الفصل 26 – وقعت في حبها… من النظرة الأولى
“آآآااا!”
سقط رجل معصوب العينين أرضًا وهو يصرخ برعب.
كان كولمن.
وكان آخر من تبقى من قطاع طرقه.
قبل قليل فقط، كان رجاله يهجمون بشراسة، لكنهم جميعًا هُزموا واحدًا تلو الآخر، ولم يبقَ إلا هو.
في الحقيقة، لم يكونوا أصلًا نِدًّا لمواجهة خصمه.
قال كولمن مرتجفًا:
“بـ… بهذه القوة كلها، لماذا إذن…؟”
ردّ الرجل ذو القناع الذهبي بصوت بارد:
“تسأل لماذا عقدتُ صفقة معكم؟ في كل عمل وسيلة تناسبه، والأعمال القذرة تحتاج سيوفًا قذرة مثل سيوفكم.”
صرخ كولمن:
“ونحن فعلنا كل ما طلبت!”
ابتسم الرجل الذهبي بخطورة:
“صحيح. لكنكم تجاوزتم حدودكم.”
“تتحدث عن تلك المرأة؟! لم يُصَبْها سوى خدش من الحبال! إن كنت تحرص عليها لهذه الدرجة، كان عليك أن تمنعها من لقاء أي رجل منذ البداية!”
بمجرد أن قال كلمة المرأة…
تبدل جوّ المكان.
اشتدّ القتل في عيني المقنّع الذهبي.
ارتاع كولمن وصاح مرتجلًا:
“لا، لا! أقصد… سيدة! سيدة نبيلة! أجمل سيدة في الدنيا! أثمن إنسانة على وجه الأرض!”
والمفاجأة… أنّ كلمات التملّق السخيفة جعلت هالة القتل تخفّ فجأة.
“يا إلهي… أيّ مجنون هذا؟”
ابتلع كولمن ريقه بصعوبة.
ضحك الرجل الذهبي ساخرًا وقال:
“صحيح… الحساب لم يكتمل. إن قتلتك، سيكون العدد ثلاثة وعشرين. ليس كافيًا، لكنه يُغطي النقص.”
جثا كولمن على ركبتيه مستجديًا:
“أرجوك! سأفعل أي شيء! فقط دعني حيًّا!”
لكن المقنّع رفع سيفه المغطى بدماء رجاله وقال ببرود:
“ولِمَ أفعل؟”
صرخ كولمن بجنون:
“أرجوك! لا! هيييييك!”
وقبل أن يهوي السيف…
“توقفوا.”
صوت رجولي منخفض وحازم دوّى في المكان.
التفت الرجل ذو القناع الذهبي، فرأى ليونارد يقترب بخطوات واثقة.
تزلزل الجوّ، وضعفَت هالة القتل للحظة.
وتقدّم الرجال الملثمون بالسواد ليتخذوا وضعية الدفاع.
لكن الرجل الذهبي أمرهم بصرامة:
“كفى. ابتعدوا. أريد التحدث معه وحدي.”
تردّدوا، ثم انسحبوا.
حتى كولمن اختفى بين الأشجار، وكأن الأرض ابتلعته.
بقي الرجل ذو القناع الذهبي وليونارد وجهًا لوجه.
اشتعلت النيران خلفهما، تلتهم كوخًا قديمًا حتى لم يبقَ سوى الرماد.
سأل ليونارد بنظرة ثابتة:
“هل فعلت كل هذا… بسبب وجودك مع جلالتها، الإمبراطورة؟ أم أنّ هناك سببًا آخر؟”
ضحك المقنّع ببرود:
“لا أفهم ما ترمي إليه.”
رما لينارد شيئًا عند قدميه.
كان قضيبًا صغيرًا يُستخدم لإطلاق الإبر المسمومة.
قال:
“هذا… حاولت إصابتي به. وأنا جسدي معتاد على السموم. لا تستخدم مثل هذا إلا إن كنت تودّ أن تكلمني بأمر مهم.”
ابتسم الرجل الذهبي ابتسامة ملتوية:
“كنت أريد تحذيرك فحسب… ألا تعبث مجددًا بنظام الإمبراطورية.”
لينارد:
“أنتم مخطئون. لم أُخِلّ بالنظام يومًا.”
المقنّع ساخرا:
“لم تُخِلّ؟ قلت بنفسك إنك تريد أن تصبح عشيق الإمبراطورة! غضضت الطرف عن مزحتك، لكن أن تصل لمرحلة الخيانة والعمل من وراء ظهرها؟”
رد ليونارد بلا ارتباك:
“لم أُخفِ شيئًا. بل على العكس… أريد أن يعرف الجميع علاقتي بها.”
“…ماذا قلت؟”
صوت الرجل ذو القناع الذهبي كان أشبه بزمجرة وحش.
لكن ليونارد أكمل بثبات:
“طبعًا لا أريد إحراجها. ولهذا أنا أتحمّل وأكبح نفسي حتى الآن.”
زمجر المقنّع:
“هذا ما تسميه كبح النفس؟! أهذا لعب في نظرك؟ هذه الإمبراطورية!”
لينارد بابتسامة باردة:
“إن كنتَ مهتمًّا لأمرها إلى هذا الحد… فلماذا تركتها وحيدة طوال هذا الوقت؟”
ارتجف القناع ذو الذهبي، وكاد يبوح بشيء لكنه تراجع.
تمتم:
“أنت من يستخدمها لمآربه، لا أنا.”
ليونارد بجدية:
“أبدًا. لست أستخدمها.”
ضحك المقنّع بمرارة:
“لا داعي للإنكار. انا أعرف حقيقتك.”
لكن ليونارد لم يتراجع، بل قال بصلابة:
“أنا… أحببتها.”
“…!”
“من النظرة الأولى.”
كلماته كانت واضحة، صريحة، لا ذرة ارتباك فيها.
ارتجفت نظرات الرجل الذهبي، وانبعثت منه موجة قاتلة أقوى من أي وقت مضى.
لكن لينارد لم يهرب، بل واجهها.
وقال بابتسامة غامضة:
“المحير بالنسبة لي… أن لك امرأة أخرى بجانبك. فلماذا إذن تهتم هكذا بأمر جلالتها؟ … جلالة الإمبراطور.”
ارتجف ذو القناع الذهبي.
وعيناه الحمراء المشتعلة أظهرت الحقيقة.
***
بعد عودتي من “موعدي” مع لينارد، استقبلتني وصيفاتي بسيل من الأسئلة.
“يا إلهي! إذن هذا الخاتم… أهداه لكِ اللورد ليونارد
تجمعن حولي وعيونهن تتأمل الحجر اللامع.
“ما أروعه! لم أرَ حجرًا بهذا البريق من قبل.”
“إنه يليق حقًا بالإمبراطورة.”
“بل حتى لونه البنفسجي الداكن… يشبه عينيكِ، يا مولاتي.”
قاطعت كلامهن بسرعة:
“لا تبالغن. ليس مقصودًا.”
لكن رغم قولي… قلبي لم يكن مطمئنًا.
هل يمكن أن يكون قصد فعلًا أن يختار حجرًا يشبه عينيّ؟
لا… لا أظن.
وقاطعت أفكاري إحداهن بسؤالها:
“وكيف كان موعدك مع اللورد لينارد؟ هل أخذك لمكان جميل؟”
ابتسمت بخفة:
“نعم… لم أتخيل أن يأخذني لمكان كهذا.”
كوخ طفولته… المحترق.
مكان لم يخطر لي يومًا، لكنه ترك أثرًا غريبًا في قلبي.
وفجأة، قالت ماري بخبث:
“آه! تذكرت. أثناء غيابكِ… حضر جلالة الإمبراطور بنفسه للقصر.”
“…جلالته؟ لماذا؟”
“لم يقل شيئًا محددًا. لكننا طمأنّاه أنك بخير.”
“نعم، تحدثنا بالنيابة عنك بكل لطف.”
رمقتهن مستغربة.
هل تواطأن على إخفاء شيء؟
لكن لم أشغل بالي كثيرًا.
اقتربت الكونتيسة كلوي وقالت:
“انتهيت من علاج جرحكِ.”
أشارت إلى الرسغ الذي خدشته الحبال حين كنت مربوطة.
سألتني بقلق:
“كيف أصابك هذا الجرح؟”
أجبت مبتسمة:
“مجرد خدش بسيط.”
لم أرغب في ذكر اللصوص حتى لا أقلق الوصيفات.
ثم رفعت كلوي قطعة قماش ملوثة بالدم:
“هل أرميها؟”
حدقت بها. كانت قطعة من ثوب لينارد، قطعها ليوقف نزيفي.
قلت بسرعة:
“لا، احتفظي بها. أعطيني إياها.”
أخذتها بيدي، وفجأة عاد طيف لينارد لذهني.
هل عاد سالمًا؟ لا بد أنه بخير… لكنه يستحق أن أشكره.
كما تذكرت رجلاً آخر أنقذني بعباءته السوداء.
عليّ أن أشكره أيضًا.
قمت من مكاني بحزم:
“عليّ أن أذهب وأراهم بنفسي.”
لكن ماري ظهرت أمامي مبتسمة وقالت:
“مولاتي… الساحر جاء لزيارتك الآن!”
التعليقات