الفصل 195:
لا تكبح نفسك
لكن ردّة الفعل جاءت من حيث لا أتوقع.
“يا إلهي، يا إلهي!”
“هل سمعتم ما قالته جلالتها؟”
فتحت الوصيفات أفواههن، ووجوههن حمراء كالخوخ الناضج.
…ما الخطب؟ لماذا ينظرن إليّ هكذا؟
استعدت في ذهني ما قلته قبل قليل:
لقد رأيتُ ليونارد يرتجف من البرد، فأردت أن يدفئ جسده، فقلت له: اغتسل أيضًا…
“آه…”
فهمت متأخرةً كيف قد يبدو الأمر!
كأنني دعوته للاستحمام معي!
لا لا لا… سوء فهم! أنا لست هكذا!
كنت أعني طبعًا أن يغتسل كلٌّ منا على حدة، لكنني أوجزتُ العبارة بشكلٍ أحمق.
احمرّ وجهي، وتمنيت أن أجد جحرًا أختبئ فيه.
أسرعت أشرح:
“قصدي أنّ اللورد ليونارد أيضًا ابتلّ كثيرًا بالمطر، فينبغي أن يدخل الماء الدافئ ليدفئ جسده… لا غير!”
تدافعت الكلمات من لساني بسرعة غير مألوفة لي.
“أبدًا! أبدًا لم أقصد أي معنى آخر.”
لكن… كلما شرحت، بدا الأمر أكثر غرابة.
في تلك الأثناء، كان آيزاك في قصر آل هيلبرت يرتّب متاع والديه الراحلَين.
تناول لوحةً قديمة تمثّل العائلة: المركيز وزوجته، ومعهما طفلان—هو وأخوه ليونارد.
أول وآخر لوحة عائلية جمعتهم.
ابتسم بحزن:
“يا لها من أيامٍ عزيزة.”
لكن أثناء مسحه الغبار، انزاح اللوح الخلفي لإطار الصورة، فظهر شيءٌ عالق.
مدّ يده وأخرج رسالةً باهتة، كُتبت منذ زمن بعيد.
فتحها… واتّسعت عيناه من الصدمة.
أسرع ينادي كبير الخدم ألفريدو:
“أعدد المركبة، حالًا.”
“الآن يا سيدي؟ الليل قد انتصف.”
لكن آيزاك ارتدى معطفه بعزم:
“لا أستطيع الانتظار إلى الغد. عليّ أن أذهب فورًا إلى جلالة الإمبراطورة.”
وبالطبع، اغتسل كلٌّ منّا على حدة. لم يحدث ما تخيّلته الوصيفات.
بعد أن انتهيت، استدعيت ليونارد إلى غرفتي.
غادرت الوصيفات بحسّهنّ المعتاد، تاركاتنا وحدنا.
اليوم لن أدعه وحده.
فقد رأيتُ بعيني ما يشبه كوابيسي المظلمة يتحقق.
جلستُ أتأمل وجهه.
صامت، قاتم، أشدّ من ذي قبل.
ابتسم ابتسامة باهتة، لكنني لم أنخدع—لم يكن بخير.
كان شعره ما يزال مبتلًّا، كأنه لم يملك طاقة ليجففه.
ذكرني بمشهد وقوفه تحت المطر أمام القبر.
غيرتُ الجو وقلت بلطف:
“اقترب… سأجفف شعرك.”
جلس بجانبي، وأخذتُ منشفةً أُمرّرها برفق على شعره.
وبينما أنا أبحث عن كلماتٍ لأخفف عنه، كان هو من بادر بالكلام:
“المركيز وزوجته… رحيلهما بسببي.”
توقفت يدي.
“ماذا تقول؟ كيف يكون موتهما ذنبك؟”
قال بثبات غريب:
“لم يكونا ممن يملكان أعداء. الهدف لم يكن غيرهما… كان أنا.”
أنكرتُ:
“ربما كان المستهدَف شخصًا آخر في السفينة.”
لكنّه هزّ رأسه:
“لا. عندي ما يجعلني واثقًا.”
خفض عينيه وأضاف:
“حتى النهاية، لم أكن لهما عونًا… بل حملتُ إليهما الشقاء.”
انقبض قلبي.
مددت يدي وأمسكت ذقنه، رفعت وجهه نحوي، وحدّقت في عينيه الزرقاوين:
“وفاتهما لم تكن ذنبك. كانت جريمة من ارتكبها. وأنا أعدك… سأجد الفاعل، وأجعله يدفع الثمن.”
شدّدت على كلماتي، بلا أي مجاملة.
“لذلك… لا تُعذّب نفسك. لا المركيز وزوجته، ولا آيزاك… ولا أنا، نريد أن نراك غارقًا في اللوم.”
أطبقتُ يده بين يدي.
ظلّ صامتًا طويلًا، ثم ابتسم بخفة:
“حتى في المواساة… تجيدين.”
ثم رفع يدي إلى شفتيه، وطبع قبلة خفيفة، وهمس:
“هيلينا… لا تعلمين كم أنا محظوظ بوجودك بجانبي.”
تمتمت:
“وحين تضعف، استند إليّ. فأنا دائمًا هنا.”
سكتنا، لا نسمع سوى عقارب الساعة.
اقترب وجهه من وجهي، واقتربتُ منه بدوري… حتى تلاقَت شفتانا.
تلاشى كل وهمٍ، ولم يبقَ سوى حرارة أنفاسه تؤكد أن هذا الواقع.
انزاحت يده إلى خصري، فارتجفت فجأة، فتوقف.
نظرتُ إليه بدهشة، لكنه ابتسم تلك الابتسامة التي تخفق لها روحي دائمًا.
طبع قبلةً على جبيني وقال:
“لا أريد أن أفعل شيئًا لا تريدينه.”
وتراجع خطوة.
لكن قلبي صرخ: لماذا؟
تمنيتُ لو بقيت حرارته تحيطني.
مددتُ يدي ألمس وجنته، وهمست:
“بل أريده.”
اتسعت عيناه كمن صُعق بالبرق. ارتجفت نظراته، ووضع يده فوق يدي.
قال بصوتٍ متوهّج:
“إن تراجعتِ هذه المرة… لن أستطيع التوقف.”
لم أتردد.
“إذن… لا تكبح نفسك.”
✨ انتهى الفصل 195.
التعليقات