الفصل 154. الساحر المقنّع (4)
أُقيمت جنازة بريم بهدوء شديد.
وبالطبع، تم إلغاء حفل الخطوبة.
لكن تشارلين، الذي كان قد سدّد ديون عائلة باسيـت بحجة الخطوبة، تجرأ بوقاحة على المطالبة بتعويض.
“تعويض؟! أيُعقل هذا؟! لقد قتلتها بيديك ثم تجرؤ على طلب تعويض؟!”
“عمّ تتحدث؟ كيف لي أن أقتل خطيبتي التي كانت عزيزة عليّ؟”
أجاب تشارلين ببرود، منكرًا جرمه.
أدلى سيدريك بشهادته شخصيًا في المحكمة، لكن لم يُصغِ إليه أحد.
فقد سبق لتشارلين أن اشترى ذمم كل من حضر الجلسة.
وفي النهاية، أُجبرت عائلة باسيـت على دفع التعويض.
لتعود الديون، التي بالكاد تخلّصوا منها، لتثقل كاهلهم من جديد.
عجزت العائلة عن احتمال العبء المالي، ودخلت في أزمة خانقة… حتى انهارت تمامًا.
ومنذ ذلك اليوم، رحل سيدريك عن القرية.
على الرغم من وصية بريم الأخيرة بأن يبتسم دومًا، لم يستطع أن يضحك مرة أخرى.
وكأنه فقد القدرة على الابتسام إلى الأبد.
عاش حياته بعد ذلك بلا ابتسامة… مجرد ظل لرجل كان يعرف الضحك يومًا.
لكن سيدريك ضحك من جديد حين التقى هيلينا.
حين وقعت عيناه عليها لأول مرة، شعر لوهلة أن أنفاسه توقفت.
الهالة المشرقة التي أحاطت بها جعلته متيقنًا أنها ليست إنسانة عادية.
“لكن… لم أتخيل أبدًا أنها ستكون إمبراطورة الإمبراطورية.”
كان وقع المفاجآت عليه متتابعًا.
بل وأكثر من ذلك… هي نفسها من ساعدته على الهروب من قصر الإمبراطورة، متنكرًا في زيّ خادمة!
تصرف جريء للغاية، ومع ذلك بدت هيلينا هادئة، وكأنها لم تقدم على شيء يُخيف.
“هيا، فلنعد وعدًا.”
“وعد؟”
“هكذا… نشبك أصابعنا الصغيرة ونقسم. ومَن يقسم هكذا لا يحق له أن يخلف وعده.”
نظر سيدريك طويلًا إلى أصابعه المتشابكة مع أصابعها.
شعور غريب دبّ من أطراف أصابعه إلى قلبه.
“إذا حصل شيء كهذا مرة أخرى، فلن أستطيع مساعدتك هذه المرة.”
“لن يحدث مجددًا. لقد وعدتُ… أليس كذلك؟”
ابتسمت هيلينا ابتسامة مشرقة جعلت قلبه يهتز.
دقّ.
في تلك اللحظة، شعر سيدريك بارتجاج غريب في صدره.
لم يكن مجرد انفعال عابر… كان شيئًا لا يُمحى.
دقّ… دقّ… دقّ…
الاهتزاز ازداد قوة حتى كأنه يسمع الأرض تهتز من تحته.
حين وضع يده على صدره، أدرك الحقيقة المروعة:
“هذا… قلبي؟”
قلبه، الذي ظل دومًا تحت سيطرته، كان يخفق بجنون دون إرادته.
عندها فقط، تذكّر سيدريك كلمات بريم في الماضي:
«حين أكون أمامه، هنا… يبدأ قلبي بالخفقان، دقّ دقّ، شعور جميل يهزّني.»
أقنع نفسه أول الأمر أنها مجرد أوهام… أو قلق من انكشاف أمره أمام الحرس.
لكن ارتجاف قلبه لم يتوقف حتى بعد عودته.
جرب شتى أنواع الأعشاب المهدئة… كأسًا بعد كأس، حتى فقد العدّ.
لكن لا شيء نجح.
بل على العكس… صورة هيلينا لم تفارقه، بل ازدادت رسوخًا في ذهنه.
“لا! إنه مجرد تذكّر لا أكثر… مثل الكتب التي أحفظها بعد قراءتها مرة واحدة.”
حاول إقناع نفسه. لكن قلبه كان يعرف الحقيقة.
ومنذ ذلك اليوم، صار سيدريك يتردد على القصر لا لرؤية الزهور، بل لوضع زهرة بهدوء أمام جناح الإمبراطورة… ويرحل دون أن يترك أثرًا.
“إنها مجرد لفتة بسيطة… لأردّ الجميل لا أكثر.”
لكن حين رآها صدفة وهي تغرس تلك الزهرة في الحديقة، لم يستطع كبح نفسه.
وعلى الرغم من معرفته أنه لا يحق له الاقتراب، خرجت الكلمات من فمه دون وعي:
“تلك الزهرة لا يجب أن تُزرع في مكان مشمس كهذا.”
تجمد لثوانٍ بعد أن أدرك ما فعله.
لكنه، في الوقت نفسه، شعر بسعادة غامرة لأنه كلّمها.
“أهذا أنا؟! منذ متى صرت متهورًا هكذا؟”
هو الذي اعتاد الحذر الدائم… صار مرتبكًا أمام ابتسامتها.
حتى أنه شعر بالراحة، وكأن ثِقَلًا جثم على صدره طويلًا قد زال.
إحساس لم يعرفه حتى حين أحب بريم.
وأدرك في النهاية:
“هذا الشعور… هو الحب.”
بعد أن أنهى ذكرياته، فتح سيدريك عينيه.
انعكس وجهه على زجاج النافذة… وعليه أثر جرح طويل يشقّ عينه.
أثر السيف الذي تركه تشارلين.
جرح لم يعد يؤلمه جسديًا… لكنه بقي شاهدًا على عجزه يومها.
كان بإمكانه إزالة الندبة بسهولة، لكنه أبقاها عمدًا… حتى لا ينسى يوم فشل في حماية صديقته العزيزة.
“بريم… لو كنتُ أقوى قليلًا… لو لم أطمئن لغدره… لما رحلتِ هكذا.”
أطبق قبضته وأقسم في صمت:
“لن أكرر نفس الخطأ. فقدان شخصٍ عزيز… مرة واحدة يكفي.”
رفع القناع الموضوع بجانبه، وغطّى به وجهه.
وكان عزمه لا يتزعزع:
هذه المرة، سيحميها مهما كلفه الأمر.
وفي الوقت ذاته، داخل قصر الإمبراطورة…
“سيدتي! مصيبة! لقد وصلنا خبر عاجل من خادمينا في قصر الإمبراطورة الثانية!”
ركضت ماري وهي تلهث.
“خبر عاجل؟ ما الأمر؟”
“لقد أمرت الإمبراطورة الثانية بتجهيز عربة… متجهة إلى القصر الفرعي!”
“القصر الفرعي؟! ذاك الذي قيل إن صاحبة الجلالة الإمبراطورة ذهبت إليه؟!”
“بالطبع! إنها لا تفعل هذا عبثًا. حتمًا تريد التأكد إن كانت جلالتها موجودة هناك!”
“كارثة… لو وصلت إلى هناك ولم تجدها، سينكشف السر!”
اجتمعن وصارت الوجوه متوترة. لا بد من إيجاد حلّ قبل أن تصل الإمبراطورة الثانية.
قالت الكونتيسة كلوي بحزم:
“لا خيار أمامنا. يجب أن نسبقها إلى القصر الفرعي.”
“لكن حتى لو انطلقنا الآن، سنصل متأخرين.”
أطرقت الكونتيسة لحظة، ثم رفعت رأسها بعزم:
“إذن… لنطلب مساعدة ماكس. هو وحده قد يعرف من يمكنه مساعدتنا.”
ما إن وصل ماكس وسُردت له القصة حتى ابتسم بخبث.
“هاه… لقد انتظرتُ هذه اللحظة طويلًا. حان وقت تدخّل ماكس من جديد!”
استدار نحوهم… وإذا بوجهه قد زُيّن بشارب ضخم لم يكن موجودًا قبل لحظات!
“متى… متى ألصقه؟! أكان يدير ظهره فقط ليضع هذا؟!”
لكن ماكس، رافعًا إبهامه للأعلى وذقنه نحو السماء، أعلن بثقة:
“لا تقلقوا! اتركوا الأمر لي.
فالناس كانوا ينادونني قديمًا… ‘ماكس صانع الحلول’.”
التعليقات لهذا الفصل " 154"