لا أعرف كم من الوقت مضى منذ أن حُبست في غرفة جيروم.
كل ما أعلمه أن الأيام بدت بلا نهاية، وهو لم يتوقف يومًا عن إغراقي بالهدايا: جواهر نادرة، أثواب فاخرة، عطور من أندر الأنواع… حتى تحوّل جناحه الإمبراطوري إلى معرضٍ خاص بي، وكأن وجوده نفسه صار ثانويًا.
وكأن الأمر لا يكفي، أمر بتبديل كل الأثاث في الغرفة. لم يترك قطعة إلا واستبدلها بما يشبه ما كنت أملكه في قصر الإمبراطورة. بل لم يكتفِ بنقلها، بل أعاد صنعها من جديد بشكل مطابق.
ظاهريًا كان ذلك عناية، لكن بالنسبة لي لم يكن سوى قيدٍ مطليّ بالذهب.
حتى عندما تأتي بعض الوصيفات الجدد لمساعدتي في الاستحمام أو ارتداء الملابس، كنّ صامتات تمامًا. لا يجرؤن على مبادرتي بكلمة، ولا يرددن على أسئلتي. لمحتُ في وجوههن خليطًا من الخوف والشفقة. أدركت حينها أن جيروم هو من أمرهن بالصمت.
كنت وحيدة تمامًا، لا أحد لي سوى صدى أفكاري… ورسائل والدي السرّية.
كنت أعثر عليها مخبّأة تحت الأطباق في صينية الطعام. بخطٍ غاضبٍ يوبّخني:
«لقد دنّستِ اسم عائلتنا!»
«الناس يطالبون بإسقاطكِ وإعدامكِ، ويصرخون بضرورة محو بيت هايتنغز من الوجود بسبَبك!»
أبي، الدوق هايتنغز. صوته الغاضب يلاحقني من بين السطور.
كنت أختنق بالظلم. لم أطعن جيروم، لكن العالم كلّه رآني القاتلة.
ذات مرة، في لحظة يأس، همست لجيروم:
“أليس من الأفضل أن تخلعني من مكاني؟ دعهم يحاكمونني كما يشاؤون.”
تجمّدت ملامحه، وعبس بحدة.
“خلعك؟ من الذي تجرأ وزرع فيكِ هذه الفكرة؟ أهو هايتنغز؟”
شهقت. لم أذكر له اسم والدي من قبل، ومع ذلك كان يعرف عن الرسائل.
أدركت حينها أن حتى الورقة الصغيرة التي تصلني تمرّ من بين يديه أولًا.
ومنذ ذلك اليوم… لم تصلني أي رسالة أخرى.
جنون جيروم لم يتوقف عند هذا الحد، بل كان يزداد يومًا بعد يوم.
في أحد الأيام رفضت الطعام. جلستُ أمام المائدة التي غصّت بأطباقٍ مترفة وتركتها تبرد.
رمقني بنظرة طويلة، ثم قال بنبرةٍ هادئة أكثر مما يجب:
“لم يعجبك الطعام؟ غريب، قيل لي إنه أشهى ما في البلاد.”
لم أُجبه.
ابتسم بأسف مصطنع، ثم أشار لأحد الخدم وهمس في أذنه. الخادم شحب وجهه، انحنى بعمق، وغادر مسرعًا.
عاد جيروم إليّ وقال ببرود:
“لا تقلقي، طلبت أن يُحضّروا لك أطباقًا أخرى، لعلّها تناسب ذوقك هذه المرة.”
تسارعت أنفاسي. همستُ بمرارة:
“…هذا لا علاقة له بالطعام.”
تجاهل كلماتي، ثم تنهد بتمثيل:
“يا للخسارة. لو علمتُ أنك تحبين هذا الطبق لما… لكن فليكن. الطباخ سيُستبدل.”
انقبض صدري. فهمت ما يقصده قبل أن يُكمل.
شخصٌ ما قُتل… فقط لأني لم آكل.
شهقتُ، وارتجفتُ من الرأس حتى القدمين. فجأة تذكرت كيف كانت الوصيفات تتغيّر باستمرار. سألتُ بصوت مرتجف:
“والخادمات… هل هو السبب أيضًا؟”
ابتسم ابتسامة صغيرة:
“لم ترق لكِ من قبل، لذلك أحضرتُ أخريات. هذه المرة آمل أن تعجبنكِ.”
أحسستُ بدمائي تجمدت في عروقي. أدركت الحقيقة القاسية: كل رفضٍ مني كان يعني موت إنسان بريء.
صرختُ فيه وأنا أدفعه بعيدًا:
“أنتَ مجنون! كيف تقتل أبرياء بهذه السهولة؟! ما ذنبهم؟!”
انهمرت كلماتي كالخناجر، ويدي تضرب صدره وكتفيه بعنف، بلا جدوى. جسده القوي لم يتزحزح. لكنه لم يغضب… بل بدا وكأنه يستمتع بانفعالي، يتلذذ بيأسي.
وفي النهاية أمسك معصمي بقبضته الحديدية، واقترب حتى شعرتُ بأنفاسه على وجهي.
ابتسم ابتسامة باردة وهمس:
“نعم… أنا مجنون.”
ثم ضغط على كلماته التالية كأنها اعتراف مقدّس:
“بسببكِ. أنتِ من جعلني هكذا، هيلينا.”
يده الباردة لامست وجهي، شدّت خدي بقوة بينما حاولت التملص.
وعيناه الحمراوان تغوصان في عينيّ، تحاصراني بلا مفر.
“لقد جننتُ بكِ… فعليكِ أن تتحملي وزر ذلك. أن تبقي… مسؤولة عني، إلى الأبد
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات