الفصل 163. سأتخذ محظيًّا (1)
حديقة قصر الإمبراطورة الخلفية.
رغم برودة الطقس، امتلأت الحديقة الشتوية بالورود البيضاء اليانعة، بفضل عناية البستانيين الدقيقة.
وفي وسط ذلك المكان، كنتُ أنا وجيروم.
جميع الخدم صُرفوا بعيدًا، فلم يبقَ في الحديقة الفسيحة غيرنا نحن الاثنين.
لماذا أصرّ أن نلتقي هنا بالذات؟
جيروم قال إنه يريد التنزّه معي في الحديقة الخلفية، لكنه أصرّ على هذا المكان تحديدًا.
وكأنه شعر بتساؤلي، فتح فمه وتحدث:
“أتذكرين؟ لقد كان لقاؤنا الأول هنا أيضًا.”
تابع وهو يسير بجانبي بخطوات هادئة:
“يومها، بدا أنكِ أحببتِ هذا المكان كثيرًا. لكن بما أن الدخول إليه كان محظورًا، لم يكن بوسعي دعوتكِ مجددًا.”
أخذتُ أتأمل المكان من حولي.
كنتُ أعرف جيدًا ما يعنيه هذا المكان.
فقد سمعتُ من الوصيفات أنه الحديقة التي أهداها الإمبراطور الراحل للإمبراطورة التي أحبها.
مكان لم يُسمح لأحد بدخوله سوى لها وحدها.
حتى الإمبراطورة السابقة، والدة جيروم، لم يُسمح لها بالاقتراب منه.
وظلّ مغلقًا حتى بعد وفاة صاحبة الحديقة.
“وها هو اليوم… صار ملكك.”
قال جيروم وهو يستدير نحوي:
“أنتِ الوحيدة المسموح لها أن تطأ قدماها هذا المكان الآن. يمكنكِ المجيء متى شئتِ.”
إذن حتى فَي لم تدخل هنا أبدًا؟
وبينما كنتُ أفكر، جذب جيروم يدي إلى يده:
“سعيد لأنني استطعتُ أن أريكِ هذا المكان مجددًا.”
التقت يدانا، وحاول أن يشبك أصابعه بأصابعي.
“أتينا إلى هنا فقط من أجل مثل هذا الكلام؟”
سحبتُ يدي بقوة.
“لقد قلتُ لك من قبل، لا أتذكر ما حدث بيننا في الماضي. إن جئتَ لتستعيد الذكريات، فالأفضل أن تفعل ذلك وحدك.”
ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيه.
“لقد أطلتُ الحديث بلا وعي… في الحقيقة، أتيتُ اليوم لأعطيك شيئًا.”
“……؟”
مدّ جيروم يده وقدّم لي علبة بيضاء صغيرة.
فتحتها، فوجدت بداخلها بسكويت على شكل دُمى دببة صغيرة.
كان لطيفًا جدًا حتى إنني كدتُ أُبدي إعجابي بصوت مرتفع. لكنني تمالكت نفسي سريعًا.
“ولماذا تعطيني هذا؟”
“لأنك تحبين الأشياء اللطيفة… والحلويات أيضًا.”
“ومنذ متى تعرف ذوقي إلى هذه الدرجة؟”
“أعرف أكثر مما تظنين. كنتُ أراقبك دائمًا.”
صوته كان واثقًا لا يقبل التشكيك.
دفعتُ العلبة نحوه مجددًا.
“لا أريدها. خذها معك.”
“إن لم تريديها… فارميها.”
ماذا؟! هل قال لتوه… ارميها؟!
نظرتُ إليه بدهشة، فأردف:
“قصدي أنها أصبحت لكِ، فافعلي بها ما تشائين.”
“عدا أن أعيدها إليك، صحيح؟”
“تمامًا.”
عبستُ بوجهي.
“إن كان مصيرها أن تُرمى، فما فائدة إهدائها أصلاً؟”
“لأنني أردتُ أن أعطيك شيئًا.”
“تصرف أحمق.”
“حتى لو كان أحمق، لا بأس. أريد أن أعطيك كل ما لم أستطع إعطاؤك إياه سابقًا، بحجة الظروف والقيود.”
أعلن جيروم بوضوح أنه لم يعد ينوي النظر لاعتبارات الآخرين أو الاستماع لاعتراضاتهم.
كان الأمر خانقًا.
ماذا يفترض أن أفعل كي يتخلى هذا الرجل عني؟
مهما قلتُ له، لم يكن يستمع.
قررت أن أغير الموضوع بدلًا من الاستمرار في هذا الحوار العقيم.
كنتُ أملك بدوري ما أريد أن أواجهه به.
“سمعتُ بما حدث مع ليونارد.”
تجهم وجه جيروم في لحظة.
كأنني لمستُ وترًا حساسًا لا يريد أن يقترب أحد منه.
“لم أتوقع من جلالتك أن تختلق حتى ما لم يحدث. هذا تهوّر لا يليق بك.”
قال ساخرًا:
“ألا يكفي أنني أكبح رغبتي في قتله على الفور؟”
“هل السبب الوحيد هو أنه أخذني سرًّا؟”
“وكفى به سببًا.”
“لا، هذا ليس منطقيًا. إن كان هذا هو السبب، لوجب أن تعاقب سيدريك أيضًا. لكنك لم تفعل. إذن هناك سبب آخر، أليس كذلك؟”
كلماتي جعلت ملامحه تنقبض أكثر.
“هذا شأن بيني وبينه. لا علاقة لك به.”
إذن هناك سبب آخر بالفعل.
“أخبرني. إن كان لي أن أقرر إن كان يعنيني أم لا.”
“قلتُ لكِ… لا داعي. لأنه…!”
توقف فجأة. ثم مرر يده على وجهه كما لو كان يحاول تهدئة غضبه.
“على أي حال، أمامه مهلة حتى الحفل القادم. إن لم يتخذ قراره قبلها، فسأعلن كل شيء هناك.”
“جيروم.”
“لا فائدة من محاولاتك. لن أغيّر قراري.”
ثم أدار ظهره ليُنهي الحديث.
“سيكون الأمر بيده. إما أن يكون مجرد حفل، أو جنازته. والاختيار له.”
بعد أن انتهيت من أعمال اليوم وعدت إلى غرفتي، ظلّت كلماته ترنّ في رأسي:
«لأنه…!»
لم ينهِ عبارته، لكنني شعرت أنه يخفي شيئًا أعمق.
حتى عندما سألتُ سيدريك لاحقًا، قال إن ليونارد لا يعرف السبب بدقة أيضًا.
لكن مهما كان ذلك السبب، الأهم الآن هو التفكير بكيفية إنقاذ ليونارد.
لو أنني سبقتُ جيروم في الإعلان أمام الجميع…؟
لو قدّمتُ خبرًا صادمًا، لغطّى على ما سيلقيه هو لاحقًا.
هكذا قد أُبعد الأنظار عن ليونارد.
لكن أي خبر يمكن أن يهزّ القاعة كلها؟
فكرتُ طويلًا… حتى خطرت لي فكرة جريئة.
وجاء يوم الحفل.
ارتديت فستانًا فاخرًا تحت إشراف الوصيفات، وأكملن زينتي حتى صرتُ كقطعة فنية.
ثم اتجهتُ إلى قاعة الاحتفال المهيبة.
كانت أصغر من الحفلات المعتادة، لأنها خُصصت للنبلاء الكبار فقط. لكن بهاءها لم يكن أقل.
وما إن دخلت حتى بادر الجميع بالتحية والإطراء.
جلستُ في مقعدي بجانب جيروم، وكان الجو مشحونًا بتوتر خفي بيننا.
نهض جيروم أولًا، رافعًا كأسه لإعلان بداية الحفل.
“شكرًا لحضوركم… لكن قبل أن نبدأ، لدي خبر أود إطلاعكم عليه—”
“قبل أن يتحدث جلالتكم.”
قاطعتُه بنبرة هادئة.
استدار إليّ بسرعة، وعيناه تقولان: “ماذا تفعلين؟”
لكنني تجاهلت نظراته، وتابعت:
“لدي أنا أيضًا إعلان مهم أود أن أسبقه.”
“هلينا…”
ناداني بصوت منخفض يكاد لا يسمعه سواي، محذّرًا.
لكنني أخذت نفسًا عميقًا.
كنتُ متوترة، لكنني لن أتراجع.
لقد كان خياري وحدي.
“…….”
سكت الجميع بانتظار كلماتي.
ابتسمتُ بخفة، وقلت بوضوح:
“سأتخذ محظيًا.”
“……!”
وفي اللحظة نفسها، تعالت همهمات الدهشة في القاعة.
التعليقات لهذا الفصل " 163"