الفصل الثالث والعشرون – “هذا يبدو… خطرًا بعض الشيء”
شعرت بخجل شديد.
ليس مجرد خجل عابر، بل رغبة في أن تنشق الأرض لأختبئ فيها.
تظاهرت بإغماض عيني كأنني ما زلت نائمة، لكن جاءني صوت ليونارد المليء بالمزاح:
“إن كنتِ ترغبين في الاستمرار بالاتكاء على كتفي، فذلك شرف عظيم لي.”
عند همسه، انتبهت فجأة.
“آ.. آسفة.”
جلست بسرعة واعتدلت.
ابتسم وهو يشير بكتفه:
“إن رغبتِ، يمكنك الاتكاء بقدر ما تشائين.”
أخرسني ذلك التصرّف المتبجّح.
“أنت حقًا…”
قاطعني مبتسمًا:
“لستُ مازحًا. خذي كلامي بجدية.”
رغم كلماته، كانت عيناه تلمعان بالمرح.
هل هذا فعلًا قائد الفرسان الجاد؟
سألته:
“منذ متى أدركت أنني مستيقظة؟ كنتُ مغمضة العينين تمامًا.”
أجاب وهو يبتسم بخبث:
“أما سمعتِ من قبل أنك لا تستطيعين إخفاء تعابير وجهك؟”
“أبدًا لم يقل لي أحد ذلك.”
أشار إلى ما بين حاجبيه:
“كنتِ تعقدين جبينك وأنتِ تفكرين. بدوتِ… لطيفة جدًا.”
“……!”
تورد وجهي بشدة.
إذًا كنتُ متجهمة وأنا أفكر.
قلت لأخفي ارتباكي:
“إذن كنتَ تراقب وجهي طوال الوقت؟”
ابتسم بثقة:
“نعم. بل أظن أنني لن أملّ من النظر إليك حتى لو قضيت اليوم كله.”
“هاه، ها أنت تقول كلمات لا تعنيها مجددًا…”
ولم أكمل جملتي حتى توقفت العربة.
“جلالتك، تفضلي بالنزول.”
نزل أولًا ومد يده إليّ بهدوء.
كنت أودّ أن أطلب العودة مباشرة إلى القصر، لكن… كان فضولي يدفعني لمعرفة ما أراد أن يريني.
فمددت يدي إليه على مضض.
“هذا المكان…؟”
لم يكن متجر جواهر ولا سوق أقمشة فاخرة كما توقعت.
بل كان بحيرة صغيرة وسط غابة هادئة، تحيطها الأشجار الكثيفة.
قال ليونارد وهو يمد ذراعه بأناقة:
“هل ترافقينني في جولة قصيرة؟”
لم أمسك بذراعه.
قد يكون من آداب النبلاء، لكن إمساك ذراع “الشرير الخفي” نفسه بدا مقلقًا.
ابتسم بخفة:
“ألعلّك تخشين أن أتصرّف بغير لياقة؟”
أجبته:
“أعرف أنك لستَ من هذا النوع.”
كان قاسيًا أحيانًا، لكنه لم يكن سافلًا.
ثم تمتم بابتسامة غامضة:
“أحيانًا أشعر أنّ جلالتك تعرفني أكثر مما ينبغي.”
“…ماذا قلت؟”
لكن صوته كان منخفضًا جدًا.
بعد قليل أشار إلى كوخ خشبي قديم تحت شجرة ضخمة.
كوخ متهالك، أشبه بمخزن مهجور.
سألته متوجسة:
“هل تجري هنا صفقات سرية؟”
ابتسم وهو يرفع حاجبه:
“ولمَ تظنين ذلك؟”
“لأنك… أنت هو الشرير الخفي الذي يسيطر على الإمبراطورية في الظلام، أليس كذلك؟”
ابتلعت ما هممت بقوله، وغيّرت الموضوع:
“على الأقل، سمعت من ألفريدو أنك توسعت في التجارة بذكاء مذهل. خُيّل إليّ أن مثلك قد ينخرط في صفقات مشبوهة أيضًا.”
أجاب بابتسامة دقيقة:
“توقّع مثير للاهتمام حقًا.”
حين دخلنا الكوخ، أشعل فانوسًا.
ظهر أثاث قديم، أدوات خشبية، كتب قليلة، لعب أطفال مكسورة.
بدت كأنها مخبأ طفولي، مكان ذكريات.
قلت منبهرة:
“إن كان الغرض خداع الآخرين، فأهنّئ من أعدّه. التمثيل مثالي.”
ضحك وقال:
“بل هذا المكان حقيقي. أردت فقط أن أريكِ إياه.”
تجمدت لحظة.
“هذا ما رغبتَ بعرضه عليّ؟”
أومأ ببطء، وعيناه تلمعان بمشاعر مختلفة:
“إنه مكان طفولتي… ذكرياتي مع أخي الصغير.”
“أخ… صغير؟”
في الرواية الأصلية لم أسمع عن وجود أخ له.
سألته:
“ولمَ تُريني هذا المكان؟”
أجاب بابتسامة رقيقة على غير عادته:
“لأنني عاهدت نفسي… أن أريه أولًا لمن أحب.”
ضحكت ساخره:
“وكم مرة قلت هذه الجملة من قبل؟”
“ستصدقينني إن قلت إنها الأولى؟”
“قلتَ مثلها سابقًا أيضًا.”
ضحك بخفة:
“هاه… يصعب خداع جلالتك.”
ثم راح يقلب كتابًا قديمًا أرهقته يداه. لكن فجأة صمت وأغلقه، وكأن ذكرى مؤلمة باغتته.
لم يطل الأمر حتى قال:
“حان الوقت للعودة. إن تأخرنا حلّ الظلام.”
خرجنا من الكوخ، وإذا بالشمس تميل نحو الغروب فعلًا.
مد ذراعه ثانية وقال:
“ألا تمنحينني هذه المرة شرف مرافقتك؟”
ابتسمت بسخرية:
“إن رضيتُ مرة، ستطالب بها دومًا.”
“هاه، اكتشفتِ ذلك.”
كان مرحًا على غير صورته في الرواية الأصلية.
هناك، كان ثقيل الظل، مقيّدًا بقدر أسود.
أما الآن، بدا رجلًا يبتسم بصدق.
‘ماذا عساه يواجه لاحقًا ليغدو ذلك الرجل الكئيب؟’
لكن فجأة، توقف وقال بجدية:
“لحظة.”
“ماذا هناك؟”
وضع إصبعه على شفتيه:
“ش… ثمّة حركة.”
اقترب مني وهمس:
“هناك أناس يقتربون.”
أجبت بخفة:
“ربما مجرد عابري سبيل؟”
“كلا… أصوات أقدام كثيرة، وصوت سيوف.”
تجمّعنا خلف الأشجار.
وبالفعل، بدأت خطوات وحفيف أغصان وصوت الحديد يقترب.
تمتم ليونارد بهدوء:
“يبدو أنهم قطاع طرق.”
لم أكد أستوعب حتى أحاط بنا عشرات الرجال ذوي الوجوه القاسية.
“هاها… انظروا ماذا لدينا هنا.”
قال أحدهم وهو يرمقني بنظرة بغيضة.
رفع ليونارد سيفًا خشبيًا التقطه من الكوخ، وقال بثقة:
“لا تقلقي يا جلالة الإمبراطورة. سأحميك بحياتي.”
كان شكله مهيبًا… لكن المشكلة أنّ عددهم كان يقارب العشرين.
‘هذا… خطر فعلًا!’
✨ انتهى الفصل ٢٣.
التعليقات لهذا الفصل " 23"