الفصل 29 – “لا أستطيع تحمّل المزيد”
“تـ… تمهّل قليلًا، سير ليونارد!”
صرختُ مذعورة.
لكن رغم صراخي، ظلّ ليونارد هادئًا، يجيبني بنبرة رصينة:
“رجاءً، ابقِي ثابتة. سينتهي الأمر سريعًا.”
“لكـ… لكن…”
حاولت سحب قدمي من بين يديه، لكن قبضته كانت أشبه بقيدٍ من حديد لا يتزحزح.
“أرجوك… كفى.”
كنا الآن في مكتبه الخاص. لا أحد سوانا. وأنا… أسيرة بين يديه، قدمي في قبضته.
كيف وصلت إلى هذا الموقف؟
تذكّرتُ. قبل قليل، حين تعثّرتُ، التقطني في أحضانه.
ثم، بغير إنذار، همس بكلمات مبهمة:
“حقًا… لا أستطيع أن أزيح عيني عنكِ ولو للحظة.”
ثم حملني بين ذراعيه—حمل أميرة حقيقي—وسار بي إلى مكتبه، وسط أعين الخدم والفرسان الذين شهِدوا المشهد كاملًا.
وجهي احترق خجلًا.
جلستُ على مقعد، لكن حين طلب من الوصيفات المغادرة، كدتُ أصرخ في داخلي:
لا تتركني وحيدة معه!
غير أنهن انسحبن بابتسامة خفية، وكأنهن استمتعن بالمشهد.
اقترب مني، عاين قدمي بحذر:
“يبدو أنكِ التويتِ كاحلك. سأعالجه.”
قلتُ بسرعة:
“لا بأس! مجرد التواء بسيط. إذا عدتُ إلى جناحي وأخذت قسطًا من الراحة، سأكون بخير.”
“تركه هكذا قد يزيد الوضع سوءًا.”
“إذن سأطلب من سيدريك أن يعتني به. كما فعل بمعصمي من قبل…”
لكنه قاطعني بهدوء، وصوته يحمل إصرارًا غريبًا:
“أريده أن يكون بيدي أنا.”
قبضته ازدادت قوة، وكأنّه يتحدّاني أن أعارض.
لم أستطع قول “لا”.
فلتكن… فلتكن يد غريب، لا يد ليونارد.
أغمضتُ عينيّ محاوِلةً إقناع نفسي.
“قد يؤلم قليلًا.”
ضغط بأصابعه على موضع الالتواء.
“آآآخ!” صرختُ من شدّة الألم.
قال بهدوء:
“اصبري قليلًا، أوشكتُ على الانتهاء.”
لكن أصابعه تابعت الضغط، وألمٌ حاد اخترق ساقي:
“لا…! هذا مؤلم حقًا، لا أستطيع تحمّله! توقف، سير ليونارد!”
لكنه لم يتوقف.
“العضلات متشنجة… سيؤلم أكثر قليلًا.”
صرختُ، ثم فجأة…
توقف.
رفع رأسه قائلًا بهدوء:
“انتهى.”
وبالفعل… الألم انقشع، وحلّ مكانه ارتخاء وراحة عجيبة.
فتحت عينيّ بذهول. يا إلهي، هذا… فعّال جدًا.
قلتُ مرتبكة:
“شكرًا لك. لم أتوقّع أنك تجيد العلاج والتدليك أيضًا.”
“هل ما زلتِ تشعرين بأي ألم؟”
“لا، كل شيء بخير الآن. سأردّ لك الجميل لاحقًا. والآن إن سمحتَ لي…”
لكن حين حاولت النهوض، اكتشفت أنّه لا يزال يمسك كاحلي.
رفعت عينيّ نحوه:
“سير ليونارد…؟”
وقبل أن أستوعب… انحنى ببطء.
شفتيه لامستا قدمي.
“…!!”
أحسست بحرارة تشتعل في وجهي، كأن الزمن تجمّد.
حين رفع رأسه، همس بابتسامة غامضة:
“إنها… تعويذة.”
“تـ… تعويذة؟!”
“صحيح أنني لا أجيد السحر. لكنني أردتُ أن أضع أمنية صغيرة… لشفائك العاجل.”
قلبي خفق بجنون.
ليته كان سحرًا حقيقيًا. كان سيكون أسهل على عقلي من تصديق ما فعله للتو.
الفصل 29 – الجزء الثاني
وفي تلك اللحظة، في جناح ولي العهدة (الملكة الثانية في القصر)، كانت فيـي تتنزّه مع جيروم في حديقة الورود التي أنشأها خصيصًا لها.
الورود الوردية التي تشبه لون شعرها كانت تتفتح حولها، لكنها، على غير عادتها، لم تبدُ سعيدة.
سألها جيروم بعد أن لاحظ وجهها المتجهم:
“ما بكِ؟”
أجابت مترددة:
“لا شيء…”
“هذا ليس وجه من لا يخبئ شيئًا. قولي لي، ما الأمر؟”
ترددت ثم قالت بامتعاض:
“إنه بسبب جلالتك.”
“أنا؟”
“نعم. لقد وعدتني سابقًا بقضاء وقت معي، ثم اختفيت فجأة من دون أي كلمة.”
أخفضت عينيها بحزن. كان ذلك اليوم تنتظره بشغف، لكن جيروم اكتفى بترك رسالة قصيرة يبرر فيها انشغاله.
قال ببرود:
“ألم أوضح لكِ أنني كنت مشغولًا بأمر عاجل؟”
“لكن لم تخبرني وجهًا لوجه. تركت لي ورقة فقط، وغبت طويلًا. أين كنت؟”
تنهد وقال وهو يشيح بوجهه:
“كان هناك عمل طارئ.”
شعرت هي بالخذلان أكثر. لكنه أضاف أخيرًا:
“نعم، لقد كان خطئي.”
ساد بينهما صمت ثقيل. ثم رفعت فيي رأسها، بعينيها لمعة غريبة:
“إذن، هل تجيب عن سؤال واحد لي؟”
“سؤال؟”
“لكن عليك أن تعدني أن تجيب بصدق.”
رفع جيروم حاجبه مستغربًا، ثم قال:
“حسنًا، أعدك.”
أشرق وجهها بابتسامة صغيرة. أخرجت شيئًا من بين طيات ثوبها، وقالت بحماس:
“هذا هو!”
كان بين يديها قناع ذهبي لامع.
عيناه ضاقتا فور أن رآه:
“…من أين لكِ هذا؟”
“وجدته في مكتبك. أليس رائعًا؟”
لوّحت به أمامه، وقالت بخفة:
“لكن لماذا يحتاج جلالة الإمبراطور إلى قناع؟ هل ستشارك في مسرحية؟”
لم يُجِب.
ابتسمت بإصرار طفولي:
“هل يمكن أن أحتفظ به إذن؟”
قال بصرامة:
“أعيديه. سأشتري لكِ قناعًا آخر أجمل.”
لكنها تمسكت برأيها:
“لا، أريد هذا بالتحديد.”
مد يده بقوة وانتزعه منها.
خبا وجهها، وأخفضت رأسها وهي تعطيه القناع.
وفي تلك اللحظة، جاء صوت يناديه من بعيد:
“جلالتك!”
كان الماركيز نيكولاد، سكرتيره الخاص، يهرول لاهثًا.
“ما الأمر؟”
اقترب وهمس في أذنه ببضع كلمات.
فتغيرت ملامح جيروم قليلًا:
“…هو؟”
الفصل 29 – الجزء الثالث
في المقابل، كنتُ قد عدتُ إلى جناحي.
ما زلتُ مصدومة: قبلة على قدمي؟ تعويذة؟!
أي نوع من القصص العبثية هذا؟
ليونارد، الذي يُفترض أن يتحول لاحقًا إلى أعتى الأشرار، أصبح يتصرّف الآن… كفارس عاشق!
مستحيل…
“ماذا يحدث بحق السماء؟”
تمتمتُ وأنا أنزل من العربة.
لكن المفاجأة لم تنتهِ بعد.
ما إن دخلت إلى القصر حتى استقبلتني الوصيفات بابتسامات مبالغ فيها:
“جلالتك! لقد عاد ضيف مهم لزيارتك.”
“ضيف؟”
وقبل أن أسأل أكثر، ظهر رجل في منتصف العمر، يرتدي أبهى الأثواب المطرزة بالجواهر.
وجهه صارم، لكنه ابتسم بحنان حين التقت عيناه بعينيّ البنفسجيتين.
تجمدت مكاني، ثم خرجت الكلمة من فمي همسًا:
“أبي؟”
الفصل 29 – الجزء الرابع
هذا الرجل هو دوق هايتنغز شوفابن، والدي.
واحد من ثلاثة دوقات عظام في الإمبراطورية، وخصم سياسي متكرر لجيروم في الرواية الأصلية.
لم يكن شريرًا خالصًا، لكنه كان يحمل لقبًا آخر لا يقل ثقلًا:
“والد هيلينا، الشريرة.”
خارج القصر عُرِف بصرامته ولقّب بـ”رجل الحديد”، لكن داخل البيت… كان أبًا شديد التعلّق بابنته.
لدرجة أنه لبّى كل رغباتها وأفسدها بحبه الأعمى.
ابتسم وهو يقول:
“كنتُ في الخارج لأعمال مهمة، لكنني عدت قبل يومين. ومع ذلك، لم أستطع الصبر أكثر من ذلك… كنتُ أفتقدكِ كثيرًا.”
أمر الوصيفات بالمغادرة، وبمجرد أن أغلق الباب خلفهن، تغيّر وجهه كليًا.
“يا لحمقكِ.”
كان صوته حادًا، وعيناه ممتلئتين بالغضب.
“كيف تجرؤين على التجول في الخارج هكذا في وقت حساس كهذا؟”
تجمدتُ في مكاني.
ماذا؟ أليس هذا الرجل نفسه الذي يفترض أنه “الأب العطوف”؟ أين ذهب ذلك
التعليقات لهذا الفصل " 29"