الفصل 181. الوليمة (2)
لقد خُدعت.
وأنا في العربة متجهة إلى جناح الأمير، عضضت على شفتي بقوة. لم يخطر ببالي قط أن فَي قد تجرؤ على اعتراض الضيوف في منتصف الطريق.
الموقف غير المتوقع جعل رأسي ي throbbing وكأن الألم يعتصره.
“كيف تجرؤ على خطف ضيوف جلالة الإمبراطورة؟!”
“هذه ليست زلة بسيطة يمكن أن تنتهي بقطع رأس المسؤول عن توجيههم. لا بد أن الأميرة بنفسها تقدّم التفسير!”
“بالطبع. ما فعلته تجاوز لكل الحدود.”
قالت الوصيفات المقابلات لي بحدة، وهنّ يغلي غضبهن.
وكان معهن كل الحق.
فبعد أن سقط الإمبراطور، أصبحت كل شؤون القصر الكبير والصغير من صميم مسؤوليتي كإمبراطورة.
خصوصًا استقبال الضيوف الأجانب، فهو من صميم سلطتي وواجباتي.
لكن أن يُوجَّه هؤلاء الضيوف إلى جناح الأمير بدلًا من جناحي؟
مهما يكن من وجّههم، فلن يمرّ الأمر بهدوء. وكذلك من تجرأ وأصدر هذا الأمر.
لا شك أنه عمل فَي.
لم يخطر ببالي أن موظفًا صغيرًا يجرؤ على تجاهل أمري، إلا إذا كان مدفوعًا مباشرة منها.
حتى وإن كانت تحمل في أحشائها وريث العرش، فهذا تجاوز سافر للسلطة. ولن أسمح بمروره بسهولة.
“سمعنا أن الأمر جاء… من جلالة الإمبراطور نفسه.”
“ماذا؟!”
انقبضت عيناي دهشة. الإمبراطور بنفسه هو من أمر بتوجيه الضيوف إلى جناحها؟
لكن كيف يصدر أمرًا وهو في غيبوبة؟
“هل استعاد جلالته وعيه؟” سألت بسرعة.
“لم نتمكن من التأكد بعد، مولاتي. فما زال حرس القصر يمنعون الدخول، والحراسة مشددة جدًا.” أجابت ماري بهز رأسها.
منذ سقوط جيروم، أصبح جناحه أشبه بالقلعة المحصنة، لا يُسمح بالدخول أو الخروج إلا للضرورة القصوى، تحسبًا لأي محاولة اغتيال أو تمرد.
حتى أنا، الإمبراطورة، لم يُسمح لي بالاقتراب منه.
ربما لأنني ابنة دوق شوبافن، رأس التيار المناوئ للإمبراطور. وربما يظنون أن لي يدًا فيما حدث.
أياً يكن، فالمهم الآن أن فَي خطفت ضيوفي، كما هددتني من قبل:
ـ ستندمين… سأجعلك تندمين على كل شيء.
ترددت كلمتها تلك في أذني كالصدى، والمرارة تعصر قلبي.
هل هذا ما قصدته إذًا؟ وهل هو سوى البداية؟
شعرت أن حركة العربة بطيئة على غير العادة، كأن الزمن يجرّ نفسه جرًا.
نظرت إلى جانبي، فوجدت المقعد فارغًا.
كم كنت بحاجة لوجود لينارد الآن. هو الذي كان دومًا السند الذي يجعلني أطمئن مهما كان الخطب.
لكنه اختفى منذ البارحة بدعوى انشغاله بأمر طارئ.
واليوم شعرت بغيابه أكثر من أي وقت مضى.
“وصلنا جناح الأمير.”
توقفت العربة، ونزلت على الفور.
خطوت سريعًا نحو الحديقة الخلفية، حيث كان يُعقد الاحتفال.
كلما اقتربت، علت الأصوات وضجيج الحاضرين.
وعندما دخلت، رأيت الموائد المزينة، والزينة الباذخة المنتشرة في كل مكان.
المشهد يذكرني بما أعددته في جناحي… لكن هنا كان مكتملًا بالحاضرين.
الوصيفات، النبلاء، الضيوف… جميعهم ملأوا المكان.
أما جناحي فبقي فارغًا ينتظر.
حين لمحني بعض النبلاء، ارتبكوا قليلًا ثم انحنوا بتحية سريعة:
“مولاتي الإمبراطورة…”
“شرف لنا حضوركم، مولاتي…”
لكن أنظارهم كانت تهرب بعيدًا عني، خجلًا أو ربما ندمًا.
فهم يعلمون أنهم كانوا يجب أن يكونوا في جناحي، لا هنا.
كلام الكونتيسة كلوي كان صحيحًا.
قالت لي إن إعلان فَي لحملها سيدفع النبلاء إلى التحرك بسرعة، ليقرروا إلى أي كفة سيميلون.
والآن أرى ذلك بعيني.
الإمبراطور ساقط لا يُعرف هل سيستفيق أم لا. وفَي، خصمتي، تحمل وريثًا محتملاً للعرش.
فلا عجب أن النبلاء قد هرعوا إلى صفها، يمدون لها جسور الولاء.
“مولاتي الإمبراطورة! مرحبًا بكم!”
ظهرت فَي بخطوات واثقة، وابتسامة عريضة ترتسم على شفتيها.
كأنها كانت تنتظرني منذ البداية. بل وكأنها تسخر من تأخري.
“كنت بانتظارك، مولاتي.”
تقدمت نحوها، ببرود شديد في ملامحي.
“ما الذي تعنيه بهذا؟”
أمالت رأسها ببراءة مصطنعة:
“تعنين استقبال الضيوف؟ آه، ذلك الأمر. في الحقيقة، الأمر أحرجني أيضًا، فأنا أعلم أن استقبال ضيوف القصر من صميم واجباتك، مولاتي.”
قلت بحزم: “ومع ذلك فعلتِ هذا.”
“لكنها كانت أوامر جلالة الإمبراطور. هل كنتِ تظنين أنني سأخالف أمره؟”
قالت بلهجة ناعمة، لكنها محمّلة بالمكر.
اقتربت منها أكثر، وخفضت صوتي:
“وكيف يصدر جلالته أمرًا كهذا وهو فاقد للوعي؟”
وضعت يدها على فمها بتعجبٍ مصطنع:
“أوه! ألم تُخبري؟ جلالته استعاد وعيه قبل ثلاثة أيام. بل أمرني أن أستقبل الضيوف بنفسي.”
“ماذا؟!”
أخفت دهشتي خلف قناع جامد، لكن داخلي كان يغلي.
“ولماذا لم تُبلَّغ الإمبراطورة بذلك فورًا؟”
ابتسمت بخبث:
“هكذا أراد جلالته. لم يكن يرغب أن يعرف أحد… إلا أنا. أنا وحدي.”
ثم صفقت بيديها، فجاء أحد الخدم يحمل لفافة فوق صينية فضية.
فتحتها أمامي، فظهرت وثيقة مختومة.
“تفضلي، هذا مرسوم جلالة الإمبراطور بنفسه.”
أمسكتها، وعيني تتسارعان على الكلمات.
كانت الأوامر صريحة: أن تتولى فَي استقبال وفد مملكة فيوري بنفسها.
وفي أسفل الصفحة…
“…الختم الإمبراطوري.”
ارتجفت أناملي قليلًا، فالختم حقيقي، لا شك فيه. لا يمكن تزويره.
ابتسمت فَي بثقة:
“الآن صدقتِ؟ جلالته أناط بي المهمة، لا بكِ.”
أغمضت عيني لحظة، ثم نظرت إليها نظرة حادة:
“الختم صحيح. لكن…”
رفعت الوثيقة أمامها وقلت ببرود:
“هذه الكلمات… لم تُكتب بيد جلالته.”
التعليقات