الفصل 201:
أهو بسبب ذلك الرجل؟
“منذ البداية… تقول؟”
سألتُ بصوتٍ خاويًا، فأعاد جيروم بهدوء:
“نعم. منذ البداية. لم أفقد وعيي قط.”
“ولكن لِمَ—”
“أتسألين إن كنتُ أمثّل؟”
لم يحتج جوابي.
عيناه المحمرّتان، وكتفاّي المرتجفان كانا كفاية.
حدّق فيَّ بإمعان، ثم ارتسمت على شفتيه الحمراوين ابتسامةٌ ملتوية:
“فقط… هكذا.”
قصيرٌ جوابه حدَّ الإيغال في الاستفزاز.
“كيف تجرؤ…”
سخنتْ عيناي. لا أريد أن يلمح دمعي— ومع ذلك ضبّب البكاء بصري.
قبضتي الشديدة حتى الشحوب، منذ لحظات، لم تعد تخفي ارتجافي.
“أتدري كم من شيء حدث بسببك؟ كم فوضًى… كم ألمًا جررته على الناس؟”
تدفقت صورُ ما جرى في غيابه:
سقوطه المفاجئ، حملُ فَي تعيث بالقصر متذرعةً بجنينها، الأرستقراط وهم يزنون بيني وبينها.
مشاعر لا عدّ لها اشتبكت وتدوّمت في رأسي.
لستُ أنكر أنني خفتُ عليه— بل تخيلت الأسوأ:
ربما لن يصحو أبدًا.
والآن يقول إن كل شيء كان تمثيلًا؟
غضبت. شعرتُ أنني لعبةٌ سخيفة بين يديه.
كم بدوتُ حمقاء وأنا ألهثُ لإطفاء حريقٍ أشعله هو!
حدجتُه:
“أكان ممتعًا أن تراقب كل هذا من الظلّ؟”
قال:
“ممتعًا؟… بل—”
رفع يده يمسح دمعي بطرف أصابعه الباردة، ثم تمهل:
“محزنًا.”
كانت لمسته إلحاحًا أكثر منها مواساة— كأنه ينقش شيئًا على جلدي.
“وأحيانًا… كنتُ أفخر بكِ وأنتِ تحاولين فعل كل شيء من دوني.”
تومض في عينيه الجنَوَن:
“وأيقنتُ أيضًا أنكِ بحاجةٍ إلى حمايتي.”
انحنى فجأةً على يدي فقبّل أطراف أصابعي— حرارةٌ صعدت إلى معصمي.
انتفضت وسحبت يدي:
“أنتَ مخبول.”
“ربما.”
خطا نحوي بخطوةٍ مشتهاة، فتراجعت.
لم يمنحني فرجةً للهرب، حتى وجدتُ ظهري إلى جانب السرير، وعيناه أخطر من أي وقت.
حين لم يعد ثمة مجالٌ للتراجع، انتبهتُ فجأة—
“أهو بسبب ذلك الشخص؟”
اختفى اللمع الساخن من وجهه لحظةً واحدة، وحفّت بنا برودةٌ ثقيلة.
برقت عيناه بخطرٍ من نوعٍ آخر:
“من تقصدين؟”
كان صوته كزئير وحش، تحذيرٌ لا يخطئه سمع.
لكنني لم أتراجع:
“ليونارد.”
رنّ صوت ألفريدو في أذني:
— السيد ليونارد هو ابنُ الإمبراطورة الراحلة.
— المدبِّر هو جلالته الإمبراطور.
جيروم كان يقظًا من البدء— لا غيبوبة، لا فقدان وعي.
إذًا لمَ صنع هذا كله؟ لمَ ترك الإمبراطورية تغرق في الفوضى؟
جيروم الذي أعرفه لا يؤذي الإمبراطورية… إلا لسببٍ واحدٍ أعظم.
كما ظنّ ألفريدو:
“هل لأن ليونارد… ابنُ الإمبراطورة الراحلة؟”
إن كان رأى فيه تهديدًا للعرش، فسيفعل أي شيء.
قال:
“ما الذي تهذين به؟”
“لن ينفع التظاهر بالجهل.”
كل القرائن تصرخ بالحقيقة.
لماذا كان يتحفّظ من ليونارد دائمًا؟ لماذا ضاق بوجوده إلى جانبي؟
أهو حبّه لي؟ لا.
“أن تقول إن كل هذا حبٌّ لي— ذريعة.”
ربما كان ذلك “الحب” جزءًا من خطته، تمثيلًا أتقن حتى خدع نفسه.
“في الحقيقة… أنتَ فقط لا تريد أن تُفضح قِصتك القبيحة المسماة ليونارد.”
اتسعت عيناه الحمراء بغتةً— كمن تلقى صدمة.
تابعتُ ببرود:
“كل هذا مخططٌ منك لكبح ليونارد.”
تصلّب، وكأنه فقد لسانه.
بردَ قلبي؛ لن أسمح لنفسي أن يُخدع ثانيةً.
ذاك الاضطراب في عينيه، ذاك الشحوب… لا يعنيان لي شيئًا— مجرد تمثيل.
هو لا يحبّني.
هي ذريعة. كل ما فعله لوأد تهديدٍ لعرشه.
“تبدو كمن انكشف ضعفه. أصدِقني— أفاجأك أنني عرفتُ حقيقة ليونارد؟”
خرج صوتي أشدَّ قسوةً مما توقعت.
تمتم وهو يحدّق فيّ:
“أيعقل أن ترى عيناكِ… أن كل ما فعلته لكِ لا يعدو هذا؟”
هدأت ملامحه شيئًا فشيئًا، مثل نفسٍ يخرج ببطء:
“…أفهَم.”
اعتدل، ومد يده إلى غمدٍ قائمٍ إلى جوار السرير.
سِررنغ!
لمع شفرةٌ زرقاء تحت القمر— واستدار نحوي.
الغريب أن توتري انحلّ.
نعم… لن يتركني حيّة بعد أن عرفتُ الحقيقة.
ربما كنتُ أعرف— حين لفظتُ السر أمامه، قُدّر مصيري.
ظننتُ أنني سأرتعب من الموت… لكن قلقي كان على من سيبقون ورائي—
ليونارد…
عشيقُ الإمبراطورة الوحيد، وحبيبي.
إن متُّ الآن، سيحزن أكثر من الجميع. وإن فسد قلبه بعدها؟ إن مضى كما في الأصل إلى التمرّد؟
كان جيروم يقترب بسيفه، وأنا لا أفكر إلا به— حتى قال جيروم ما لم أتوقعه:
“قلتِ إن كل شيء تمثيل؟ حتى مشاعري نحوكِ؟”
مدّ بالسيف— لكن حدّه لم ينغرس في صدري.
انزلق المقبض إلى كفّي. سلّمني السيف.
ابتسم بإشراقٍ مربك:
“مهما فعلتُ، لن تصدّقيني. إذًا…”
اقترب كأنه سيحتضنني، و—
بُزّ!
سرت عبر يدي رجفةُ معدنٍ يمزّق لحمًا.
احمرّ أسفلُ بطنه—
صرخت:
“ماذا تفعل؟!”
أردت أن أترك السيف، لكنني لم أستطع؛ كان يمسك يدي والمقبض معًا.
همس، والصوت مبحوحٌ بالدم:
“أما زلتِ تظنينني أمثّل؟”
“أحبك.”
ضحوكًا باكيًا انلوى وجهه.
شدد على قبضتنا— كأن لا ينوي الإفلات.
تخثّر الدم الحارّ على ظاهر يدينا معًا.
“أحبكِ… فعلًا، هيلينا.”
وتهدّل ذلك الابتسام— كصورةٍ تذوب وتتهاوى.
التعليقات لهذا الفصل " 201"