهول الجميع.
الحراس لم يجرؤوا على التقدم.
فتدخل احدهم اخيرا:
“نعتذر يا جلالتك. سنرفع الامر للتحقيق لاحقا.”
وانسحبوا جميعا.
ارتخيت قليلا.
الحمد لله ان الامر مر بسلام.
لو كنت هيلينا الاصلية، لما سلمت. لكنني مجرد انسانة عادية، والمواجهة اتعبتني.
ماري اقتربت ودموعها تفيض.
“جلالتك… بسببي…”
مسحت دموعها بكم ردائي وقلت:
“اهدئي. انتهى الامر.”
لكنها واصلت البكاء:
“وماذا ان اساء الامبراطور الظن بك بسببي؟”
ابتسمت بلطف:
“كما قلت لك، لم اعد اريد اهتمامه اصلا.”
قد يزداد سوء ظنه بي، لكن المهم ان ماري نجت.
عدت الى الداخل وطلبت من كلوي:
“احضروا كل التقارير التي كتبتموها عن الامبراطور. جميعها بلا استثناء.”
بعد قليل، جاء الوصيفات وهن يحملن اكواما من الاوراق، حتى ارتفع علوها فوق رؤوسهن.
اخذتها كلها والقيتها في المدفاة.
اتسعت عيون الوصيفات، لكنني قلت بهدوء:
“كما ترين، لم يعد لي ادنى اهتمام بالامبراطور. من الان وصاعدا، ابتعدن كليا عن شؤونه.”
انحنين وقلن بصوت واحد:
“حسنا يا جلالتك.”
ابتسمت برضا.
هكذا، انتهى عهد الشر.
لكن… لم يدم ارتياحي طويلا.
في اليوم التالي، قدم الطباخون مائدة عامرة امامي.
وبين الاطباق، لفت انتباهي قنينة صغيرة بداخلها سائل اخضر.
سالت:
“ما هذا؟”
اجاب الطباخ مترددا:
“انه شيء جلبناه من السوق السوداء… قطرة واحدة تكفي لتمنح جلالتك ما تريد.”
حدقت فيه:
“والمقصود ان نضعه في طعام الامبراطور، اليس كذلك؟”
ابتسم غامضا:
“دعي الامر لهذا الدواء.”
صدمت.
اذا، ليس الوصيفات فقط… بل الطباخون ايضا تحت امر هيلينا!
استدعيت كلوي، فسالتها:
“حتى الطباخون متورطون؟”
اجابت بجدية:
“نعم، يا جلالتك.”
امسكت براسي.
الوضع اسوا مما توقعت.
لم يكن يكفي ان امنع الوصيفات، بل علي التعامل مع شبكة كاملة بنتها هيلينا من قبل.
قلت بحزم:
“اجمعي كل من له علاقة بهذا. جميعهم.”
في مكان اخر، كان جيروم يقف امام النافذة، وبجواره وزيره الخاص نيكولاد.
قال الوزير:
“يبدو ان الامبراطورة تتصرف بغرابة.”
ابتسم جيروم بسخرية:
“اذن هي تخطط لمؤامرة اخرى.”
اشعة الشمس انعكست على شعره البلاتيني، بينما ظل يحدق في الافق.
“ما الذي تفعله الامبراطورة بالضبط؟”
✨ انتهى الفصل الثالث
التعليقات لهذا الفصل " 3"