الفصل 169: لأنني عشيق جلالة الإمبراطورة
“جلالة الإمبراطورة، وجهك محمّر. هل أنتِ بخير؟”
على الرغم من كلماته القلقة، كان وجه ليونارد هادئًا للغاية. بل وضع يده على جبيني وقال:
“لا يبدو أن لديكِ حرارة…”
تماسكت بصعوبة وأمسكت يده وأنزلتها عن جبيني.
“أفضّل أن تمتنع عن تصرّفات كهذه منذ الآن.”
“أيُّ تصرّفات؟”
“…”
لم أجب، بل نظرت إلى شفتَيه الحمراوين.
عادت إلى رأسي الحادثة قبل لحظات:
فتات الماكرون الذي كان على طرف فمي… والذي هو…
توقّفي عن التفكير!
“هل تسأل حقًّا لأنك لا تعلم؟”
“كنتُ فقط أريد أن أُساعِد جلالتك.”
“ألا يمكنك أن تساعدني بطريقة عاديّة؟”
“أنتِ شخصٌ مميّز، ومن الطبيعي أن أساعدكِ بطريقة مميّزة.”
كان يجيب بانسيابٍ وكأنّه استعدّ مسبقًا لهكذا موقف. ثم بدّل نبرته فجأة:
“هل… أزعجكِ ما فعلت؟”
خفض عينيه بأسى، يراقب ملامحي بحذر. بدا وكأنه قلق فعلًا من أنني تضايقت.
هل كنتُ حادّة أكثر من اللازم؟
شعرتُ وكأنني أنا المخطئة معه. لا ينبغي أن أضعف بهذه السهولة، يجب أن أظلّ حازمة حتى النهاية.
“ليس كذلك… لكن…”
لم يسر الأمر كما تمنّيت. انتهى بي الأمر وأنا أُلطِّف كلامي:
“حين تفعل شيئًا كهذا فجأة أشعر أن قلبي لن يحتمل.”
عندها انثنت عيناه بلطف وهو يسأل:
“إذن، لو أخبرتكِ مسبقًا… هل سيكون الأمر مقبولًا؟”
“هذا…”
هذا بدوره سيكون محرجًا بطريقته الخاصّة.
“لا هكذا، ولا بإبلاغٍ مسبق.”
ابتسم ليونارد. ومع ذلك لم يقل “حسنًا” حتى النهاية.
“ستذهبين إلى حفلة الشاي الآن، أليس كذلك؟”
بدّل الموضوع بسلاسة. ورغم أن نيّته كانت واضحة، قررتُ أن أتغاضى هذه المرّة.
“نعم.”
“أرغب في حضور حفلة الشاي أيضًا.”
“أنت؟”
“أنا عشيق جلالة الإمبراطورة. حيثما تذهب جلالتكِ ينبغي أن أكون معها.”
حجّة غير منطقيّة. حتى لو كان “عشيق الإمبراطورة” فلا واجب عليه أن يحضر حفلات الشاي.
لكن ليونارد أصرّ على مرافقتي، ولم أمانع؛ لا سبب يمنعه من الحضور.
وسرعان ما فهمتُ لماذا أراد الحضور.
* * *
أُقيمت حفلة الشاي في الحديقة الخلفية لقصر الإمبراطورة.
وما يميّزها أنها الأولى بعد إعلاني أنني سأتّخذ عشيقًا.
“نحيّي جلالتكم.”
“مرّ وقتٌ طويل يا جلالة الإمبراطورة.”
تبادلنا التحايا كالمعتاد، لكن الجوّ كان مختلفًا.
نظرت حولي بتمهّل؛ لم تعجبهم رؤيتي برفقة ليونارد—بل هذا هو بالضبط ما ضايقهم.
قبل أيام فقط كانت الوجوه نفسها تُظهر لي الودّ…
تنهدتُ في سرّي. وتذكّرتُ أحاديثهنّ القديمة:
— ألا ينبغي لجلالتكِ أن تتّخذي عشيقًا؟
— ستكونين الأولى في التاريخ!
ألم تكن هؤلاء أنفسهنّ من اقترحن ذلك؟ لماذا يتصرّفن الآن كأنهنّ لم يقلن شيئًا؟
لكنني أعرف السبب: كنّ يردن مجاملتي لا أكثر. لم يتوقعن أن أفعلها… خصوصًا علنًا.
هنّ في النهاية نبيلاتٌ يقدّسن المظاهر.
“لم نظنّ أن جلالتكِ ستأتين برفقة السير ليونارد.”
قالتها إحدى السيدات بابتسامةٍ فيها شوك.
تقصد: لم نتوقع أن تُحضري عشيقكِ بلا حرج.
خشيتُ أن ينالوا من ليونارد بسببي، فقررتُ أن أقطع الطريق:
“هذه حفلةٌ أستضيفها أنا. ومن أصطحبُ معي أمرٌ يخصّني.”
“صحيح، لكن الظرف… كما تعلمين.”
“نخشى أن تتعرّضي للحرج، جلالتك.”
“كلّه لخير جلالتكِ.”
من الواضح أنها حجج متقنة الأنانية.
قلت بصرامة: “لا داعي لهذا القلق.” وحدّقتُ بهم نظرةً معناها: كفّوا.
لكنهم لم يتراجعوا.
“الأمر مسألةُ سمعةٍ للإمبراطورية.”
“اتّخاذ عشيق ليس مفخرة…”
وقتها، تكلّم ليونارد:
“بل مفخرة.”
كان وجهه باردًا إلى حدّ جعل بعضهم يرتجف حين التقت عيونهم بعينيه.
“أرى أن كوني عشيقَ جلالة الإمبراطورة أكبرُ حظٍ في حياتي.”
“أ- ألا تخجل من قول هذا؟”
“قطعًا لا. بل…” توقّف لحظة ثم أكمل:
“أليس ما يبعث على الخجل أن تُستخدم أموال الجمعيات الخيرية في ملذّاتٍ شخصيّة؟”
“مـ… ما هذا الهراء!”
“افتراء!”
ضحك باستهانة، ثم وضع رزمة أوراق سميكة على الطاولة:
“أتظنّونني أتكلّم بلا دليل؟”
لم أحتج حتى لقراءة الأوراق لأعرف أنها توثّق اختلاسهم لأموال “الأعمال الخيرية”.
ساد الصمت وبهتت الوجوه.
ثم وجّه نظره الحاد إلى سيدةٍ كانت أكثرهنّ سخرية:
“مفاجئ أن تقولي إن العشيق عار، يا سيدتي… لديكِ أنتِ شخصٌ تراسلينه سرًّا، أليس كذلك؟”
“!”
“ممثلٌ من فرقةٍ شهيرة، إن لم تخنّي ذاكرتي.”
احمرّ وجهها خزيًا. “كـ… كيف علمت؟!”
“زوجكِ لا يعلم. لو علم، لآلمه ذلك كثيرًا.”
كانت تُعرف بزوجةٍ متآلفة مع زوجها! حتى النبلاء الآخرين صُدموا.
ابتسم ليونارد وهو يرفع زاوية فمه:
“هل لا يزال لدى أحدٍ منكنّ نصائح ‘من أجل جلالتها’؟”
* * *
وفي أعماق قصر الإمبراطورة كانت “جمعية مُحبّي الإمبراطورة” تعقد اجتماعًا طارئًا.
“جلالتها تتّخذ عشيقًا؟!”
توالت الأسئلة والاعتراضات، ومعها الحيرة.
“ولِمَ لم تُخبرنا وصيفاتها مسبقًا؟”
“لو كان هناك مؤشر بسيط، لوجب إبلاغ جمعيتنا!”
أجابت الوصيفات:
“نحن أيضًا لم نعلم بهذا إطلاقًا.”
“تفاجأنا تمامًا. حتى حين طلبت جلالتها تجهيز ثيابٍ للسير ليونارد عشيّة الحفل، لم تُصرّح بشيء.”
زاد اللغط:
“إذًا لماذا اتخذت هذا القرار فجأة؟”
“هل تغيّر ما في قلبها؟”
لكن ما شغلهم أكثر كان هوية العشيق:
“والعشيق هو السير ليونارد!”
قال بعضهم: “أنا أؤيده. أثبت جدارةً في خدمتها حارسًا.”
واعترض آخرون: “هذا أمرٌ مختلف! كيف يجاور جلالتها بلا تمحيص؟ لن نسلّمها بهذه السهولة!”
انقسمت الجمعية إلى معسكرين:
“مع ليونارد قلبًا وقالبًا!” و”مع ليونارد… لكن بعد تدقيق صارم!”
واحتدم النقاش حتى قال بعضهم في النهاية:
“لا مفرّ من الاستعانة بذلك الرجل.”
“نعم… لا بدّ من رأيه.”
واتجهت الأنظار إلى رجلٍ يقف هناك مرتديًا نصف قناعٍ أبيض.
التعليقات