هربت فَي من قصر الإمبراطور كأن النار تطاردها، وكأن ذيل الكذبة قد انكشف تمامًا أمام نور الحقيقة. كانت تعلم منذ البداية أنّ الكذبة عن الحمل ستنكشف حالما يستعيد الإمبراطور وعيه، لكنها لم تتوقع أن يقرع الخطر بابها بهذه السرعة، أو أن يصبح وقع الانكشاف أثقل مما تخيّلَت.
قلبها يعتصرها خوف: ماذا سيحدث الآن؟ ماذا سيفعل جيروم بعد أن عرف الحقيقة؟ صحيح أنه وعد—بأن لا يُفصح عن سر ليلة السيف—لكنّه رجلٌ غير مستقر، ومثله قد يتغيّر. ماذا لو تراجع عن وعده؟ ماذا لو أمسك بكذبتها وأودعها في سجنٍ ليلقى من المصائب ما لا تُطيق؟
لم يعد في الدنيا من تثق به سوى إمرأةٍ واحدة، فتّحت لها خيوط الأمل الضئيلة: الأم أنثيا. أسرعت إلى كوخها في عمق الغابة، أملاً في أن تجد عندها ملاذاً أو حلّاً أو حتى نصيحةٍ تواسيها.
دخلت الكوخ، فلحقتها رائحة الأعشاب والترياق. كانت أنثيا مشغولة بقطع أوراقٍ يابسةٍ على الطاولة، لا ترفع عينيها حين استودعتها فَي بقصتها، وبتنهيدةٍ أوجزت وجعها: «جِروم، لقد جنّ… إنه لا عقل له».
لم ترد أنثيا فورًا. تقطّعت عروق النفقات على الطاولة، وسقط جِلْدٌ من ورقة بالقطع. بعد لحظات قالت بصوتٍ هادئ، كمن يقطع فرعًا مريضًا من نبتةٍ ليحفظ الباقي:
«يا صغيرتي، عندما تزرع الأعشاب فماذا تفعل عندما تصيبها الآفة؟»
ترددت فَي ثم همست: «أقصّيها؟»
أومأت أنثيا: «تمامًا. إن لم تقصِ المريضة فإنها ستفتك بالصحيّة كلها. في التعامل مع الناس أيضاً، الأمر ذاته: المرض يجب أن يُقطع قبل أن ينتشر».
وقف بها الدم في حلقها. كانت كلمات أنثيا قاطعة أكثر من سيف. ثم رفعت صوتها بهدوءٍ أقسى:
«أنتِ أحد أغصاني المريضة، فَي.»
ارتعدت فَي. لم تتوقع أن تسمع ذلك من أمٍ اعتبرتها ملجأً. حاولت تبرير فعلها:
«أنا فعلت كل شيء لحماية القصر… من أجلكم ومن أجل الإمبراطور…»
قاطعها صوت أنثيا الخفيض:
«كنت أعطيتكْ قنينةً صغيرة، أتذكرين؟ قلتُ لكِ إن لها أثرًا. لو استعملتها كما قلت، لكان الطريق أسهل».
تذكرت فَي القنينة التي رفضت استخدامها. ثم شعرت بخدرٍ يسري إلى داخلها: كل ما فعلته لم يكن صدفة—بل كان مخططًا وضعته أنثيا. أنثيا التي أرادت منه أن تقتنص مصيرًا أكبر لها ولخطتها.
انفجر صدر فَي بكلامٍ يائس: «ماذا تقولين؟! لم أكن أعلم!»
أنثيا جلست ببرودٍ مخيف: «كل شيء كان محسوبًا منذ البداية. ذهبتِ للبحث عن الأعشاب لأنني قلتُ لكِ، علّمتكِ ماذا تفعلين بها. أما من أنقذ جيروم في الأصل فليس أنتِ… بل امرأةٌ أخرى.»
تجمّدت فَي: «من؟»
ابتسمت أنثيا ابتسامة مريرة: «من نومكِ لا تُبصرين، ومن قصص الحاشية تُسمع: إنها تلك السيدة—كانت هي منزلقة القدر التي أنقذت الإمبراطور. وقد كان لمصادفةِ تدخلكِ أثرٌ جعل الأمور تبدو كما لو كان لكِ دورٌ… لكنكِ لم تكوني البداية».
تراجعت فَي خطوة، وصوتها يخنقه البكاء: «هذا مستحيل! لقد اعتنقتُه… لقد آمنت بأنّني نِصْرُه!»
صمتت أنثيا للحظة، ثم أكملت بصوتٍ قاسٍ:
«كنتي مجرد أداة. لم أربيكِ لتكوني ابنتي. زرعتكِ مسؤولة عن لعبةٍ أكبر، إن انتهى دوركِ فلن أتردد في إزالتك».
انفجر قلب فَي بالندم والصدمة، دموعها سقطت كبلوراتٍ مهشمة. سقطت على ركبتيها تتوسّل: «لكنني أحببته… لقد ضللتُ الطريق بدافع الحب… كيف تفعلين هذا بي؟»
لم يهتزّ وجه أنثيا. أخرجت من جيبها خرقة نظيفة ونفخت أنفها ببرود:
«الواقع أقسى من حبٍ رومانسي. إن أردتِ البقاء فعليكِ أن تقيّمي نفسك: هل أنتي ضررٌ للكل أم منقذ؟»
رغم الألم الذي ينهش قلبها، رمت فَي بكل ما تبقى من كرامةٍ على الطاولة سؤالاً من النوع الأخير: «وماذا عن الإمبراطورة؟»
ابتسمت أنثيا ببرودٍ مزعج وقالت: «للأداة المصابة خبرٌ جيد واحد: سيُسحب منها الشك قريبًا. القصر غاضب، والنبلاء متأهبون. سيحاولون اقتحام القصر وإخراجها بالقوة. إن نجت فستكون أيامها معدودة، وإن انهار الدعم فمصيرها الموت».
تجمدت أنفاس فَي: «لن يسمح جيروم بذلك…»
ردّت أنثيا: «النبلاء لا يهابون حفاظك على القصر، بل يخشون فقدان نفوذهم. وقتها ستطعن السلطة من جميع الجهات».
وبقيت فَي ممددة على أرض الكوخ، تردّد في صدرها صوت أنثيا كما لو أنه رُسِمَ في ليلٍ طويل: «اقصِ المريض إن أردت بقاء الحديقة»—لكن أيّ مريضٍ ستقضي عليه الآن؟ أمها؟ أم نفسها؟ أم حبّها الذي تهدّمتْ أحلامه؟
خرجت فَي من الكوخ كمن هُمّ بهلاكٍ قادم، وداخلها يتراءى شيء واحد فقط: الانهيار لا يترك إلا رماداً، والرماد لا يُعيد شيئًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات