الفصل 158: ما أريده شخص واحد فقط
“كان يجب أن أقتلك في ذلك الوقت.”
كان صوت جيروم مليئًا بالكراهية، وكأنه على وشك تمزيقه.
لكن على الرغم من هذه الكلمات القاسية، فإن سيفه لم يتحرك.
فقد كان ما يزال يرى طيف الإمبراطورة الراحلة.
كانت تحدق به بعينين يملؤهما الشفقة، وكأنها تحذره من ارتكاب خطأ آخر.
جيروم أغمض عينيه بقوة ليطرد تلك الصورة، ثم أعاد فتحهما.
قال ليونارد بنظرة حادة كأنه يقرأ ما في داخله:
“إن كنت تريد قتلي، فلماذا تتردد إذن؟”
ثم أضاف بتهكم خفي:
“هل تذكرت والدتي، صدفةً؟”
تجمد جيروم في مكانه.
“ما الذي تقصد……؟”
“أنت تعرف جيدًا ما أعنيه أكثر مني.”
انقبضت ملامحه.
إذن، كان يعرف منذ البداية من يكون…؟
نظر إليه بثقل.
ترى، ماذا كان يفكر وهو يحدق بي طوال تلك السنين؟ هل كان يعد سيف الانتقام لأنني قتلت والديه؟ هل رآني غاصبًا لعرش ليس لي؟
سأله جيروم بصوت منخفض:
“منذ متى كنت تعرف حقيقتك؟”
ابتسم ليونارد:
“هل تظن أنني دخلت القصر بدافع طموح فارس بريء؟”
منذ البداية… كان يعرف.
ومع ذلك تظاهر بالجهل، وأدى دور الفارس المخلص لسنوات طويلة.
ضحك جيروم بسخرية:
“لا بد أن إخفاء نواياك كان مرهقًا. ومع ذلك أدّيت الدور بإتقان.”
رد ليونارد بخفة:
“بل كان ممتعًا، خصوصًا وأنت لم تدرك شيئًا.”
“وماذا تريد الآن؟ هل تفكر في العرش؟”
اقترب ليونارد بخطوات ثابتة وقال بهدوء:
“لا تقلق. العرش لم يعد ما أريده.”
لم يعد؟
ضيّق جيروم عينيه.
إذن هو يريد شيئًا آخر… أو بالأحرى شخصًا آخر.
ابتسم ليونارد وأجاب:
“ما أريده هو شخص واحد فقط.”
فهم جيروم على الفور:
“……هيلينا.”
حاول أن يوقفه بنبرة تحذير، لكن ليونارد تابع وكأنه لم يسمع:
“إنها تريد الحرية بعيدًا عن هذا القصر. ولو استعدتُ مكاني الحقيقي، فلن تستطيع الهرب أبدًا.”
عيناه تلألأتا بالعزم وهو يضيف:
“لهذا السبب لم يعد العرش يهمني. خذه كما تشاء.”
وبعد أن قال كلماته الأخيرة، اختفى فجأة من أمام عيني جيروم.
لقد استخدم حجر الانتقال السحري الذي أعطاه له سيدريك.
جيروم بقي وحيدًا في القاعة، جامدًا، يحدق في المكان الذي كان يقف فيه ليونارد قبل لحظة.
كانت عيناه تمتلئان بغضب مرعب.
* * *
هل سيكون ليونارد بخير؟
كنت قلقة بعدما سمعت من كونراد عن خطته.
أن يتسلل وحده إلى معسكر الأعداء… مهما كانت قوته، فهذا خطير جدًا.
لم أستطع حتى أن آكل، وشعرت أنني أعيش براحة بينما أترك الخطر كله على عاتقه.
“مولاتي.”
“…….”
“مولاتي.”
انتبهت أخيرًا إلى أن سيدريك كان يناديني.
سألني بهدوء:
“هل تسمحين أن نخرج في نزهة قصيرة؟”
“نزهة؟”
“البقاء في الغرفة فقط لن يفيد. قليل من الهواء النقي سيريحك.”
لم أرد أن أخيب أمله، خصوصًا وهو يفكر في راحتي.
“حسنًا.”
خرجت معه، وسرعان ما عرفت السبب.
“آه…”
أمامنا شجرة ضخمة مليئة بأزهار وردية اللون.
على الرغم من برودة الجو، كانت الأزهار متفتحة كأنها ربيع ساطع.
تناثرت بتلاتها مع الريح كأنها رقصت في الهواء.
لم أستطع منع نفسي من الابتسام.
لقد استخدم السحر ليجعلني أبتسم.
بينما كنت مأخوذة بالمشهد، مد يده ووضع زهرة صغيرة خلف أذني.
لكن خديه احمرّا أكثر مني.
ابتسمت بخفة، وقلت:
“انحني قليلًا.”
“……؟”
انحنى كما طلبت، فأمسكت زهرة أخرى ووضعتها خلف أذنه.
ارتبك بشدة حتى احمرّ وجهه كله.
ضحكت من رد فعله الصادق.
“هذه هديتي لك… شكرًا لأنك أخرجتني.”
تنحنح بخجل وقال:
“ألم أقل لك؟ الخروج يجعلك أكثر سعادة.”
“نعم، كما قلت تمامًا.”
لم أرد أن أفسد اللحظة بالحديث عن حزنه، فاحتفظت بكلماتي لوقت آخر.
بعد أن أنهينا التنزه عدنا إلى القصر الصيفي.
لكن…
“ها…؟”
كان هناك رجل يقف أمام الباب.
رأيت ظهره أولًا، لكنني عرفت مَن هو فورًا.
تسارعت خطواتي، فالتفت بدوره إليّ مبتسمًا.
“مولاتي.”
“ليونارد……!”
* * *
في اليوم التالي، بقيت فاي في القصر الصيفي.
لم يمنعها أحد، لكن وصيفات الإمبراطورة تجاهلنها كأنها غير موجودة.
كانت غاضبة.
أنا أرفع شأنًا منهن، فكيف يعاملنني بهذا الشكل؟
تذكرت كيف مزقن فساتينها وأفسدن حاجياتها فقط لأنها قريبة مني.
لكنها قررت أن تبقى، والسبب لم يكن كبرياءها فقط.
كانت مقتنعة أن المرأة التي ترقد في غرفة الإمبراطورة ليست أنا.
لم أرَ وجهها حتى مرة واحدة…
بدأت تبحث عن الدليل، لكن الوصيفات كنّ يحرسن الباب بإحكام.
فانفجرت في النهاية:
“إن لم أرَ مولاتي، سأُحضر الطبيب بنفسي!”
بعد جدال طويل، جاء رجل بلحية كثيفة وقدم نفسه:
“أنا ماكس، طبيب القصر الصيفي.”
لكن فاي ارتابت فورًا:
“لم أرَك من قبل.”
أجاب بسرعة:
“أنا أعمل هنا فقط، لذلك من الطبيعي أن لا تعرفيني.”
لم تقتنع، لكنها واصلت التحقيق:
“أخبرني، ما الذي تعانيه مولاتي بالضبط؟”
“لا أستطيع الكشف عن ذلك. القانون يمنعني.”
“إذن متى ستتعافى؟”
“لا أستطيع تحديد وقت.”
صرخت بانفعال:
“كف عن اللف والدوران!”
ثم أمسكت معصم إحدى الوصيفات بقوة حتى تألمت.
“قولوا الحقيقة! الشخص هناك ليس مولاتي!”
في تلك اللحظة، دوّى صوت بارد خلفها:
“اتركي يديها فورًا.”
استدارت فاي، ووجهها شاحب كأنها رأت شبحًا.
التعليقات لهذا الفصل " 158"