الفصل الثاني والعشرون – “إلى أن أكسب قلب جلالتك”
[إلى جلالة الإمبراطورة العزيزة.
في هذه الأيام، أعجز عن التركيز في تدريباتي.
حين لا أراكِ، أشعر أنّ اليوم يمتد كأنّه عام.
جلالة الإمبراطورة.
أشتاق إليك، وأشتاق مرّة أخرى.
ألا تمنحينني يومًا واحدًا فقط؟]
لقد كانت رسالة حب.
يا للسماء! ما هذا الخطاب المليء بالكلمات المبتذلة!
كادت صرخة تفلت من فمي خجلًا، وأنا أقرأ الرسالة التي جاءتني من إحدى وصيفاتي.
وحين رفعت عيني إلى اسم المرسل…
“……!”
كان “ليونارد”.
ذلك الرجل الخفيّ، صاحب الخطر، والذي عرض عليّ ذات يوم أن أكون “عشيقته”.
وببساطة، ما كان يطلبه الخطاب ليس سوى… موعد.
‘هاه. بالطبع سأرفض.’
كنت أنوي رفض الأمر من غير التفاتة.
كيف لي أن أخرج في موعد مع الشخص الذي سيجرّ الإمبراطورية إلى الهلاك؟
مهما كان وسيماً، وجذابًا، وجب عليّ الرفض.
إلى أن وقعت عيناي على آخر جملة في الخطاب.
[ملاحظة: لم تنسي بعد أنّ لكِ دَينًا عندي، أليس كذلك؟]
…تبا.
كان يقصد “حادثة الخاتم” حين اضطررتُ إلى قبول مساعدته كي أبرّئ اسمي.
وحينها، وعدتُه بتلبية طلبٍ بسيط مقابل الخاتم الذي استعصى على الجميع.
وللأسف، الطلب الوارد في خطابه لم يكن شيئًا مبالغًا فيه.
فبعد تردّد طويل، وجدت نفسي مضطرة للموافقة.
“حسنًا، في النهاية… مجرد يوم واحد.”
ليس سهرًا حتى الصباح.
سيكون الأمر عابرًا، أليس كذلك؟
* * *
بعد يومين.
توقفت عربة فخمة أمام جناحي.
أربعة جياد سوداء تشدّها، ناصعة اللمعان، بلا شائبة. حتى السائس كان يرتدي ملابس سوداء، بقبعة سوداء.
‘يا له من هوس بالسواد.’
لكنها لم تكن عربة مخيفة تشبه عربات الموت، بل أقرب إلى قطعة مخملية سوداء مرصّعة بالنجوم.
“يشرفني لقاؤك، جلالة الإمبراطورة. أدعى ألفريدو.”
“تشرفت بلقائك، ألفريدو. وأين سير ليونارد؟”
“للأسف، مشاغل طارئة منعته من الحضور. لكنّه ينتظرك بلهفة في وجهتنا.”
شعرت بخيبة طفيفه…
مهلًا. خيبة؟!
كلا، عليّ أن أتذكر أنّ عليّ الابتعاد عنه.
“إن كان مشغولًا، فلا بأس.”
صعدت إلى العربة.
حاولت الكونتيسة “كلوي” و”ماري” مرافقتي، لكن ألفريدو وقف في طريقهما.
“أعذراني، سيدتيّ. الدعوة تخصّ جلالة الإمبراطورة وحدها.”
“نحن وصيفتاها المباشرتان. أينما ذهبت نذهب معها.”
“هذا أمر من السيّد نفسه.”
تبادلوا الجدال، فقلتُ:
“لا بأس. الأمر مهم، وسأعود سريعًا. انتظراني هنا.”
بعد جهد، أقنعتُهما بالبقاء.
أشار ألفريدو للسائس:
“انطلق.”
وانطلقت العربة السوداء خارج القصر.
* * *
داخ، داخ.
انهمكتُ في تأمل المشاهد من النافذة.
كانت المرة الأولى التي أغادر فيها أسوار القصر.
المباني، الزخارف، صخب الأسواق… كل شيء أبهرني.
ابتسم ألفريدو:
“تبدو جلالتك مندهشة.”
“حقًا. لم أتوقع هذا الازدحام وهذا البذخ.”
“إنه قلب الإمبراطورية، أعظم مدن القارة.”
ثم أضاف بفخر:
“نصف هذه المتاجر ملكٌ لأسرة “هيلبرت”.”
شهقتُ. تلك هي أسرة ليونارد.
“نصفها؟!”
ابتسم:
“حتى سنوات قليلة، لم يكن يملكون سوى خمس بنايات. لكن بفضل السيّد الشاب… باتوا الأغنى في الإمبراطورية.”
وظلّ يحدثني عن عبقريته، تجاربه، نجاحه في التجارة والحساب.
“لكن كيف انتهى به الأمر قائدًا لفرسان البلاط؟”
تنهّد:
“قصة لا أستطيع البوح بها.”
أثار فضولي، لكن العربة توقفت قبل أن يضيف.
“شرف لي أن أرافقك حتى هنا.”
نزل، وفتح الباب.
وداخل العربة… دخل هو.
ليونارد.
لم يكن مرتديًا درعه أو زيّ الفرسان، بل بذلة سهرة سوداء أنيقة. وكأنّه شخص مختلف.
“أعتذر أنّي لم أستقبلك بنفسي.”
“لا بأس. رفيقك أكثرني حديثًا عنك.”
“عنّي؟”
“أغرقني بالمديحك. يبدو أنّه يثق بك كثيرًا.”
ابتسم مائلًا:
“حقًا؟ لا يمدح عادة. لا بد أنّ صحبتك أعجبته.”
أجبته ساخره:
“وأنت بارع في المديح بدورك.”
ضحك بخفة.
تحرّكت العربة مجددًا.
قلت:
“هذه العربة مدهشة. مريحة أكثر من عربات القصر.”
اقترب، وهمس قرب أذني:
“السرّ في آلية خاصة بين العجلات. لا يعرفها أحد… بعد.”
“ولم تخبرني بها؟”
ابتسم بعينيه:
“لأنّكِ مميّزة.”
ضحكت.
“أنت حقًا ماكر.”
ابتسم أوسع:
“لم أتوقع قبولك الدعوة حقًا.”
“كان وعدًا، ووعدي دين.”
“أسعدني أنني أفدتك وقت الخاتم.”
“كنتَ عونًا لا يُقدّر.”
ثم سأل:
“هل أخبرتِ الإمبراطور عن خروجك؟”
أجبته ببرود:
“ولمَ أفعل؟ هو بالكاد يهتم. لن يلاحظ.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة غامضة.
“بل أظنّه الآن مرتبكٌ أشدّ الارتباك.”
* * *
في جناحي.
“الإمبراطور يبحث عن جلالتها؟!”
قالت كلوي بدهشة.
أجابت ماري بحماس:
“أرأيتِ؟ خطتها في إثارة غيرته بدأت تنجح!”
واتفقن على مضاعفة “اللعبة”.
* * *
“غابت الإمبراطورة؟”
زمّ جيروم حاجبيه.
أجابت الكونتيسة مترددة:
“جلالتها قالت إنها سرّ شخصي.”
وقبل أن يسأل أكثر، سمع همسات الوصيفات المبالغ فيها.
“تخيّلي! ليونارد كتب لها رسالة طويلة، مليئة بالحب!”
“آه… مجرد قراءتها تجعل القلب يذوب.”
تجمّد وجه جيروم أكثر.
“إذن… إلى أين ذهبت؟”
* * *
مرّت العربة بمشاهد عدة، حتى وصلت إلى ضفاف بحيرة عظيمة.
“ما هذا الجمال…!”
جبال، شلال صغير، وبحيرة كالمرآة تعكس الغيوم.
“يسمّونها “حديقة الغيوم”.”
أومأتُ بإعجاب.
لكن ليونارد قال بابتسامة غامضة:
“وليس هذا ما جئتُ لأريكِ إياه بعد.”
ثم اقترح:
“لمَ لا تغفين قليلًا؟”
لم أدرك كيف غلبني النعاس.
وحين استيقظت…
‘أين أتكئ الآن؟’
لم تكن جدران العربة.
أدركت الحقيقة المرّة:
كنتُ متكئة على كتفه.
“……!”
متى انتقل إلى جانبي؟
وقبل أن أتظاهر بالنوم أكثر، جاء صوته الرخيم قرب أذني:
“جلالتك… أعلم أنّك مستيقظة.”
✨ انتهى الفصل ٢٢.
التعليقات لهذا الفصل " 22"