الفصل 161: لا يهم حتى لو انكشف أمري أمام جلالته
قال غابيان وهو يمدّ ورقة أمام ليونارد:
“وُجدت أدلة تشير إلى أنّك حاولت التآمر على حياة جلالته.”
كانت رسالة.
مكتوب فيها خطة لاغتيال الإمبراطور.
وفي السطر الأخير كان اسم ليونارد مدوّنًا.
ما إن قرأها حتى خيّم البرود على عينَيه الزرقاوين.
“هذا ليس من فعلي.”
غابيان ردّ بصرامة:
“لكن هذه ليست الدلائل الوحيدة. هناك أيضًا ما يثبت أن سمًا وُضع في طعام جلالته.”
ثم أضاف: “كل الأدلة تشير إليك. لحسن الحظ، اكتُشف السم قبل أن يتناول جلالته الطعام، وإلا لكانت النتيجة كارثية.”
فأجاب ليونارد دون تردد:
“لم يُمنع الأمر صدفة، بل لأن أحدهم دبّر كل هذا. إنها عملية تزييف… وأنت تعرف ذلك جيدًا.”
تنهّد غابيان طويلًا.
في قرارة نفسه كان يدرك أنّ ليونارد ليس من هذا النوع.
لقد كان دومًا فارسًا مستقيمًا، قائدًا مخلصًا، ورجلًا يعتمد عليه.
قال غابيان بصوت أثقل:
“هذه ليست سوى رسالة تحذير من جلالته. أنت تعلم ما يقصد.”
لقد فهم كلاهما.
الإمبراطور جيروم لم يُظهر الأمر للعلن بعد.
بل أرسل إنذارًا مبطّنًا: “تخلَّ عن الإمبراطورة هيلينا، وإلا سأكشف هذه الأدلة وأدمّرك.”
تابع غابيان بنبرة حادة، وكأنه أب يوبّخ ابنه الذي يوشك أن يضيع:
“الآن… الأفضل أن تعترف وتطلب عفو جلالته. فقط تنسحب، وتبتعد عن الإمبراطورة. هذا الطريق الوحيد أمامك للنجاة.”
غابيان لم يكن يتحدث بصفته سيف الإمبراطور فحسب، بل بصفته الرجل الذي ربّى جيلًا من الفرسان.
كان كل فارس عنده أشبه بالابن، وليونارد تحديدًا كان الأقرب إلى قلبه.
لقد كان يراه خليفته الطبيعي لقيادة الفرسان مستقبلًا.
لكن الآن… ذلك الفارس النبيل يُخاطر بكل شيء من أجل حبٍّ واحد.
قال غابيان بغصة:
“أن تهدم كل ما بنيتَه من أجل امرأة واحدة… أليس قرارًا أحمقًا؟”
لكن ليونارد أجاب بصرامة، وعيناه الزرقاوان تتلألآن بعناد:
“حتى لو جُرّدت من لقبي كقائد… حتى لو صُلبت تحت تهمة لم أرتكبها… لن يهم.”
توقف لحظة، ثم أضاف بصوتٍ خافت لكنه ثابت:
“لقد أصبحت… كل حياتي.”
* * *
في جناح الإمبراطورة.
كنت أراجع بعض الأوراق حين أخبرَتني خادمتي:
“جلالتك، هناك من يطلب مقابلتك.”
رفعت بصري وسألت:
“من هو؟”
“السير كونراد.”
أذنت له بالدخول، فدخل بخطوات مضطربة ووجهٍ شاحب.
“جلالتك…” قال، وصوته يرتجف.
تملّكني القلق فورًا.
“ماذا هناك، سير كونراد؟”
تردّد قليلًا قبل أن ينطق:
“أرجوكم… أنقذوا قائدنا.”
تسارعت أنفاسي.
“ماذا حدث لليونارد؟!”
خفض رأسه وأجاب:
“لقد اتُّهم بالتآمر على حياة العائلة الإمبراطورية.”
شعرت بأن الأرض تميد تحت قدمي.
* * *
استمعت من كونراد إلى ملخّص ما جرى، ولم يكن صعبًا أن أستنتج الحقيقة.
“جيروم… هذا من فعله.”
لقد غضب لأن ليونارد هو من خطفني بعيدًا عن قبضته.
أراد أن ينتقم منه بطريقة قاسية.
أمرت خادماتي بأن يبحثن عن وسيلة للوصول إلى ليونارد، لكن الخبر عاد صادمًا:
“كل الطرق المؤدية إلى مكتبه مغلقة. حتى من جانبنا لم يسمحوا بالدخول… حتى وإن قلنا إننا جئنا من قِبل جلالتك.”
قالت أخرى: “يبدو أن السير غابيان وحده يستطيع الدخول.”
كنت أعضّ شفتي بقلق حين تقدّم كونراد وقال همسًا:
“방법이 하나 있습니다 — ثمة طريقة واحدة.”
وهكذا… اتفقنا أن نلتقي عند منتصف الليل.
* * *
حين حلّ الموعد، تنكّرتُ بزيّ خادمة وتبعت كونراد إلى مكانٍ مشرف على غرفة ليونارد.
فأشار إلى الأسفل وقال بجدية:
“عليكِ أن تقفزي من هنا. أسفلنا مباشرة شرفة مرتبطة بغرفته.”
تسمرت مكاني.
“تقصد أن… أقفز؟!”
“لا يوجد خيار آخر، جلالتك.”
كان قلبي يخفق بعنف.
لكن في النهاية أغمضت عيني وقفزت.
ولم أشعر بالارتطام.
بل بأذرع قوية تتلقفني.
“…جلالتك.”
رفعت رأسي بذهول.
“ل… ليونارد؟!”
ابتسم ليونارد وهو يضمّني أكثر.
“حقًا… ستودي بحياتي يومًا ما. كل مرة تفاجئينني هكذا، أظن أن قلبي لن يصمد.”
احمرّ وجهي وأجبته بعصبية:
“أ… أنزلني حالًا!”
لكنه حملني بخطوات واثقة إلى غرفته، ووضعني مباشرة فوق سريره.
“لماذا هنا بالذات؟!” هتفتُ بخجل.
فقال بهدوء:
“لأن هذا المكان… الألين.”
* * *
جلست مضطربة على حافة الفراش، بينما اقترب هو مني بعينيه الزرقاوين الثابتتين.
“أخبروني أنكِ جئتِ لمقابلتي. لكن… ألا تخشين أن يكتشف الإمبراطور وجودك هنا؟”
ترددت لحظة. ثم رفعت رأسي بثبات وقلت:
“حتى لو اكتشف… لا يهم.”
اقترب أكثر وهمس عند أذني بصوتٍ عميق:
“لا يهم، طالما أني أستطيع أن أراكِ.”
✨ انتهى الفصل 161
التعليقات