الفصل 25 – كم واحدا يجب أن أقتل لأمحو جريمة جرحها؟
بمساعدة سيدريك أفلتتُ أنا وليونارد من قطاع الطرق، وركضنا في الجبل بلا توقف.
وبين الأشجار ظهر لنا بريق بحيرة هادئة.
قال ليونارد وهو يلهث:
“هنا يمكننا أن نطمئن.”
ولمّا رأيت العربة السوداء المتوقفة عند الضفة، توقفت أنفاسي من شدة الإرهاق.
اقترب السائس مذعورا:
“ما الذي حدث لكما؟”
فطمأنه ليونارد
“لا شيء مهم، هدّئ من روعك.”
وبعد أن استعدنا أنفاسنا، سألني ليونارد فجأة:
“من يكون ذلك الرجل؟”
أجبته باستغراب:
“أي رجل؟”
قال وهو يحدّق بي:
“ذلك الساحر الذي واجه قطاع الطرق. لم أرَ في حياتي من يستخدم السحر بتلك البراعة. من هو؟”
توترت من سؤله ثم ابتسمت ابتسامه مصطنعة:
“إنه ساحر جديد في القصر. صادف أن بيننا هواية مشتركة، فتقرّبنا قليلا.”
ابتسم ليونارد بخفة:
“حتى مع سحرة بهذا المستوى أنتِ على علاقة وثيقة. حقا يا مولاتي، أنتِ شخصية غامضة.”
ضحكت قائلة:
“يقولون لي أحيانا إنني لست عادية.”
وصعدت إلى العربة، لكن ليونارد لم يتبعني.
سألته:
“ألن تركب؟”
فأجاب مبتسما:
“لدي أمر لم أنجزه بعد.”
قلت بقلق:
“أليس ذلك خطيرا؟”
أجاب بثقة:
“لا تقلقي. السائس أيضا يجيد السيف، ولن يشكّل قطاع الطرق خطرا.”
ثم أشار إلى السائس فأخرج صندوقا صغيرا وقدّمه له. سلّمه لي لينارد قائلا:
“مولاتي، أرجوك خذي هذه الهدية.”
فتحت الصندوق فرأيت خاتما فاخرا يتلألأ فيه حجر أزرق قاتم.
سألته بدهشة:
“خاتم؟”
ابتسم قائلا:
“لم أشأ أن أهديك خاتما مماثلا لخاتم الأميرة. أردت أن يكون لهذه الهدية معنى مختلفا.”
قلت بحدة:
“لكن خاتما مرة أخرى؟ هل هذا صدفة أم مغزى أعمق؟”
خفض بصره وقال:
“كنت أنوي أن أطلب منك شيئا مع هذه الهدية…”
قاطعت بسرعة:
“لا تقل لي أنك تكرر نفس الطلب القديم.”
ظلّ صامتا، فابتسمت بمرارة:
“إجابتي لم ولن تتغير. ولن أقبل الهدية إذن.”
مددت يدي لأعيد الخاتم، لكنه أسرع وأمسكها قائلا:
“رجاء، اعتبريه اعتذارا عمّا جرى اليوم.”
ترددت قليلا ثم قلت:
“حسنا، سأقبل به فقط كي يخفف عنك.”
انحنى بابتسامة امتنان وقال:
“شكرا لك يا مولاتي.”
أُغلق باب العربة وتحركت ببطء نحو القصر.
***
في عمق الغابة كان الكوخ الذي ضم ذكريات الطفولة يلتهمه اللهب.
وقف زعيم اللصوص كولمن منحنيا أمام رجل يرتدي قناعا ذهبيا، يحيط به رجُلان مقنّعان بالسواد.
قال كولمن متملقا:
“كما أمرتم نفذنا كل شيء. والآن… الحساب.”
ألقى المقنّع الذهبي بكيس صغير عند قدميه. فتحه كولمن وقطّب حاجبيه:
“المبلغ ناقص يا سيدي.”
صاح أحد المقنّعين غاضبا:
“كيف تجرؤ على الاعتراض؟”
لكن الرجل الذهبي رفع يده مهدّئا وقال ببرود:
“أليس هذا ما اتفقنا عليه؟”
تلعثم كولمن:
“صحيح… لكن الأمور لم تكن كما صوّرتم. لم تذكروا أن خصمنا بتلك القوة، ولا أن معهم ساحرا يفتك بالرجال. لقد جُرح ستة من رجالي.”
تمتم المقنّع الذهبي:
“ساحر…”
واصل كولمن:
“أحدهم تحطم أنفه، وثلاثة انكسرت عظامهم. هذا يستحق تعويضا أكبر.”
ابتسم المقنّع الذهبي ساخرا:
“لم يمت أحد؟ غريب.”
تجرأ كولمن وقال:
“نريد خمسة أضعاف المبلغ.”
مدّ الرجل الذهبي يده إلى كمّه، وكولمن ظن أنه سيخرج كيسا أثقل بالذهب، لكنه أخرج سيفا داميا.
صرخ كولمن وهو يتهاوى:
“ما هذا…!”
قال المقنّع ببرود:
“قلت بنفسك إن الحساب كان خاطئا، وأنا أصلح الخطأ الآن.”
شهق كولمن:
“لقد فعلنا كل ما طلبت! ما ذنبنا؟”
أجابه ببرود قاتل:
“كل شيء كان صحيحا، إلا شيئا واحدا… من أذن لك أن تؤذيها؟”
ارتبك كولمن:
“أهي تلك السيدة؟ لم تُصب سوى بخدش صغير في معصمها!”
قال المقنّع بابتسامة مرعبة:
“ذلك الخدش وحده يكفي ليجعلكم تستحقون الموت.”
ثم أضاف وهو يشير إلى الكوخ المحترق:
“لكنكم أحرقتم هذا المكان. سأعتبرها نقطة لصالحكم.”
صرخ كولمن يائسًا:
“أيها المجنون! اقتلوه!”
انقض قطاع الطرق من كل اتجاه، لكن الرجل الذهبي لم يبدُ خائفا. بل تمتم بابتسامة باردة:
“كم واحدا يجب أن أقتل… لأمحو جريمة جرحها؟”
التعليقات لهذا الفصل " 25"