الفصل 206 – الحمل المزيّف
انتشر خبر الفوضى التي عمّت القصر الإمبراطوري كالنار في الهشيم، حتى وصل إلى أبعد أرجاء الإمبراطورية.
ورغم كل محاولات القصر لكتمان الحقيقة، لم يكن في وسعهم منع الشائعات من الانفلات.
كان الناس يتناقلونها همسًا:
“سمعت؟ يُقال إن جلالة الإمبراطورة حاولت قتل الإمبراطور بسيف!”
“كيف لا أسمع؟ القصر كله مقلوب رأسًا على عقب بسببها.”
“بل هناك من يقول إن جلالته لم يكتفِ بحبسها، بل يعذّبها بيديه عقابًا على فعلتها.”
“الإمبراطور نفسه؟! … مع ذلك، هي ارتكبت جريمة عظمى. من غيره يملك الحق بمعاقبتها؟”
“صحيح، وإن قيل إن دماءً تسيل يوميًا داخل القصر. يكفي أن يسيء أحدهم التصرف حتى يفقد رأسه.”
ورغم أن الكثيرين استنكروا قسوة الإمبراطور، إلا أنّ أحدًا لم يجرؤ على الاعتراض. الكل اكتفى بالصمت مترقبًا أن تنتهي عاصفة غضبه.
لكن سؤالًا واحدًا ظل يتردّد على ألسنة العامة:
“لماذا لم يُجرَّد الإمبراطورة من منصبها حتى الآن؟”
لم يكن الشعب وحده من يطرح هذا السؤال؛ أكثر من أي أحد آخر، كانت “فَي” هي الأكثر لهفة لمعرفة السبب.
اندفعت إلى الإمبراطور، وعيناها المليئتان بالدماء تعكسان ليالي طويلة بلا نوم.
“لماذا لم تخلعها من عرشها بعد؟” سألت بنبرة مختنقة بالغيرة.
لكن جيروم أجابها ببرود:
“أهذا ما جئتِ لأجله؟ لا وقت لديّ لأضيّعه معك. عودي من حيث أتيتِ.”
تمسكت بخيط عنادها وقالت:
“لن أذهب قبل أن تجيب. عليك أن تنزع عنها اللقب الآن، وتطردها من هذا القصر قبل أن تهدم كل شيء!”
فأجابها ببرود أشد:
“ولماذا أفعل ذلك؟”
شهقت “فَي”، غاضبة:
“أتتجرأ وتسأل لماذا؟! تلك المرأة حاولت قتلك، يا جلالتك، بسيفها!”
ابتسم جيروم باستخفاف وقال:
“مجرد مشادة زوجية… خصام بين زوج وزوجته لا أكثر.”
تجمدت في مكانها. زوجان؟ خصام؟
أي زوجين يتنازعان بالسيوف والدماء؟
لكن نظرته الواثقة أربكتها أكثر؛ لم يكن في عينيه سوى هدوء غريب.
لماذا إذن يحميها بهذا الشكل؟ لماذا يغفر لمن أرادت قتله؟
راحت تستعيد في ذاكرتها تلك الليلة… نزيفه، انهياره، ثم كلمات غامضة تفوّهت بها الإمبراطورة وهي تصرخ أنها لم تطعنه، بل هو من غرس السيف في جسده بيده.
ارتجف قلبها وهي تسأل نفسها:
مستحيل… هل يعقل أن يكون ما قالته صحيحًا؟ أن جيروم هو من طعن نفسه؟
سرعان ما نفت الفكرة وهي تعضّ شفتها. لا… لا يمكن. أي عاقل يفعل ذلك بنفسه؟
لكنها لم تجد الوقت لتغرق أكثر في شكوكها، إذ باغتها صوته العميق:
“حسنًا، يكفينا هذا. الآن دوري لأسألك، فَي.”
تصلب جسدها للحظة، ثم اتسعت عيناها حين وجدت نظرته تنزلق إلى أسفل بطنها.
قال ببطء، بابتسامة باردة:
“سمعت أنّ في أحشائك طفلًا يُنسب إليّ… ابني المزعوم.”
شهقت، وكأن صاعقة سقطت فوقها. انكمشت يدها لا إراديًا على بطنها المرتجف.
“غريب…” أكمل جيروم وهو يميل برأسه قليلًا.
“أنا أذكر جيدًا أنني لم أقترب منك قط. فكيف إذن تحملين طفلي؟”
فقدت “فَي” القدرة على التنفس، وتلعثمت:
“ذا… ذلك….”
ضيّق عينيه أكثر وقال ببرود قاتل:
“أم تُراكِ تتجرئين على إلصاق ابن رجل آخر بي؟”
صرخت، ودموعها تترقرق في عينيها:
“لا! لا أحد غيرك في حياتي، جلالتك!”
“إذن؟” دفعها بنظره لتكمل.
لكن لسانها انعقد. لم يبقَ أمامها إلا الحقيقة.
أخيرًا انهارت على ركبتيها وهمست بصوت مبحوح:
“أعترف… لقد كذبت. لم أكن حاملًا. كنت يائسة… خائفة من فقدانك… فأطلقت كذبة رعناء.”
رفعت رأسها ودموعها تنحدر على وجنتيها، تتمسح بثيابه تتوسل:
“سامحني! فعلت ذلك فقط لأحميك، لأحمي القصر. لم يكن في قلبي أي سوء نية… كل ما فعلته كان من أجلك، من أجل العرش!”
تأملها جيروم بصمت طويل، ثم أومأ ببطء.
“لأجل الحماية… نعم، أعرف هذا الشعور جيدًا.”
شعاع أمل برق في قلبها. هل غفر لي؟ هل سيقبل عذري؟
لكن كلماته التالية حطّمت كل أوهامها:
“فكما أنتِ مستعدة لفعل أي شيء لتحميني… فأنا أيضًا مستعد لفعل المستحيل، لكن لأجل زوجتي الحقيقية وحدها.”
دفع يدها عنه ببرود، وألقى عليها نظرة حادة كالخنجر.
“الآن بتِّ تعرفين كيف عليك أن تتصرّفي إن أردتِ أن تُبقي على حياتك. اكتمي سر تلك الليلة… وإلا دفعتِ الثمن بنفسك.”
ارتجفت “فَي”، وأدركت أخيرًا أن ما ظنّت أنه تساهل… لم يكن سوى تهديد صريح.
✨ انتهى الفصل 206 ✨
التعليقات