الفصل 211 – «سأقضي عمري أكفّر لكِ»
ارتجفت هيلينا فجأة.
«ما هذا…؟»
شعرت بفراغ بارد ينخر ناحية قلبها، كأن شيئًا عزيزًا انتُزع للتو. حدسها صرخ بالخطر.
طرقٌ خفيف على الباب.
هل عادت الكونتيسة كلوي؟ التفتت على عجل.
لكن الصوت الذي دخل لم يكن صوتها.
«يبدو أنكِ خاب ظنكِ برؤيتي.»
كان القادم قائد الفيلق الثاني: غيرديك.
قالت بفتور: «ما الذي جاء بك إلى هنا؟»
ابتسم ابتسامة مائلة: «مررت لأطمئن… ويجدر بكِ أن تكوني حذرة يا جلالتك.»
«حذرة؟»
«هناك دخلاء غير مصرّح لهم في القصر. تخلصتُ من أحدهم قبل قليل، لكن الحذر واجب.»
تخلّصت؟ ارتبك ذهنها. وقبل أن تستوعب، انحنى غيرديك مصطنعًا الاحترام. ومن فوق كتفه، لمحت كاحلاً متدلّيًا على الأرض خارج العتبة… الزيّ نفسه… زيّ كلوي.
اتسعت عيناها. «لا… لا!»
أغلق غيرديك الباب.
طَقّ— ثم دار المفتاح.
هرعت هيلينا تدفع المقبض بجنون: «افتحوا الباب! افتحوه حالًا!»
راحت تضرب الخشب بيديها وكتفيها حتى احمرت راحتاها. «كونتيسة! لااا!»
لا جواب. لا يفتح الباب.
في مكتب الحكم، كان جيروم يغربل أكوام الملفات.
«مجرد غياب قصير، والقصر صار فوضى»، تمتم ببرود.
وقف دوق نِكلارد إلى جانبه مأخوذًا بسرعة استيعابه: قضايا استعصت أيامًا على المستشارين، يبتّ فيها الإمبراطور من نظرة.
توقف جيروم عند تقرير: «الاضطرابات على أطراف العاصمة تتزايد…»
أوضح نِكلارد: «بعثنا سرايا للتحقق. ثمة قوة خفية وراء التحريك.»
ضاق بصر جيروم: «فلول تمرّد؟»
«الأرجح.»
دخل فارس على عجل. انكمش حين التقت عيناه بنظرة الإمبراطور.
«ما الأمر؟»
«جلالتك… يجب أن تتفضلوا فورًا إلى جلالتها الإمبراطورة.»
قفز جيروم واقفًا: «ما الذي حدث لها؟»
تلعثم الفارس: «إنها…»
«قفزتِ من النافذة؟»
كان الطبيب يشرح وهو يفحص قدم هيلينا: «لحسن الحظ خففت الشجيرات السقوط. التواء خفيف وكدمات، ولا خطر كبير.»
أشار جيروم للطبيب أن ينصرف.
وحين خلا المكان، نظر إليها طويلًا: «لماذا فعلتِ هذا؟ إلى هذا الحد تكرهين وجودي؟»
صمتت.
زفر بأسى: «ألن تتكلمي معي بعد الآن؟»
همست أخيرًا، وصوتها يغلي مرارة: «بسببك ماتت الكونتيسة كلوي.»
تجمد وجهه: «ماذا قلتِ؟»
«أُغلِق عليّ هنا، فجاءت لتنقذني، فقتلها غيرديك عند الباب.»
حاول أن يوضح: «لم أكن أعلم أن—»
قاطعته بنصل عينين: «وحين لا تعلم، تُمحى مسؤوليتك؟ لو لم تحبسني، لما اقتحمت هي هذا الجحيم أصلاً.»
ارتفعت نبرتها حتى تشققت: «لماذا ماتت امرأة لا ذنب لها؟!»
ثم بصقت الكلمات كأنها حُمَم: «أكرهك. سأكرهك ما حييت.»
تركها تُفرغ ما في صدرها. وحين هدأ أنينها، قال بصوت خفيض على غير عادته: «…آسف.»
شهقت، كأنها سمعت كلمة غريبة منه.
«آسف لأنني لم أمنع ذلك. أعلم كم كانت عزيزة عليكِ.»
لكن اعتذاره صبّ الزيت على نارها. وما نفع الندم الآن؟ لقد رحلت.
همست ببرود: «لا أفهمك… ولا أريد أن أفهمك.»
تهدلت كتفاها وهي تبكي بصمت: «قلتُ لك إنني لا أحبك. فلماذا لا تتركني وشأني؟»
نادى اسمها مرتين، ثم جثا على ركبتيه أمامها، وأخذ راحتها بين يديه، كجروٍ يرجو لمسة:
«كل الخطأ خطئي. قولي لي ماذا أفعل؟ إن أردتِ اعتذارًا، سأعتذر ألف مرة… سأقضي عمري كلّه أكفّر لكِ. فقط… انظري إليّ.»
تساقطت دمعة دافئة على كفها.
«أرجوكِ… لا تهجريني.»
سحبت يدها بوجه جامد: «التكفير؟ هل سيعيد كلوي إلى الحياة؟»
أطرق.
«إذًا احتفظ بآسفك. لا قيمة لها عندي.»
ارتسم الذهول على ملامحه، لكنه تمسك بالمكان نفسه، راكعًا:
«ومع ذلك… لا أستطيع العيش بدونك. صرتِ كل شيء لي. كيف أتنفس لو رحلتِ؟»
رفع عينيه إليها، تتشبث نظرته بها كالغريق بقشة، بينما هي تحدق في نقطة بعيدة، حيث سقطت أمنيةٌ أخيرة على عتبة باب مغلق.
التعليقات