الفصل 189 – بطولة المبارزة (2)
(…السير غابيان.)
لم يكن ثمة سوى قائد فرسان الحرس الإمبراطوري الأعلى، غابيان.
هو وحده من كان يمكنه مساعدة فَي على إخراج غيرديك من السجن والسماح له بالمشاركة.
فبطولة المبارزة تتولاها أصلًا جهة فرسان الحرس الإمبراطوري تنظيمًا وإشرافًا.
قال ليونارد بصوت خفيض إلى جواري، وكأنه وصل إلى ما وصلتُ إليه:
(على ما يبدو، السير غابيان قدّم يد العون لمعسكر المحظية فَي.)
(هذا رأيي أنا أيضًا.)
أومأتُ إيماءة صغيرة موافقة.
حسنًا… صار واضحًا تقريبًا من الذي ساند فَي.
لكن بقي سؤال يضايقني:
(لماذا ساعدها السير غابيان أصلًا؟)
لم أفهم الدافع. حتى ليونارد هزّ رأسه بالنفي:
(لا أدري، لكنه ليس ممّن يتحرك بدافع شخصي.)
أي أنه ليس من أولئك النبلاء الذين يلوذون بفَي طمعًا بمكاسب خاصة.
كان غابيان، في العادة، مثال الفارس ذي الشهامة الصارمة، بعيدًا عن هوى السلطة، مشهورًا بالنزاهة… وقد نال ثقة الإمبراطور جيروم العميقة بذلك.
فأن يهبّ الآن لمصلحة شخصية ليس من طباعه. أمرٌ غير طبيعي أبدًا.
(إذن… لِمَ ساعد فَي؟)
هل لأن لدى فَي «وارثًا» في بطنها؟
ربما… فغياب وعي الإمبراطور جعل أمر الخَلَف شديد الحساسية.
ومع ذلك، بقيت الغصّة في صدري:
(أتراه حقًا… مجرد هذا السبب؟)
في المقابل، كان الفرسان المشاركون ينظرون بتوتّرٍ واضح إلى نقطةٍ واحدة:
السير غابيان وهو يصعد المنصّة الوسطى تحت أنظار الجميع، ويفتتح الكلام:
(آمل، بصفتكم فرسان الحرس، أن تُرونا ما راكمتموه من صقلٍ ومهارة.)
ثم شرح نظام المنافسة:
(كما أُعلن، ستكون المباريات إقصائية فردية «واحد لواحد». سنجري القرعة لتحديد الخصوم. تقدّموا بحسب الدور واسحبوا كرةً من الصندوق.)
أشار إلى صندوق أسود بجانبه.
الفرسان الذين يسحبون نفس اللون يتواجهون.
بدأ الفرسان يتناوبون على سحب الكرات: أحمر، أخضر، أصفر، أزرق…
وحان دور كونراد.
أدخل يده وحرّكها بحماس داخل الصندوق:
(أوه! أبيض!)
لوّح بالكرة البيضاء عاليًا، ثم هتف:
(يا صاحب الكرة البيضاء! اخرج! سأكون خصمك!)
لم يهمّه من سيواجه؛ كان يتحرّق شوقًا للاشتباك منذ لحظات.
راح يدير رأسه بحثًا عن خصمه:
(أين أنت أيها الأبيض؟ لا تقل إنك جبنتَ وفررتَ…)
فجاءه صوت مألوف من خلفه:
(ومن قال إن أحدًا فرّ؟)
تخشّبت كتفا كونراد، ثم استدار ببطء.
تنفّس تنهيدة صغيرة:
(آه…)
مسح شعره بضيقٍ خفيف:
(لماذا بالذات أنت أول خصم لي؟)
أجاب الآخر ببرود مماثل:
(وأنا أشعر بالمثل.)
خصمه لم يكن إلا صديقه الأقرب فيليكس.
وكان في يد فيليكس كرة بيضاء كذلك.
هبط بريق عيني كونراد فجأة؛ ذهب ذاك الحماس الصاخب.
هزّ فيليكس كتفيه:
(ولِمَ الدهشة؟ الأمر وارد منذ البداية.)
(صحيح… لكن لم أتوقع أن نلتقي من المباراة الأولى.)
حكّ كونراد خدّه بإحراج، ثم شدّ قامته:
(آسف يا صديقي، لكنني لن أتنازل عن الفوز حتى لو كان خصمي أقرب الناس.)
(وهذا عين ما أردت قوله.)
ابتسم كونراد نصف ابتسامة:
(جيّد… إذن فلنرَ من بيننا الأفضل.)
تعالت هتافات الجمهور:
(المباراة الأولى بين السير كونراد والسير فيليكس!)
(نزال الرفيقين! سيكون ممتعًا!)
(من سيفوز يا ترى؟)
كم من الألوان في الصندوق… ومع ذلك خرج الاثنان باللون نفسه!
لو تأخّر لقاؤهما قليلًا لكان أجمل… هكذا حدّثتُ نفسي.
(من برأيك سيفوز؟) همستُ لليونارد.
(أنت راقبت تدريباتهما طويلًا… لا بد أنك تعرف من الأقوى.)
فكّر وهو يفرك ذقنه:
(كانا يتبارزان كثيرًا.)
(ومن كان يغلب غالبًا؟)
(متقارب جدًا.)
(إذًا مهارتهما متقاربة.)
(نعم. والأكيد أنهما يعرف كلٌّ منهما أسلوب الآخر معرفةً تفصيلية… وهذا مكمن قوّةٍ وضعفٍ في آنٍ واحد.)
…ولمّا دوّى الجرس، أثبت السيفان كلامه:
طنـــغ! طان! طنين متلاحق للصلب على الصلب.
(يا للروعة!)
(هيا يا كونراد! ادفع!)
(اثبت يا فيليكس!)
كان النزال حاميًا آسرًا، حتى إني تمنّيت في سري:
(ليتهما لا يصابان بسوء.)
أسلوباهما مختلفان:
سيف كونراد كاللهب يتقد، هجومي مندفع؛
وسيف فيليكس كماءٍ ساكن، يصدّ برشاقة وهدوء.
قهقه كونراد وهو يهاجم:
(هاها! ستظل تصدّ إلى متى؟ متى ستهاجم؟)
ردّ فيليكس بثبات وهو يعدّل قبضته:
(ما زلت ثرثارًا حتى وأنت تقاتل.)
قعقعةٌ ثم دويّ، وخطى تومض بسرعة يصعب على العين اللحاق بها.
تكافؤٌ تام… حتى حُسمت المباراة بفارق شعرة:
طَق!
انكسر سيف فيليكس في اللحظة الأخيرة.
فصدح الحكم:
(الفائز في هذه المباراة: السير كونراد!)
(كونراد! كونراد!)
ارتجّ المدرّج بالهتاف.
(نزال أسطوري! كان أيٌّ منهما يستحق الفوز.)
(شديد الأسف على فيليكس. لو لم ينكسر سيفه لواصل القتال.)
(ومباراة أولى بهذا المستوى… ما بالنا بما هو آت!)
تتابعت المباريات بعد ذلك بلا هدنة؛
كل فارس أظهر أفضل ما عنده، ورأينا تنوّعًا عجيبًا: تشابه في الجوهر واختلاف في الأسلوب.
ومع مرور الوقت، اشتعلت الأجواء أكثر فأكثر.
وبعد سلسلة نزالاتٍ شاقّة… بلغ كونراد دور الأربعة!
(يا إلهي! السير كونراد مذهل حقًا!)
(هل يُعقل أن يتوَّج فعلًا؟)
(كان يتفاخر أنه سيفوز… يبدو أنه سيفعل!)
حتى فيليكس، العائد للتو من مباراته، شاركنا التشجيع.
وأنا أيضًا صفّقت من قلبي.
ثم جاءت النتيجة…
التعليقات لهذا الفصل " 189"