الفصل 165. سأتخذ محظيًا (3)
‘كنت أظن أنه سيقول شيئًا فورًا…’
لكن خلافًا لكلماته السابقة عن الغضب، ظل ليونارد يعانقني بصمت.
ورغم صمته، كنت أعلم السبب.
لم يكن غضبه موجهًا إليّ وحدي.
فذراعه التي تحتويني، والدفء الحارق الذي يصلني من جسده… كلها كانت تخبرني أنه يغضب لأنه يكره أن أُجرح.
ولو أن ثمة مشكلة، فهي أنه يضمني بقوة حتى صرت أجد صعوبة في التنفس.
لكنني لم أنفر من ذلك.
بل شعرت في صدره الواسع بشيء يشبه… الأمان.
دقّ… دقّ.
كان صدى نبضات القلب يجلجل في أذني.
دقّ، دقّ، دقّ.
ولم أعد أعلم: أهو قلبي أم قلبه؟
وظللت في حضنه زمنًا بدا طويلًا.
“ا- اههِم.”
حتى قطع الإحراج صوت سعال جاف من خلفنا.
‘آه! الباب…’
لقد نسيت أن أغلق الباب خلفي.
وكان الحراس قد فعلوا ذلك عني للتو.
فاشتعل وجهي خجلًا، وتساءلت: هل يظنّون بي ظنًا غريبًا؟
لكن قبل أن أتيه في أفكاري، قطع ليونارد الصمت:
“لماذا… فعلتِ ذلك؟”
رفعت رأسي.
“أتعني ما حدث في الحفل؟”
“نعم. سمعتُ كل شيء.”
“أدهشك الأمر كثيرًا؟”
“هل فعلتِ ذلك… لأجلي؟”
“لولاك، لما فعلت.”
أطبق فمه لحظة وقال بصرامة:
“كان تصرفًا متهورًا.”
ابتسمتُ بسخرية.
“عجيب! أنتَ تقول لي هذا؟ ألم تكن دائمًا أنت من يفعل التهور؟”
“لستُ أمازحكِ. كل الناس سيذمونكِ بعد اليوم.”
“وكأن الأمر جديد. لطالما فعلوا.”
“لكن هذه المرة مختلفة. سيزداد الأمر سوءًا… وسيصير حمله أصعب.”
كان وجهه يقطب بألم، كأن عذابي عذابه.
لكنني كنت هادئة.
لقد اخترت هذا الطريق لأنقذه. وما همّني كلام الناس؟
مددت يدي ولمست وجنته.
“قلت لك… أنا بخير. معتادة على هذا منذ زمن.”
قابلت عيناه بعزم.
“لن يغير ذلك شيئًا. أما أنت، فلن أسمح أن تُكسر.”
قال بعناد:
“لا أوافق.”
“لكن لم يكن ثمة حلّ آخر. لإنقاذك كان هذا الطريق الوحيد.”
تذكرت حديثي مع جيروم:
«لن أتراجع عن قراري مهما حاولتَ منعي.»
«إما أن يكون اليوم مجرد حفل، أو يكون جنازة ليونارد. والاختيار بيده.»
كان ليفعل أي شيء ليؤذيه. حتى أنه لفّق الأدلة ضده.
لذا لم يكن أمامي سوى أن أسبقه بضربة تعلن الأمر على الملأ، لأمنعه من البطش به.
“لقد وعدتك أنني سأنقذك.”
وكان هذا السبيل الوحيد.
لكن بقي أمر يثقلني…
“إن أصبحتَ محظيي، لن تتمكن غالبًا من البقاء قائدًا للفرسان. هذا ما يقلقني حقًا.”
خفضت عينيّ.
“آسفة… كان عليّ أن أستأذنك قبل أن أقرر ذلك.”
لكن ليونارد هز رأسه.
“ذلك المنصب؟ لا يهم.”
“لا تقل هذا! إنه جهدك وعرقك… هو الطريق الذي شققته لنفسك بعيدًا عن بيت هيلبرت، هو حريتك.”
“حتى لو كان. فلا أريد شيئًا سوى أنتِ.”
غطى كفي بكفه.
عيناه كانتا صريحتين… محرقتين.
شعرت بوخزة حلوة في صدري.
لم تكن مزعجة. بل جعلتني أبتسم دون أن أشعر.
قلت مازحة:
“إذن نلتَ ما أردتَ.”
من جهة ليونارد
‘هل يعرف قلبها كيف تبدو الآن؟’
لقد سُحر من ابتسامتها.
كانت صافية، صادقة، بلا ظلّ قلق.
‘لم أعهدها هكذا.’
عرفها ضاحكة من قبل. لكنها لم تضحك بهذا النقاء أبدًا.
كانت دائمًا تضع حدودًا بينها وبين العالم.
تقترب منه ثم تهرب فجأة.
لكن هذه المرة… كسرت الخطوط بنفسها، واقتربت منه بكامل إرادتها.
كان يرى التغيير في عينيها البنفسجيتين.
لم تعد مشوشة. بل مملوءة بالثقة.
وكان هذا التغيير… أجمل ما رآه في حياته.
حين سمعها تقول:
“إذن، انتهى الاستجواب؟”
انتبه فجأة أنه لم يتوقف عن سؤالها بحدة.
ذلك لأنه حين سمع بما فعلت، شعر بالغضب العاجز.
غضب لأنه جعلها تصل إلى حد المخاطرة بنفسها.
لكنه الآن… مع ابتسامتها، تلاشى كل ذلك.
ثم فاجأته بقولها:
“إذن… ستصبح محظيي، أليس كذلك؟”
كاد يضحك بدهشة.
تابعت بسرعة، كأنها تخشى رفضه:
“حتى لو قلت لا، فات الأوان. عليك القبول.”
بدت قلقة على جوابه، فازدادت جمالًا في عينيه.
أمسك يدها بقوة وقال بابتسامة عذبة:
“طبعًا. بكل سرور.”
قالت بفرح:
“ها أنت تبتسم أخيرًا.”
ثم صاحت كمن تذكّر شيئًا:
“آه! صحيح.”
أصلحت جلستها وقالت بجدية أكثر:
“بما أنك صرت محظيي الآن… أيمكن أن أطلب منك أول طلب؟”
“طلب؟”
“نعم. أول طلب من محظيي الجديد.”
مدّت يدها نحوه وقالت بابتسامة خبيثة:
“أعطني بعض وقتك.”
“وقت؟ إلى أين سنذهب؟”
“لدي أشخاص أود أن أعرّفك بهم.”
في قاعة الحفل
حلّ الليل، وبدأ القسم الثاني من الحفل.
لكن أصداء الفضيحة لم تهدأ بعد.
“لماذا دعتنا جلالة الإمبراطورة مجددًا؟”
“لو كنت مكانها، لاختفيت خجلًا بعد ما قالت.”
“تقول إنها ستجلب محظيًا علنًا! أي وقاحة هذه؟”
“لكن من يكون ذلك الرجل؟”
“أي رجل جعل الإمبراطورة الجليلة تخاطر بسمعتها كلها لأجله؟”
“ربما لم يكن إلا مسرحية لتجذب انتباه جلالة الإمبراطور.”
وبعضهم قال:
“مهما يكن، ذلك الرجل لن يجرؤ على الظهور الآن. بعد أن رأيتم غضب جلالة الإمبراطور!”
“بالطبع، من يحتمل سخطه؟ مستحيل أن يظهر.”
لكن فجأة…
“جلالة الإمبراطورة هلينا تدخل!”
انفتحت أبواب القاعة المذهبة، ومع إعلان الحاجب، خطت الإمبراطورة إلى الداخل.
التعليقات