الفصل 179. لماذا تظنون أنه لا وريث؟
في طريقي عائدةً إلى جناح الإمبراطورة، التقيتُ ليونارد أمام باب غرفتي، كأنه كان ينتظرني.
قال بصوت منخفض:
“إلى أين كنتِ ذاهبةً بهذه السرعة؟”
“زرتُ جناح جلالته قليلًا.”
“سمعت أن جلالته قد سقط مريضًا. لكن… لماذا ملامحكِ هكذا؟”
تجنبتُ عينيه: “وجهي… كيف يبدو؟”
“قلقة. تبدين مضطربة.”
حاولت أن أخفي ذلك منذ أن وقفتُ أمام فاي، لكن… أمام عيني ليونارد لم أستطع.
نظرتُ لا إراديًا إلى معصمي— حيث ظل جيروم ممسكًا بي حتى وهو غائب عن وعيه. صورة جسده الراقد بلا حراك عادت بقوة.
يا للعجب… كم هو غريب قلب الإنسان.
جيروم فعل بي أسوأ من هذا بكثير، ومع ذلك مشهد سقوطه جعلني أرتجف خوفًا. تناقض لم أستطع تفسيره.
مدّ ليونارد يده فجأة وسحبني إليه، حاصرني بين ذراعيه وهمس:
“هل تعلمين كم أخاف حين أراكِ بهذا الوجه؟”
خوف؟ رجل لا يعرف للخوف معنى، يخشى مجرد ملامحي؟
أسندتُ جبهتي إلى صدره، فلم يسعفه صبره ليسأل:
“ما الذي حدث؟”
“لا شيء… فقط أفكر كثيرًا.”
“بشأن جلالته؟”
أومأت برأسي، ثم دفنت وجهي أكثر في صدره واعترفت بخفوت:
“أشعر أن ما حدث له بسببي.”
“لماذا تقولين ذلك؟ إن كنتِ تعنين إعلانك عن العشيق…”
“ليس فقط لهذا السبب.”
أنا لست ساذجة لأحمّل نفسي كل الذنب، لكن… لا يمكنني إنكار أن جزءًا مما جرى يتصل بي. كشوكة صغيرة عالقة في الحلق.
رفعت بصري إليه وقلت:
“ماذا لو أنه لا يستيقظ أبدًا؟ ماذا لو ظلّ هكذا إلى الأبد؟”
نظر إليّ طويلاً بعينين يصعب قراءة ما فيهما، ثم شدّني إلى حضنه أكثر وقال بصرامة:
“لا تقلقي. لن يحدث ما تتخيلينه.”
ثم وضع قبلة قصيرة على جبيني، وأضاف بثقة:
“سأحرص بنفسي ألا يحدث ذلك.”
صوته كان كعادته، يزرع الطمأنينة داخلي حتى هدأت أنفاسي.
في اليوم التالي، اجتمع الوزراء والفرسان على عجل في قاعة كبرى.
سقوط الإمبراطور بلا وعي هزّ أركان الدولة، ووجوه الجميع غمرها الارتباك.
“مستحيل! جلالته في غيبوبة؟!”
“هل سُمِّم؟!”
“لا، قال الأطباء لا أثر لسم.”
“إذن صدمة؟ أي صدمة تسقط الإمبراطور هكذا؟”
الهمهمات ملأت القاعة. بعض الأعين تسللت نحوي، كأنهم يلمّحون أني السبب.
“ما العلاج؟”
“الانتظار.”
“انتظار؟! يعني قد لا يستيقظ أبدًا؟”
“ذلك وارد.”
ارتفعت أصوات القلق. ثم تساءل أحدهم:
“وماذا عن وليمة الضيوف من مملكة فيوريه؟”
“كيف نستقبلهم من دون جلالة الإمبراطور؟ إنها مأدبة مصيرية!”
“إن فشلنا بعقد اتفاق معهم، قد ينهار مستقبل الإمبراطورية!”
اقترح أحدهم: “فلنؤجل المأدبة…”
قاطعته بصرامة:
“لا. المأدبة ستُقام كما هي.”
“لكن، يا صاحبة الجلالة…”
“إن أُجِّلت الآن، قد لا نحصل على فرصة ثانية. وقد بدأوا السفر بالفعل. إن لم نقف بثبات، فسيختارون غيرنا.”
أضفت بحزم:
“سأملأ غياب جلالته بنفسي. سأقود المأدبة حتى النهاية.”
ترددت أصوات الوزراء، لكن كلماتي هدّأتهم شيئًا فشيئًا.
لكن فجأةً قال دوق هايتنغز ببرود:
“وإن لم يستفق جلالته أبدًا… من سيتولى العرش؟”
ثار بعض الوزراء: “أي وقاحة!”
لكن الدوق ابتسم ببرود: “أنا فقط أُعدّ لاحتمالات الطوارئ. هذا هو واجب الولاء.”
سكنت القاعة. بعضهم بدأ يوافقه:
“هو محق. ولا وريث للعرش أصلًا.”
“فلنبحث عن بديل من الآن.”
بدأوا يرمون أسماء: لورد روبن، لورد ميخائيل، الطفل لورنس…
الكلام تصاعد حتى قاطعهم صوت ليونارد بصرامة:
“احفظوا ألسنتكم. هذا تطاول في حضرة الإمبراطورة.”
ساد الصمت.
عندها، خرج صوت لم يكن متوقعًا: فاي، بابتسامة باردة.
“ألا ترون أن من الطبيعي أن يقلق المخلصون على من يخلف العرش؟”
ليست هذه أول مرة تخالفني، لكن نبرتها مختلفة— أشدّ صلابة، وأجرأ.
حدّق بها ليونارد بصر قاسٍ، لكن فاي تابعت بثبات:
“ولستُنّ بحاجة إلى قلق كبير… فالمشكلة ليست كما تظنون.”
تطلعت إليها العيون في ترقّب، حتى وضعت كفّها برفق على بطنها، وقالت بابتسامة غامضة:
“ولماذا تفترضون أنه لا يوجد وريث؟”
القاعة ارتجّت. كل الأنظار ثبتت على يديها.
التعليقات