لقد تبادلت معه الكثير من المستندات والرسائل من قبل، وكنت أعرف جيدًا أن خطه حاد كالسكين، يحمل في طياته رصانة النبلاء.
أما الخط في هذه الورقة فكان مرتبكًا، أشبه بكتابة طفل… أشبه بخط فَي نفسها.
قلت ببرود:
“أتقصدين أنكِ زوّرتِ أوامر الإمبراطور بخطكِ؟”
ابتسمت بإنكار:
“كيف لي أن أجرؤ على ذلك؟”
“إذن كيف تفسرين أن الخط خطكِ؟”
“نعم، هو خطي. لكن جلالته حين استعاد وعيه لم يستطع الكتابة بنفسه، فاضطررت أنا إلى تدوين كلماته بدلًا عنه. أما الختم، فهو بختمه شخصيًا، وأنتِ تعلمين أنه لا أحد سواه يستطيع استخدامه.”
تبريرها كان متماسكًا، لكن شيئًا في داخلي رفض تصديقه.
وما جعل الأمر أشد وقعًا هو ثقتها الباردة وكأنها لم تفعل شيئًا.
قالت بثغر باسم:
“الآن وقد زال الالتباس، أيمكننا أن نتابع الوليمة يا مولاتي الإمبراطورة؟ أرجو أن تزيلي هذا العبوس، فالضيوف سيخافون ويهربون إن ظللتِ على هذه الحال.”
كلماتها انغرست في صدري كالإبر.
جيروم لا يمكن أن يكون قد أمرها بهذا… ومع ذلك، ثقتها جعلتني أتساءل للحظة إن كان ذلك ممكنًا.
تقدمت فَي بخطوات واثقة، وصوتها يملأ القاعة:
“إنه لشرف عظيم أن نستضيف اليوم ضيوف مملكة فيوري.”
كان من الصعب أن أصدق أنها تقود هذه المناسبة لأول مرة. كل حركتها، كل كلمة قالتها، كانت طبيعية ومصقولة.
ثم استدارت نحو الضيفين الجالسين في صدر القاعة: ملك فيوري، أسمان، وزوجته الملكة رافيا.
مظهرهما الغريب عن عاداتنا لفت الأنظار.
أما الملكة، فكانت تخفي نصف وجهها خلف حجاب شفاف، يزيدها غموضًا كأنها ليست من هذا العالم، كأنها روح أو جنية.
ابتسمت فَي ابتسامتها اللامعة وقالت لهما:
“للأسف جلالته الإمبراطور لم يتمكن من الحضور لظرف طارئ، ولذلك أنيب عنه في استقبالكم. أرجو أن تغفروا له ذلك.”
ابتسم الملك أسمان في البداية ابتسامة طيبة:
“إذا كان طارئًا فلا بأس، وما هذا الحفاوة إلا كرامة لنا.”
لكن سرعان ما تغيّر صوته، غلُظ واشتد حتى بعث قشعريرة في النفوس:
“غير أن مثل هذا اللقاء عادةً ما يكون من اختصاص الإمبراطورة. فكيف صارت الأميرة هي من تستقبلنا؟”
سرت همهمة بين الحاضرين. سؤاله لم يكن عابرًا، بل اتهامًا صريحًا بأن هناك خطأ في البروتوكول.
إذ كان استقبال الضيوف من صلاحياتي أنا، وليس من حقها.
تطلعتُ إلى فَي لأرى كيف ستخرج نفسها من الورطة.
قالت بابتسامة لم تفارقها:
“جلالتك محق. الأصل أن تكون الإمبراطورة هنا. لكن…”
“لكن ماذا؟”
“للأسف كانت مشغولة بأسباب شخصية فلم يتيسر لها الوقت الكافي.”
انصب نظر الملك عليّ مباشرة، نافذًا حادًا كأنه يقرأ أفكاري.
ورأيت فيه إدراكًا لما حصل بعد إعلاني عن الوزير. لا بد أنه علم بالأمر.
لكن فَي لم تكتفِ، بل زادت الطين بلة وهي تقول:
“وأنا أهنئها على ذلك بالمناسبة، فالإمبراطورة كانت على علاقة وثيقة بحارسها الشخصي منذ البداية، والآن صار هو الوزير المعلن.”
ارتفعت حاجبا الملك متسائلًا:
“أتقصدين أن الوزير الحالي لم يكن سوى حارسها من قبل؟”
“بالطبع. ألم تُخبَروا؟ لقد تطوع بنفسه ليكون حاميها.”
تدخلت سريعًا:
“كفى يا فَي. هذا ليس مقام هذه الأحاديث.”
لكنها تجاهلتني وأكملت بابتسامة ماكرة:
“إنه مجرد توضيح للحقائق. ليس أكثر.”
شاهدت القلق يلوح على ملامح الملك. من الواضح أنه بدأ يسيء الظن، وكأنني جلبت عشيقًا إلى البلاط.
وفجأة، وضعت فَي يدها على بطنها، وقالت بصوت خفيض لكنه مسموع:
“ثم إن من يحمل المستقبل لا بد أن يملأ مكانه.”
اتسعت عينا الملك أسمان، وابتسم باهتمام بالغ:
“أه. أهذا ما أظنه؟”
أومأت فَي برأسها برقة:
“نعم. إنها المرة الأولى التي أعلن فيها هذا علنًا.”
ضحك الملك ضحكة مجلجلة:
“شرف عظيم لنا إذن أن يكون أول استقبال لنا من وريث العرش المنتظر! وليمة لا تُنسى حقًا.”
ازدادت وجنتا فَي احمرارًا، لكنها ظلت مبتسمة بفخر.
حينها فقط أدركت ما خططت له.
إنها لم ترد مجرد انتزاع الضيوف مني، بل أرادت أن تجعل هذا اليوم إعلانًا رسميًا عن حملها، ليباركه الجميع.
ووجدت نفسي أنا، الإمبراطورة، مجرد شاهدة صامتة على حفل إعلانها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات