الفصل الرابع والعشرون – “أأنا شريرة مثيرة للمتاعب؟”
حلّ الليل بهدوء.
ومن بعيد دوّى صوت بومة وحيدة.
في هذه اللحظة، لا بدّ أن خدم القصر مشغولون بإنهاء أعمال يومهم.
الطهاة يضعون جهدهم في إعداد مأدبة العشاء الفاخرة،
والوصيفات يهرعن لتجهيز الأسرّة الوطيئة من أجل نومٍ مريح.
يا لها من صورة مألوفة ودافئة… حتى إنّي شعرت أنّني أستطيع أن أبتسم حتى أمام برود جيروم المعتاد.
لكن، كل ذلك أفضل بكثير من وضعي الآن.
مقيدة إلى جذع شجرة، وإلى جانبي ليونارد فاقد الوعي، فيما يشتعل لهيب نار ضخمة أمامنا.
“أه…”
صدر منه أنين ضعيف.
“سيدي ليونارد! هل استعدت وعيك؟”
فتح عينيه نصف فتحة وتمتم:
“…جلالتك.”
“هل أصابك ألم في موضع ما؟”
صمت، ثم تابعت:
“قد تشعر بصداع. عندما فقدت وعيك، أفرغ قطاع الطرق غضبهم عليك.”
“فقدت وعيي؟”
ارتجف بصره للحظة. لم أره متفاجئًا بهذا الشكل من قبل. لكنه سرعان ما استعاد هدوءه المعتاد.
“ما الذي جرى؟”
خفضت رأسي بتنهد:
“إنها غلطتي.”
تذكرت ما وقع قبل قليل.
حين غادرنا الكوخ فوجئنا بقطاع طرق.
كانوا كثيرين، لكنني لم أقلق كثيرًا… فقد كان بجانبي قائد فرسان الإمبراطورية، الذي سيصبح يومًا ما ذلك الشرير المظلم.
وبالفعل، أسقط خمسة رجال هاجموه في لحظة.
كان رشيقًا، شامخًا، مثل صقر ينقض على فريسته.
لكن المشكلة كانت عندي.
رجل مقنّع باغتني ووضع نصلًا على عنقي، فاضطر ليونارد إلى رمي سيفه الخشبي.
وبينما كان مشتتًا، اخترقت جسده سهام صغيرة مدهونة بسمّ مخدّر قوي، فسقط أرضًا بلا حراك.
“إنها غلطتي، حقًا.”
آه، كم كرهتُ دومًا البطلات العاجزات في الروايات.
والآن ها أنا ألعب هذا الدور!
لو لم يُمسكني ذلك الرجل، لكان ليونارد قد قضى عليهم بسهولة.
لكن ليونارد بدا أكثر اهتمامًا بالتفصيل الآخر:
“سهام مسمومة…؟”
“نعم. قالوا إنّها مغطاة بسمّ يجعل حتى الوحوش الضخمة تسقط في لحظة.”
“…”
عيناه غامت بالنظرات الثقيلة.
“آسف. لقد قصّرت في حمايتك.”
“كلا. لستَ أنت المخطئ.”
آه يا إلهي… أأنا بطلة عابثة؟ لا… بل شريرة عابثة!
عاد قطاع الطرق بنا إلى الكوخ، وقيّدونا جنبًا إلى جنب. لحسن الحظ لم نُصب بجروح بالغة.
بعد قليل، دوّى صوت أجشّ من رجل ضخم بعين واحدة:
“احرصوا عليهم جيدًا! سنبيعهم بسعر عالٍ، لكن إن أفسدهم أحدكم، فسوف يدفع الثمن.”
عرفت أنّه زعيمهم، واسمه “كولمان”.
قال وهو يحدق بيونارد بنظرة مقززة:
“الفتاة جميلة وستجلب ثمنًا جيدًا. أما الرجل… فالسيّدات الراقيات لهن هوايات عجيبة مؤخرًا. وجهه الوسيم سيباع في أماكن كثيرة.”
قشعرّ بدني من حديثه عن بيع البشر كسلعة.
لكن ليونارد همس بثقة:
“لا تقلقي يا جلالتك. سأجد حلًّا.”
أشرت إلى النار التي كانوا يتدفؤون حولها.
أثاث الكوخ البسيط، الذي كان يحمل ذكريات طفولته مع شقيقه، صار حطبًا للنار.
تظاهر بالتماسك وقال:
“ذكرياتي آخر ما ينبغي أن أفكّر فيه الآن. علينا أولًا أن نهرب.”
حاولت أنا من قبل فك الحبال… بلا جدوى. تركت آثارًا مؤلمة على معصمي.
لكن ليونارد، ببساطة، فك قيوده بسرعة وقال:
“ها قد انتهيت. دعيني أفكّ قيدك الآن.”
حدقت فيه مذهولة.
أنا التي عانيت ساعة كاملة، بينما هو فكها بهذه السهولة؟!
***
بعد قليل، انشغل قطاع الطرق بالشرب حتى ثملوا، ثم سقطوا نيامًا.
“الوقت مناسب الآن. اتبعي خطواتي بهدوء.”
أومأت، وتسللنا كقطتين بين الأجساد الغارقة في السكر.
لكن ليونارد لمح معصمي المتورم، فمزق كمّه وربطه حوله:
“معذرة. لا أستطيع أن أتركه هكذا.”
“شكرا… لكن فلنركّز على الهروب.”
ابتسم بخفة، لكنه لم يترك معصمي حتى فرغ من تضميده.
تقدّمنا بحذر.
كنا على وشك النجاة، لولا أن أحدهم صرخ:
“الأسرى هربوا!”
عمّت الفوضى، وركض العشرات خلفنا.
ليونارد قبض على سيف عادي التقطه من الأرض وقال بصرامة:
“سأوقفهم. اذهبي أنتِ.”
لكنه لم يكد ينطق حتى دوّى انفجار هائل خلف الكوخ، وارتفع عمود من اللهب الأخضر.
تشتتت أنظار اللصوص:
“ما هذا؟ نار خضراء؟!”
“هل ثمّة ساحر؟”
وسط الارتباك، خرج رجل نحيل يرتدي رداء أسود من الظلال، وأطلق نيرانًا أخرى حمتنا.
تبادلت النظرات معه لوهلة، ورأيته يبتسم ابتسامة غامضة.
ابتسامة تقول: “اذهبي، أنا سألحق بكما.”
أومأت برأسي، وهمست:
“أعتمد عليك… يا عاشق الزهور.”
لكن لا… لم يعد مجرد هاوٍ للزهور.
بل ساحر عظيم، يملأ حضوره المكان رهبة.
✨ انتهى الفصل الرابع والعشرون.
التعليقات لهذا الفصل " 24"