الفصل 171: محاكمة مشبوهة
“مذنب؟”
التفت ليونارد حوله، لكنه لم يرَ أحدًا غيره.
من الواضح أنّ هذا الوصف موجَّه إليه.
قطّب حاجبيه قليلًا وقال:
“مذنب؟ وما الجريمة التي ارتكبتها بالضبط؟”
ارتفع صوت أحدهم من فوق المنصّة:
“كثير الكلام أيها المذنب.”
“جريمتك أنك أصبحتَ عشيق جلالة الإمبراطورة من دون إذن!”
“كيف تجرؤ على الطمع بجوهرتنا؟!”
رفع ليونارد حاجبًا واحدًا باستغراب. ما الذي يجري هنا؟
“هل تسخرون منّي؟”
…!
تجمّد المكان للحظة من نبرة صوته الحادّة.
ارتبك أصحاب الأقنعة، وتبادلوا النظرات القلقة.
(هل كان من الحكمة فعل هذا أصلًا؟)
(الخصم هو السير ليونارد بنفسه!)
(العواقب ستكون وخيمة.)
(لكن فات الأوان على التراجع. لقد بدأنا ويجب أن نكمل.)
(من أجل جلالة الإمبراطورة!)
شدّ الجميع قبضاتهم كأنهم يستعيدون عزيمتهم، ثم واصل “القاضي” قراءة النصّ المعدّ مسبقًا:
“هذه المحاكمة ليست عبثًا. نحن هنا لنعرف إن كنتَ أهلًا لأن تكون عشيق جلالة الإمبراطورة.”
“ونملك أدلّة كثيرة تثبت أنّك لستَ مؤهلًا لذلك.”
“أدلّة؟”
“نعم. حتى لو كنتَ السير ليونارد، فلا يمكن التغاضي عن الأمر.”
ليونارد أطلق نفسًا قصيرًا، محتارًا من أين يبدأ في الردّ. لكنّه قرّر الانتظار وسماع ما سيقولون.
“أولًا، لدينا الشاهد.”
فدخل رجل يرتدي قناعًا مع شاربٍ مزيّف.
…هذا واضح. إنه ماكس، الطاهي الخاص بالقصر.
لا أحد غيره يملك ذلك الهوس المضحك بالشارب!
“هل تقسم أن تقول الحق ولا شيء غير الحق؟”
“أقسم.”
وضع يده على صدره، متصنّعًا الجديّة.
“إذن، أيها الطاهي المجهول، ما رأيك في مهارة السير ليونارد في الطبخ؟”
“تافهة! لا يمكن أن تُرضي ذوق جلالة الإمبراطورة!”
…كذِب صريح.
ماكس باع ضميره للتوّ. حبّه للإمبراطورة جعله يتخلّى عن أي صدق.
“لكن جلالة الإمبراطورة تناولت طعامه بسرور…” حاولت ماري التدخّل، لكن ماكس قاطعها:
“لقد تظاهرت فقط حتى لا تجرح مشاعره! لقد كنتُ أرتجف خوفًا طوال الوقت أن تُصاب بتسمّم!”
بينما الحقيقة أنّه هو نفسه كان قد ذُهل من طعم الطعام حينها.
لم يكتفِ بذلك، بل أخرج منديلًا ليمسح دموعًا مزيّفة:
“الحمد لله أن جلالتها لم تصب بأذى…”
ثم وقف شاهدٌ آخر فجأة:
“إنه رجل قاسٍ بلا رحمة!”
هذا صوته… كونراد.
“كل تدريب معه دموع ودماء! لا يصلح أن يكون إلى جوار جلالتها، سيجعلها هي أيضًا تبكي دمًا!”
“اهدأ!” حاول أحدهم تهدئته. لابد أن يكون فيليكس.
لكن كونراد استمرّ في الصياح:
“يجب معاقبته فورًا!”
صرخ القاضي: “التزم الهدوء أيها الشاهد!”
لكن الجلسة كانت قد تحوّلت إلى فوضى عارمة.
عندها فقط نطق ليونارد بصوت منخفض، لكن كلماته دوّت في المكان:
“تخطفونني فجأة… ثم تعرضون هذه المسرحية السخيفة؟”
…
سكت الجميع.
“تدّعون أنكم تفعلون هذا من أجل الإمبراطورة… بينما تخونونها خلف ظهرها بهذا العبث.”
هزّ الجميع رؤوسهم نفيًا بسرعة.
قال بصرامة:
“لن يتكرّر هذا مجددًا.”
هزّوا رؤوسهم بالإيجاب هذه المرّة، مذعورين.
ثم أضاف بهدوء:
“لكنني أفهم قلقكم. أنتم لا تكرهونني، بل تخشون على جلالتها.”
صُدموا من كلماته. لم يتوقّعوا منه تسامحًا.
تابع:
“أعرف أنّني ما زلتُ مقصّرًا. لكن…”
رفع بصره نحو المنصّة العليا، حيث جلس الرجل ذو القناع الأبيض صامتًا طوال الوقت.
“لكن ما الحيلة؟ هي من اختارتني.”
…!
ارتجف صاحب القناع الأبيض قليلًا، والقرط في أذنه لمع.
قال ليونارد بلهجة حاسمة:
“إن كنتم تحبّونها حقًا، فثقوا باختياراتها.”
ساد الصمت، ثم علت الهمسات بين الأعضاء.
“رأيتم؟ هذا هو السير ليونارد الذي نؤمن به!”
“لقد كان على حق.”
وانتهت الجلسة لصالح “فريق ليونارد”.
⸻
بعد ذلك، وفي طريق عودته، توقّف ليونارد فجأة:
“إلى متى ستختبئ؟ أخرج.”
ظهر من خلف العمود رجل بعباءة وقناع أبيض—نفسه الذي كان يجلس في الأعلى.
قال ليونارد بابتسامة باردة:
“سمعت أنهم ينادونك القائد هناك. كيف هو العيش بهذه الصفة؟”
تجمّدت ملامح الرجل، لكنه تماسك:
“ذلك لا يخصّك.”
“حسنًا. إذن، جئتَ لتتابع محاكمتي بنفسك؟ هل بقيت تهمة أخرى لتُلصقها بي؟”
أجابه بلهجة صلبة:
“جئتُ فقط لأحذّرك. لا تظن أنّ جلالة الإمبراطورة تحمل لك مشاعر خاصة.”
ابتسم ليونارد بخفة:
“ومن قال إنّها لا تفعل؟”
“بل لا. لقد لجأت إليك مجبرة، لا أكثر.”
“سنرى.”
اقترب خطوة وقال:
“المهم أنّني الآن عشيقها الرسمي… والوحيد.”
قطّب الرجل حاجبيه بقوّة.
كأن ليونارد يتعمّد استفزازه: أنت مجرد ساحر، أما أنا… فأنا حبيبها المعلن.
تمالك الرجل نفسه وقال:
“تظنّ أنني أغار من مقعدك؟”
“ألست كذلك؟”
“لا. فالمهم هو توافق القلوب.”
“حقًا؟ كنتُ واثقًا أنّك تحترق غيرة. حسنًا… جيد إن لم تكن كذلك.”
وهكذا، في ظلمة الليل، اشتعلت حرب خفيّة بالعيون بين رجلين… كلاهما لأجل امرأة واحدة.
⸻
التعليقات لهذا الفصل " 171"