الفصل 164. سأتخذ محظيًا (2)
“أنا جادّة… سأُدخل محظيًا.”
ما إن خرجت كلماتي حتى عمّت الصدمة القاعة.
“لحظة… هل قالت جلالة الإمبراطورة إنها ستتخذ محظيًا؟”
“هاه، محظيّ! أتعني ما أفهمه من تلك الكلمة؟”
بدأت الهمهمات تتصاعد. في البداية كانت خافتة، ثم ما لبثت أن اشتعلت كالنار في الهشيم.
“كلام منمّق فقط، لكنها في النهاية تقول إنها ستُدخل رجلًا آخر إلى القصر الإمبراطوري!”
“آه… عارٌ حتى أن يُذكر.”
“لكن… أليس في الأمر سوابق؟ ليست هذه المرة الأولى التي يحدث فيها أمر كهذا.”
“وهل في وجود سابقة ما يخفف من خطورة ما فعلته؟ المصيبة أنها أعلنت ذلك في محفل رسمي!”
“صحيح! حتى لو حدث الأمر في الماضي، كان يُدار في الخفاء، لا على الملأ.”
“ما الذي تراه في الأمر باعثًا للفخر حتى تُعلن عنه أمام الجميع؟! إن هيبة العرش تسقط، ونحن النبلاء صرنا أضحوكة.”
الاعتراضات تتابعت كالسيل، وكان هذا متوقعًا.
النبلاء الذين يعيشون بالواجهة والمظاهر لن يغفروا للإمبراطورة هذا الإعلان.
فهي، وبكلماتها القليلة، بدت وكأنها تُعلن خيانة علنية.
“لماذا تفعل جلالة الإمبراطورة أمرًا كهذا فجأة؟”
“ألا تذكر؟ لقد كانت أسوأ من هذا أصلًا. سمعتها السيئة طالت حتى البلاد المجاورة.”
“صحيح، كان هدوؤها الأخير أمرًا غريبًا.”
كلماتهم أخذت تعيد صورة “هلينا الشريرة” القديمة.
محظيّ. خيانة. امرأة شريرة.
وإن كان لها محظيّ… فمن عساه يكون؟
بينما استمر الضجيج في القاعة، ارتفع صوت واحد هزّ المكان:
“ما الذي تفعلينه بحق السماء!”
إنه جيروم.
لم يبقَ أثر لبروده السابق.
كانت عيناه الحمراوان تشتعلان، وصوته المدوّي جعل الجميع يصمتون.
التقت عيناي بعينيه.
في نظرته خليطٌ من مشاعر متناقضة: ارتباك، غضب، سخط… وخيانة.
كأنه يقول: “كيف تفعلين بي هذا؟”
للحظة، انحبس نفسي تحت ثقل نظرته.
لكنني تذكرت السبب الذي يدفعني للاستمرار.
تذكرت من ما زال مسجونًا في العتمة.
قبضت يدي بقوة وقلت:
“ما الذي تعنيه، يا مولاي؟”
“أتسألين وأنتِ تعلمين!”
“لو كنتُ أعلم، لما سألت.”
صكّ جيروم أسنانه وقال:
“ما هذا العبث الذي تقولينه!”
“قلتُ بوضوح. سأُدخل محظيًا.”
“هذا هراء…!”
قاطعته وأنا أرفع رأسي بثبات:
“كما اتخذتَ لنفسك محظيّات، أريد أنا أيضًا أن يكون لي محظيّ.”
“……!”
تجمد لبرهة. لكن سرعان ما استعاد قسوته.
“كلام لا يُعقل.”
“ولِمَ؟ هل يُسمح لك ولا يُسمح لي؟”
“أمرٌ كهذا… لا يمكن مقارنته.”
“ما الفرق؟ سواء عندك أم عندي، النتيجة واحدة: شريك خارج إطار الزواج.”
لم يردّ، لكنه عبس بعمق.
النبلاء من حولنا أخذوا يتغامزون ويتهامسون مجددًا.
أما أنا، فقد هدأت على نحو غريب.
لم أعد أشعر بالخوف. بل أحسست بخفة، كأن حملًا سقط عني.
قلتُ بوضوح وأنا أحدّق في عينيه:
“سأتخذ محظيًا، يا مولاي. لذا… امنحني إذنك.”
حلّ صمت ثقيل.
الجميع انكمش في مكانه، كأن شرارة صغيرة قد تُفجّر الموقف.
وحده جيروم ظلّ يحدّق بي.
في عينيه دوامة من المشاعر لا أستطيع فكّها.
لكنه بدا كمن يبكي… لا بدموع، بل بكل كيانه.
كأنه ينزف ألمًا.
وأخيرًا، بعد صمت طويل، خرج صوته مبحوحًا:
“هل… هل لا بد أن تفعلين هذا حقًا؟”
ترددت لحظة، ثم أومأت بثبات.
“نعم. لا بد من ذلك.”
انتقلتُ بعد الحفل مباشرة إلى مبنى فرسان الحرس الإمبراطوري، حيث يُحتجز ليونارد.
وبالتحديد، إلى مقرّ الفرقة الثانية.
كان عند الباب فارسان ضخما البنية، موكلان بحراسته.
“تنحّيا.”
كنت أعلم أنهما لن يطيعاني بسهولة.
فأوامر الإمبراطور بالنسبة للفرسان مطلقة.
لكنني لم أكن أنوي العودة أدراجي.
“تنحّيا. سأتحمل تبعات الأمر وحدي.”
إلا أن ردهما لم يكن كما توقعت.
“مرحبًا بكِ، جلالة الإمبراطورة.”
“لقد كنا ننتظرك.”
تسعت عيناي بدهشة.
“كنتم… تنتظرونني؟”
ابتسما قائلَين:
“وصلتنا الأخبار. سمعنا ما أعلنته في الحفل.”
“لو كنا هناك، لهتفنا لكِ.”
ارتبكت أكثر.
فالكل في القصر نظر إليّ باشمئزاز بعد إعلاني.
لكن هؤلاء الفرسان… بدوا وكأنهم يحيّونني بإعجاب.
ثم قال أحدهم:
“نحن نعلم لماذا قلتِ ما قلتِ. كلنا نؤمن أن عقوبة نائب القائد ليونارد ظالمة.”
“قد لا نحسن التعبير، لكننا جميعًا نقف معه.”
حينها فقط فهمت.
لقد آمنوا ببراءة ليونارد.
الحمد لله…
كنت أخشى أن ينعكس الأمر على سمعته بين زملائه.
لكن ثقتهم به لم تهتز.
“شكرًا لكم.”
انحنى الفارسان باحترام، وابتعدا عن الباب ليفسحا لي الطريق.
قلبي خفق بعنف وأنا أضع يدي على المقبض.
تذكرت أول لقاء جمعني به، يوم حطّم نافورة وسط الحديقة.
هو دائمًا من كان يقتحم عالمي أولًا.
لكن هذه المرة… أنا التي سأذهب إليه.
فتحت الباب وابتسمت:
“ليونااارد!”
لكن ما استقبلني لم يكن وجهًا مدهوشًا أو فرِحًا.
بل كان واقفًا أمام النافذة، تغطي الظلال ملامحه.
وعيناه الباردتان تنظران إليّ بجمود.
ارتبكت.
هل عرف بما فعلتُ؟ لا بد أنه عرف. كيف لا وقد شاع الخبر في القصر كله؟
تقدمت خطوة، مترددة.
“أأنت… غاضب مني؟”
لم أكمل جملتي.
إذ تقدّم نحوي بسرعة، ثم جذبني بقوة إلى صدره.
شعرت بذراعيه تطبقان عليّ كمن يخشى أن أفلت منه.
وسمعت صوته يهمس فوق رأسي:
“نعم… غاضب.”
زاد من قوة عناقه وهو يضيف بمرارة:
“غاضب منكِ… إلى أبعد حد.”
التعليقات